التفاهم السياسي قبل الانتخاب وإلا فالفراغ الرئاسي مستمروصول مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية يقابله مرشح توافقي لرئاسة الحكومة
كان البحث يدور في لبنان عن مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية، فاصبح يتركز على مرشح توافقي لرئاسة الحكومة، وعادت الازمة الى النقطة التي انطلقت منها قبل عام من الاعتصام الذي نفذته المعارضة في ساحة رياض الصلح، وكانت تطالب بحكومة وحدة وطنية، تكون لها شراكة فعلية فيها من خلال الثلث الضامن، لكن الفريق الحاكم لم يتجاوب معها، وابقى الازمة قائمة ومفتوحة على كل الاحتمالات، واصبح الوضع خطيراً بعد حصول الفراغ في رئاسة الجمهورية، وباتت الدعوة الى انتخاب رئيس جديد مطلب ملح وسريع لدى الطائفة المارونية خصوصاً واللبنانيين عموماً، خوفاً من ان يتحول هذا الفراغ الى
دائم وبالتالي استمرار تعقيد الازمة السياسية والدستورية.فالتوافق على اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان، اصبح امراً ثابتاً، بعد ان تبنته قوى 14 شباط في ترشيح رسمي صدر عنها في لقاء لم يجمع كل اعضائها، اذ ظهرت اعتراضات داخلها على قبول تعديل الدستور، بعد ان كان خطاً احمراً بالنسبة اليها، وقادت ما سمي بـ«ثورة الارز» ضد تعديل الدستور لصالح التمديد للرئيس اميل لحود قبل ثلاث سنوات، والذي تزامن حصوله مع صدور القرار 1559 عن مجلس الامن الدولي برفض المس بالدستور، وتجاوب 29 نائباً من المجلس النيابي السابق مع القرار، واعتبروا انفسهم «لائحة شرف»، بالوقوف ضد التدخل السوري الذي فرض التمديد وفق رأيهم، وهؤلاء انقلبوا على مواقفهم، وعادوا اليوم للقبول بتعديل الدستور لصالح وصول العماد سليمان، وفي طليعتهم النائب وليد جنبلاط الذي كان صرح قبل اسبوعين لوسائل الاعلام وتراجع عن موقفه، بانه ضد وصول عسكري الى الحكم، وهو مبدأ تاريخي بالنسبة له، وكذلك لن يسير بأي تعديل للدستور، وهذا ما ابلغه الى قائد الجيش ونصحه بالخروج من الاستحقاق الرئاسي، وبعد خروجه من قيادة الجيش يمكنه ان يصبح وزيراً او نائباً وربما لاحقاً رئيساً للجمهورية.ولم يمر اسبوعان على كلام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، حتى انقلب عليه ، ووافق على ترشيح العماد سليمان، وهو الانقلاب الذي مارسه ضد التمديد للحود بعد ان كان اعلن موافقته له قبل اسبوع، وبررها بالمصلحة الاستراتيجية لسوريا.
اما لماذا اعلن جنبلاط موافقته على ترشيح قائد الجيش، بعد رفضه له مع حلفائه في السلطة، فبرره بانه لمنع استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية، ولسد ثغرة بامكان حصول احداث امنية قد تتطور لحرب اهلية، يرفض الانجرار اليها كما يقول بعد ان تغيرت موازين القوى في الجبل لغير صالحه، ونمو حركة المعارضة وتحديداً «تيار التوحيد اللبناني» الذي يرأسه الوزير السابق وئام وهاب، اضافة الى ان رئيس «اللقاء الديموقراطي» تلقى نصائح اميركية بعدم المغامرة في انتخاب رئيس للجمهورية من فريق الاكثرية بالنصف زائداً واحداً، والذي سيتسبب بحصول فوضى سياسية ودستورية امنية لغير صالح حلفاء اميركا.