العالم اليوم يعيش تسابقا محموما في السيطرة على موارد الأرض بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة تصل أحياناً في مقاطع من الزمن الى السيطرة والهيمنة بأستخدام أسوء الإسلحة التي تفتك بالبشر دون رادع وهي طبيعة اتصف بها الإنسان منذ أن خلقه الله وقد جاء ذلك الوصف على لسان ملائكة الله عندما أقتضت مشيئته أن يستخلف الانسان على الارض يقول تعالى {واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون} (البقرة 30) وكانت الحروب ولم تزل هي الوسيلة للهيمنة وسرقة ثروات الشعوب، والحرب هي الظاهرة الإجتماعية الأشد تأثيراً في مسار التاريخ وصنعه، وعلى رأي الكاتب غاستون بوتول مؤلف كتاب ظاهرة الحرب يقول «إن الحروب هي التي أطلقت حضارات وأنهت أخرى» ولا زال الناس في هذا الكوكب يعيشون القلق والخوف من المجهول فهم في حالة صراع وجود وتنافس على القوة، وما التسابق على إنتاج السلاح النووي إلا ترجمة لذلك الخوف من بعضهم البعض، في مثل هذه الظروف! ماذا يعنينا نحن المسلمون؟ وما هو موقفنا مما يحدث؟ وهل حضورنا ومشاركتنا في المحافل الدولية يعني علمنا بما يخطط لنا؟ وهل يمكن أن نؤثر في إيقاف عجلة التسابق لتدمير كوكبنا على أيدي فراعنة هذا العصر؟ للإجابة على تلك الأسئلة شاركونا في مناقشة هذه الحلول:
ما هي المسافة بين الدين وبين المتدينين؟ المعضلة التي تواجه المسلمين اليوم هي إختلافهم في فهم الاسلام وتطبيقاته، فقوم ذهبوا بالإسلام إلى أقصى اليسار فجعلوه مطية لتمرير مشاريعهم السياسية. وقوم ذهبوا بالإسلام الى أقصى اليمين ونصبوا أنفسهم وكلاء لله في فرض فهمهم للدين على ألأمة، وبين اليسار واليمين أغلبية صامتة لا حول لهم ولا قوة، لذلك استمر الفشل في تطبيق الاسلام الجامع لكل الناس الباني لمجتمع ناجح , نود تسليط الضوء على نموذج الإنسان والمجتمع الناجح الذي يكون له دور في إنتشال مجتمعه وإنقاذ أمته من مساقط ومهالك وضياع، بغض النظر عن الاتجاهات الفكرية التي ينتمي إليها ذلك الإنسان أو المجتمع.المقياس الأول: المسلم الناجح هو الذي يُحقق احتياجاته في الحياة ليبدأ حياته الثانية من حيث انتهى في الحياة الدنيا يقول سبحانه {وأبتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا} يقول الإمام علي عليه السلام أعمل {لدنياك كأنك تعيش أبد وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا}.المقياس الثاني: الحيوية والنشاط والديناميكية والتطلع الى أبعد نقطة للمستقبل بالفاعلية والإنتاج، يقول تعالى {إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه} فكلما كان الإنسان أكثر فاعليةً وإنتاجاً كان أعلى في مستوى النجاح. بينما الإنسان الذي ينعدم انتاجه، وتكون فاعليته في مستوىً متدنٍ فلا يُمكن اعتباره إنسانا ناجحاً.المقياس الثالث: التقاطع والانسجام مع المحيط والبيئة التي يعيش، فيها حيث أن الإنسان لا يعيش في صحراء، وإنما يعيش ضمن محيط. وكلما كان الإنسان أكثر انسجاماً مع محيطه كان أقرب إلى حالة النجاح. أما إذا ضعف انسجامه فلا يُمكن اعتباره إنسانا ناجحاً.بإمكاننا تطبيّق هذه المعايير على الفرد إنسانٍ من أي دين أو مذهب أو اتجاه وفي أي موقعٍ من مواقع الحياة، كما يُمكننا تطبيقها على الواقع الاجتماعي، فالمجتمع الناجح مَن تتحقق فيه هذه المقاييس وما سواه فهو على العكس من ذلك فإذا كانت هذه المعايير طبقت الى النموذج الاسلامي فأنه سوف يتقدم ويتفوق في زمن قياسي، يقول تعالى {ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.