وهذا الانقلاب بالمواقف من قبل اطراف في قوى 14 شباط، والتنازل عن مرشحيهم المعلنين وغير المعلنين، مرده الى ان الادارة الاميركية التي كانت متحمسة لوصول رئيس جمهورية من «ثورة الارز» تخلت عن وعدها الذي قطعه الرئيس جورج بوش للنائب سعد الحريري الذي زار واشنطن قبل اسابيع، وتردد ان التراجع الاميركي برز بعد مؤتمر انابوليس وحضور سوريا له والذي لم يصل الى مستوى وزير خارجية، حيث تحدثت المعلومات، بان ثمة خطوط اتصال فتحت بين الطرفين الاميركي والسوري حول ملفات المنطقة ومنها لبنان، بالرغم من نفي المسوؤلين الاميركيين المتكرر حصول صفقات او مقايضات على لبنان وسيادته واستقلاله، لكن حلفائهم اللبنانيين، وصلتهم الاشارات وادركوا بان لا مجال لانتخاب رئيس معاد لسوريا، وبالتالي فان تسهيل الانتخابات الرئاسية يمر بهذه المواصفات، ولو لم تحصل مقايضة مباشرة، حيث ظهرت مؤشرات ايجابية في الاشهر الاخيرة عن تراجع الحوادث الامنية في العراق، وخف تسلل المسلحين اليه، وقد اشادت الادارة الاميركية بتعاون سوريا وايران في بلاد الرافدين ووضعته في الخانة الايجابية، وانعكس ذلك على رفع «الفيتو» الاميركي عن العماد ميشال سليمان الذي كان اسمه طرح قبل اشهر من بدء الاستحقاق الرئاسي وجوبه برفض من اميركا وحلفائها في لبنان، لان قائد الجيش على علاقة ممتازة مع المقاومة وقيادتها ووقف اثناء العدوان الاسرائيلي في تموز 2006 الى جانبها، كما ان علاقته مع سوريا لم تنقطع على المستوى الشخصي، فاتصل اكثر من مرة بالرئيس بشار الاسد منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان، وكان اخرها مطلع الصيف الماضي، وهنأه على اعادة تجديد الشعب السوري له لولاية ثانية ، حيث صدرت مواقف من قبل قوى 41 شباط انتقدت هذا الاتصال واعتبرته انه لا يحق لموظف ان يقوم بذلك، كما انها قامت بحملة عليه عندما اكد ان لا علاقة للمخابرات السورية في معارك مخيم نهر البارد، فجوبه بحملة سياسية واعلامية قاسية من الفريق الحاكم، حملت عليه، لانه كشف عدم صدقية مزاعمه وادعاءاته بان تنظيم «فتح الاسلام» تابع لاجهزة الاستخبارات السورية، وهي ارسلته الى لبنان وحركته في مخيم نهر البارد ضد الجيش اللبناني، حيث بينت التحقيقات الامنية والقضائية، ان هذه المنظمة هي فرع من «القاعدة»، وفيها عناصر من كل الجنسيات، وان قدومهم الى لبنان، كان لاقامة «امارة اسلامية»، ومحاربة الشيعة «الرافضة»، بدفع من جهات خليجية وغيرها.فالحواجز الاميركية التي كانت تقف ضد وصول العماد سليمان الى رئاسة الجمهورية، ازيلت ولم يعد تعديل الدستور يشكل مانعاً، كما كانت تعلن وزيرة الخارجية كونداليزا رايس التي كانت تشدد على تطبيق القرار 1559، وهي ابلغت حلفاءها في لبنان موقف ادارتها، بالرغم من البلبلة التي كانت سائدة في صفوفها حول تفسير الدستور اللبناني، فان الرئيس فؤاد السنيورة الذي يعتبر الرقم واحد والشخص الاول في لبنان بالنسبة للادارة الاميركية، فقد اعلن اكثر من مرة انه ضد المس بالدستور، وانه لن توقع يده مشروع قانون بتعديله، ولن يكرر ما فعله الرئيس رفيق الحريري، وان المرحلة الحالية مختلفة، فما كان يفرضه السوريون قد تغير. لكن كلام السنيورة تبدل، ونفى انه قاله، واكد انه مع تعديل الدستور لصالح وصول قائد الجيش، وكانت موافقته هذه اشارة اميركية واضحة بأن «الفيتو» الاميركي سقط، وتحديداً من الخارجية التي كانت تعاكس رأي في وزارة الدفاع الاميركية والقيادة العسكرية الاميركية لم يمانع بوصول العماد سليمان لما يتمتع به من قيادة حكيمة وجريئة واثبت جدارة في مواجهة الارهاب والقضاء عليه في لبنان، حيث لم يتمكن الجيش الاميركي في العراق.والانعطافة الاميركية نحو تأييد العماد سليمان، انعكست تلقائياً على حلفاء واشنطن فالتقى كل من السنيورة وجنبلاط والحريري، وقرروا الموافقة على ترشيح قائد الجيش، وحصل ذلك في اليوم الاخير من انتهاء ولاية الرئيس لحود، حيث شعروا بخطورة الفراغ، وان حكومة السنيورة لا يمكنها ان تصمد مع استمراره، وان ورقة انتخاب رئيس للجمهورية بالاكثرية المطلقة لم يعد وارداً وسقطت من يد الاغلبية، وان الفريق المسلم في قوى 14 شباط لا يستطيع تحمل هذا الفراغ مسيحياً وسيضعف موقف مسيحي «ثورة الارز» ويقوي موقف العماد عون وحلفائه المسيحيين وقد تحرك في هذا الاتجاه لجمع المسيحيين حوله وحول المعارضة، فاندفعوا باتجاه القبول بالعماد سليمان وشرب «الكأس المر»، ولو على صدقيتهم وثوابتهم، وتبرير ذلك، بالهروب من
الحرب الاهلية، ومنع عودة سوريا الى لبنان من جديد في حال وقوع الفوضى.ولقد نزلت موافقة السنيورة وجنبلاط والحريري على اسم العماد سليمان ومن خارج لائحة البطريرك صفير، كالصاعقة على حلفائهم المسيحيين لا سيما المرشحين رسمياً كالنائب السابق نسيب لحود والنائب بطرس حرب الذي اعلن انه سيترك 14 شباط، كما تحفظ خمسة اعضاء من هذا التجمع على ترشيح سليمان، فيما لاذ كل من الرئيس امين الجميّل وسمير جعجع بالصمت وقبلا على مضض بترشيح قائد الجيش، وحاولا ان يوحيا انهما كانا على معرفة بذلك، بعد ان بدأت قاعدتهما تنتقدهما لان من يقرر عنهما هو جنبلاط اولاً ثم الحريري والسنيورة.لقد بلع رئيس حزب الكتائب ورئيس «القوات اللبنانية» اعتراضهما، وقبلا بالعماد سليمان ليقطعا الطريق امام وصول العماد الآخر ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وهذا ما اقنعهما به جنبلاط، لان خسارتهما ستكون اقل بكثير كما خسارة الموالاة مع قائد الجيش، في حين انها ستكون اكبر مع عون وحلفائه، وان «جنرال الرابية» لن يهضم قبول 14 شباط بترشيح العماد سليمان وسيصبح بمواجهة المؤسسة العسكرية، لكن رئيس «التيار الوطني الحر» فاجأهم بموافقته، على ترشيح رفيق السلاح، واعلن انه لفخر له ان يخرج من هذه المؤسسة رؤساء جمهوريات واشترط لتسهيل وصول قائد الجيش من وزارة الدفاع الى القصر الجمهوري ان يؤخذ بمبادرته التي اطلقها عشية اليوم الاخير من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية واعلن فيها انه ينسحب من المعركة اذا تمت الموافقة على ان يسمي هو مرشح من خارج «تكتل الاصلاح والتغيير» و«التيار الوطني الحر»، على ان يسمي سعد الحريري مرشحاً لرئاسة الحكومة من خارج «تيار المستقبل»، وان العماد سليمان كان من ضمن الاسماء التي كان طرحها قبل المبادرة وبعدها للموافقة عليه كمرشح توافقي، وهو لا يرفضه، حيث الزم موقفه هذا حلفاؤه في المعارضة وتحديداً «حزب الله» الى اعلان تأييده، ولا مشكلة له مع قائد الجيش الذي قيل انه احد المرشحين الاساسيين وغير المعلنين لـ«حزب الله» في حال رفض عون الترشيح.فبعد موافقة المعارضة وتحديداً المعني برئاسة الجمهورية العماد عون كمرشح اساسي وجدي ووحيد لها على ترشيح سليمان، ارتبكت الموالاة التي لم تنجح في رمي الكرة في ملعب المعارضة التي ردتها الى ملعبها، واشترطت بعد الموافقة السياسية وايجاد الآلية الدستورية لانتخاب قائد الجيش والتي اعلن الرئيس بري انها متوفرة بعد استشارة خبراء في الدستور ان يتم التفاهم على برنامج عمل او سلة متكاملة للعهد الجديد تبدأ برئاسة الحكومة وعدد اعضاء الحكومة والحقائب الوزارية وحصة المعارضة على اساس التمثيل النسبي للكتل النيابية، وان يكون حجمها فيها بما نسبته 13 وزيراً من اصل حكومة عدد اعضائها ثلاثين.