لنفترض هذا السؤال جدلا، مع كونه مطروح على المسلمين من قبل غيرهم حتى بات يطرح على لسان المسلمين وهو هل أن التدين بديلٌ عن حالة النجاح أم هو مضعفٌ ومعوق لدرجة التفوق ومنافسة الاخرين؟إنه من المؤسف وجود هذا التصور عند بعض فئات المجتمع الإسلامي بأن التدين بديلٌ عن التميّز والتفوق في هذه الحياة، فالمهم هو أداء العبادات والالتزام بالمستحبات، وليس مهما التفوق والنجاح الحياتي في نظر هؤلاء هو رضا الله سبحانه وتعالى. وهذه النظرة أيضاً متحققة عند بعض المجتمعات فالتدين عندها بديل عن التقدم والرقي الاجتماعي، ويوجد بعض من ينتمون الى الإسلام، شغلهم الشاغل أن تبقى صورة الاسلام كما كانت في العهد الاول ليس من حيث المضمون والحرص على التطبيق للمثل العليا كالأخلاق والزهد والورع عن ما حرم الله، بل الحرص في التشدد والتزمت لبقاء الشكل الخارجي حتى بات كل شيء لم يكن موجود في عهد رسول الله فهو حرام، وكان لإصحاب هذه النظرة للإسلام دور في تأخير مسيرة التنمية الإنسانية التي تتكىء على الإسلام كمحرك للوصول الى أعلى الدرجات في الدنيا قبل الآخرة. وهناك نظرة أخرى عند البعض وهي أن التدين يكون دافعا للتقدم والنجاح في الحياة، وهذه النظرة هي الصحيحة من بين التصورات الأخرى. وهذا
ما تؤكده آيات القرآن الكريم، يقول تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} بماذا كانت الأمة هي خير أمة أخرجت للناس؟. {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، ما هو المعروف وما هو المنكر؟ أذا نظرنا في هذا الزمان على أن المعروف هي مجموعة القيم الأخلاقية وغفلنا عن المعروف في قضايا الأمة الكبرى التي تقرر مصيرها ثم ركزنا على المنكرات الفردية التي أن حصلت لا تؤثر على كيان الأمة وأغمضنا العين عن المنكرات التي تنسف وتزعزع قواعد التقدم في التنمية الإقتصادية والسياسية والاجتماعية، وإذا استمر الحال لأصحاب هذا التصور بتلك العقلية فلن يتغير الأمر بل قد يزداد سوءا.هل أصيبت الأمة بالغرور في قربها من الله والنظر الى الأمم الاخرى إنها بعيدة عن الله؟ فإذاً نحن نتقدم والأمم الأخرى تتراجع وتتأخر. لقد وقع بعض المسلمين في فخ الغرور وأعتقد أن حفظ الشعار للإسلام وتضيع الشعور المؤثر في الداعي والمدعو ولم يتفكروا بأن الله لا تخدعه الشعارات ولا تغريه العناوين، وإنما يُريد الواقع؛ وقالوا «لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى»، «من يعمل سوء يُجز به»، «بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن». والعقيدة التي تنتج واقعاً سيئاً فهناك شكٌ في أنها هي العقيدة الصحيحة، وإذا كانت صحيحة فلا فائدة منها. إن النصوص الدينية تركز على قضايا مهمة اتجه إليها الغرب وأهملها المسلمون ومن أمثلة ذلك: 1- الدور الإنساني في عمارة الكون والحياة، {هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}. وواضحٌ دور الغرب في إعمار الكون والأرض بينما تخلف المسلمون عن هذه المهمة العظمى والأساسية.2- البحث عن أسرار الكون، {قل انظروا ماذا في السماوات والأرض}. وأيضاً في هذا الجانب تفوّق الغرب على المسلمين بمسافاتٍ شاسعة.3- التعامل مع الناس على أساس العدل، {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}. فتجد الغرب يحترم هذه القيم على مستوى أوضاعهم الداخلية بينما يعيش الناس في البلاد الإسلامية في أدنى مراتب مراعاة الحقوق الإنسانية.وضمن هذه القيم التي يركز عليها الإسلام ندرك أن شعورنا بالتدين والتميز على الآخرين باعتبار التزامنا بديننا ومذهبنا في حاجةٍ ماسة إلى إعادة النظر والقراءة. بين التدين والنجاح في الحياة وينبغي السعي من أجل أن ينجح المتدينون ويتدين الناجحون.
Leave a Reply