ولن تسلم المعارضة بإنتخاب سليمان دون البحث التفصيلي للمرحلة المقبلة، لانها لا تعتبر ان الازمة تنتهي مع ملئ الفراغ الرئاسي، فالمشكلة لم تكن في رئاسة الجمهورية، فالرئيس لحود كان الى جانب المعارضة، وكانت مطالبتها بالشراكة داخل الحكومة، وهذا كان سبب تظاهرها واعتصامها وتحركها الشعبي والسياسي، واذا لم يتم الاتفاق السياسي مسبقاً على العناوين الاساسية، فان الانتخاب لن يحصل وقبله التعديل الدستوري، وستنتقل الازمة الى العهد الجديد مع سليمان او غيره.وتطالب المعارضة بضمانات قبل الولوج الى انتخابات رئاسة الجمهورية، لانها لن «تلدغ من جحر مرتين»، فهي اقامت تحالفاً رباعياً في الانتخابات النيابية بين «امل» و«حزب الله» و«المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، فتم الانقلاب عليه، والقفز لاحقاً فوق البيان الوزاري للحكومة التي تشكلت من هذا التحالف، واقصي عنها «التيار الوطني الحر» وحلفائه الممثلين الحقيقيين للمسيحيين، وفق ما افرزته نتائج الانتخابات، بعد ان كان العماد عون اتفق مع النائب الحريري قبل تشكيل حكومة السنيورة على المشاركة فيها بأربعة وزراء وبرنامج لها، فتم التنكر للاتفاق، وتم تجيير حصة عون للرئيس لحود الذي سمى وزراء فخانوا الامانة فيما بعد وهم: الياس المر، شارل رزق، وطارق متري وابتعدوا عنه وانضموا الى الاكثرية داخل الحكومة التي غاب عنها الثلث المعطل، وهو ما دفع بوزراء «امل» و«حزب الله» والوزير يعقوب الصراف الذي بقي حليفاً للحود الى تقديم استقالاتهم.لذلك يصر رئيس «تكتل الاصلاح والتغيير» على الاتفاق الخطي مسبقاً، وقبل كل شيئ على رئاسة الحكومة، بإستبعاد السنيورة اولاً، ثم سعد الحريري الذي اشترط عون للقبول به، وصوله هو الى رئاسة الجمهورية، واذا كان تم التوافق على رئيس للجمهورية، فيجب ان يحصل ايضا على رئاسة الحكومة من خارج «تيار المستقبل» حيث يبرز اسم الرئيس نجيب ميقاتي الذي تم التوافق عليه بعد الانسحاب السوري واستقالة الرئيس عمر كرامي لرئاسة حكومة انتقالية اشرفت على انتخابات نيابية في ربيع العام 2005، كما يمكن القبول بالوزير محمد الصفدي كمرشح لرئاسة الحكومة، حتى لو لم يقبل الحريري، لان الاغلبية تصبح مع المعارضة بإنتقال عدد من نواب 14 شباط اليها، ومنهم «التكتل الطرابلسي».وهكذا انتقل الاستحقاق من التوافق على رئاسة الجمهورية الى البحث عن مرشح توافقي لرئاسة الحكومة مع ضمانة اكثر من الثلث فيها للمعارضة، والاتفاق على قانون انتخاب، واقفال ملف المهجرين، والتأكيد على رفض التوطين، والبحث بالمجلس الدستوري والمراكز الادارية والعسكرية والامنية في الدولة.والعقدة التي يتم البحث بتذليلها، تتعلق، بترؤس الحريري لحكومة العهد الاولى، ثم بالمهلة الدستورية للرئيس الجديد، بحيث يقترح عون ان تنتهي ولايته بعد الانتخابات النيابية في منتصف العام 2009.ويبدو ان هاتين العقدتين تقفان حائلاً دون الاسراع في انتخاب سليمان لرئاسة الجمهورية، وقد بدأ الضغط الخارجي بإتجاه حلحلة الاشكالات التي استجدت، حيث كشفت مصادر دبلوماسية اوروبية، ان اسم العماد سليمان كان تم التوافق عليه من قبل وزراء خارجية فرنسا واسبانيا وايطاليا قبل اسابيع، لكن تم رفضه من قبل قوى 14 شباط، و«الفيتو الاميركي»، ثم عادوا وقبلوا به.وان رفض الفريق الحاكم لشروط المعارضة حول الحكومة المقبلة ورئيسها وبرنامجها، سيعود ويقبل به، لان موازين القوى بدأ يتبدل لصالح المعارضة، كما ان المشروع الاميركي لم يعد فاعلاً في لبنان، وبالتالي فان قوى 14 شباط مضطرة الى ان ترضخ لهذه الشروط ، وهي تقرأ ذلك في التطورات التي تحصل
في المنطقة، وان سوريا ما زالت الناخب الاساسي في رئاسة الجمهورية.
Leave a Reply