استهداف مدير العمليات فـي الجيش اصاب قائده المرشح للرئاسة
والاتهامات تبدأ باسرائيل وتمر بتنظيمات اصولية.. وصولاً الى الصراع السياسي
انتقل مسلسل الاغتيالات الى المؤسسة العسكرية، باستهداف احد ضباطها الكبار العميد الركن فرنسوا الحاج، مدير العمليات في الجيش اللبناني، بعد التوافق على قائده العماد ميشال سليمان مرشحاً لرئاسة الجمهورية من قبل الموالاة والمعارضة، وان من يقف وراء الجريمة، انما قصد اضعاف الجيش بعد ان بات هو الحل للخروج من الازمة السياسية التي تعصف بلبنان منذ اكثر من سنة، واستطاع ان يحافظ على وحدته ويضمن الاستقرار الامني والسلم الاهلي.وهذ الاغتيال هو الاول في عملية تفجير لضابط في الجيش، منذ وقف الحرب الاهلية منذ حوالي العقدين، اذ سبق وحصلت عمليات خطف وقتل لضباط وجنود اثناء الاقتتال الداخلي على يد ميليشيات، او مع انقسام الجيش وتشرذمه وتحوله الى «جيوش طائفية ومذهبية»، وكان اقسى ما تعرض له في التمرد الذي قاده الملازم احمد الخطيب في شباط 1976 اثناء ما سمي بـ«حرب السنتين»، ثم في الانقلاب الذي قاده اللواء عزيز الاحدب، واللواء انطوان بركات وضباط اخرون، وهكذا توالى تشرذم الجيش، وتعدد ولاءاته السياسية والطائفية، ولم يتمكن ضباطه الذين تعاقبوا على قيادته في توحيده، وكان الانشقاق الكبير الذي وقع في صفوفه حصل في العام 1984 بعد اتنفاضة 6 شباط على حكم الرئيس امين الجميل، الذي استخدمه في قصف بيروت والضاحية الجنوبية والجبل، مما ادى الى فرز سياسي وطائفي داخله، وتحول الى «الوية طائفية ومذهبية».فاثناء الحرب تم اغتيال ضباط لم يلتحقوا بالميليشيات او يلتزموا اوامرها، او دانوا ممارستها وتشبثوا بالولاء للجيش والتزموا قرارات المؤسسة العسكرية ولم يقبلوا ان يساهموا في تقسيم مؤسسات الدولة، وقد تمت تصفية عدد من الضباط على يد ميليشيات «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي تحديداً في فترة الثمانينات، وكان من ابرز الضباط الذين قتلوا العميد خليل كنعان بعد ان خطفه عناصر من القوات من منزله، والعقيد عادل ابو ربيعة الذي خطف اثناء خروجه من منزله في بيروت على يد عناصر اشتراكية ورميه جثة.اما الحرب الكبرى التي خاضها الجيش وكان منقسماً بين قيادتين بعد تشكيل حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون الذي كان قائداً للجيش، في مواجهة حكومة مدنية كانت قائمة في عهد الرئيس الجميل برئاسة سليم الحص، التي عينت اللواء سامي الخطيب قائداً للجيش. وبعد استلام عون رئاسة الحكومة العسكرية قرر الغاء الميليشات واستلام المرافىء التي كانت خاضعة لغير الشرعية، وخاض حرباً ضد «دويلة القوات اللبنانية» في المناطق الشرقية، وضد «الادارة المدنية» التابعة لجنبلاط في الجبل، وفي هذه الحرب، التي اخذت عنوانين «حرب التحرير» ضد الوجود العسكري السوري وحلفائه، و«حرب الالغاء» ضد سيطرة «القوات اللبنانية» على «المناطق المسيحية»، وفي الحربين سقط شهداء وجرحى للجيش اضافة الى المواطنين، الى ان انتهت الحرب الاهلية، بعد اتفاق الطائف وانتخاب رئيس جمهورية، واستلام العماد اميل لحود قيادة الجيش الذي اعاد توحيده، بعد العملية العسكرية التي انهت تمرد عون على الشرعية واحتلاله القصر الجمهوري في بعبدا، ومؤسسات رسمية اخرى.
جندي لبناني في موقع التفجير الذي استهدف الشهيد الجنرال فرنسوا الحاج |
دخل لبنان مرحلة السلم الاهلي، وبدأت عملية دمج الالوية في الجيش على اساس وطني لا طائفي او مذهبي او ولاء سياسي ومناطقي، وبدأت مرحلة جديدة، اصبح للجيش عقيدة قتالية، وتوجيه وطني، بان العدو هو اسرائيل، وتم التنسيق مع الجيش السوري اثناء وجوده في لبنان والذي ساهم في اعادة بناء المؤسسة العسكرية ودعمها بالسلاح والاعتدة وتدريب ضباطها.اخذ الجيش كمؤسسة ينمو ويظهر انه المميز في بنائه في مرحلة السلم الاهلي، وحظي على دعم سياسي وشعبي داخلي لبناني، الا انتقادات من بعض القوى السياسية على اداء مخابرات الجيش، وهي جاءت من اطراف كانت دائماً على عداء مع الجيش وتحديداً من الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي كان رئيسه وليد جنبلاط يشكك بالمؤسسة العسكرية ويطالب بتخفيض عديد الجيش وترشيد الانفاق عليه، ووقف الامتيازات التي يحصل عليها ضباطه، في حين كانت «القوات اللبنانية» تحاول ان ترفض تسليم سلاحها او حل جهازها الامني، الى ان تمكن الجيش منها بعد انكشاف تورطها في جرائم اغتيال وتفجير بعد اتفاف الطائف، وسجن قائدها سمير جعجع ومحاكمته على عمليات اغتيال الرئيس رشيد كرامي وداني شمعون وعائلته وطوني فرنجية وعائلته وجرائم اخرى.فبعد ان توحد الجيش، وتمكن من الغاء الميليشيات وحلها ومصادرة العديد من سلاحها، التزم في الدفاع عن المقاومة وحمايتها، واستطاع قائده العماد لحود من يقيم تنسيقاً بين الجيش والمقاومة، ورفض زجه في مواجهة معها بعد عدوان تموز صيف1993 ، فنال ثقة قيادتها، واستطاع ايضاً ان يعيد الصدقية الى الجيش الذي تحول الى جيش وطني، وسقطت مقولة ما كان يلصق به من انه «جيشاً فئوياً»، وانشىء لحماية النظام وطبقته السياسية، ومواجهة الشعب وقمعه في اي تحرك وطني او مطلبي معيشي او اجتماعي، وقد مهد هذا السلوك لقائده ان يصل الى رئاسة الجمهورية، رغم المحاولات التي قام بها سياسيون ومن ابرزهم وليد جنبلاط ورفيق الحريري لمنع وصول لحود وتمكنوا من تأخير ذلك ثلاث سنوات بالتمديد للرئيس الياس الهراوي.والسبب الذي ترك بعض السياسيين يحاولون منع وصول العماد لحود، هو انه منعهم من التدخل بشوؤن الجيش وتحويله اداة لهم، او تسخيره لمصالحهم، وهذا ما جعله يبني مؤسسة مختلفة عن مؤسسات الدولة، وباتت هي الخلاص من الطبقة السياسية، وقد حاول الرئيس لحود بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، ان يقوم بعملية اصلاحية، ضمنها عناوين خطاب القسم، لكنه لم ينجح بسبب تكالب مصالح السياسيين عليه.ومع انتهاء عهد الرئيس لحود الذي دام تسع سنوات، لم تجر انتخابات رئاسة الجمهورية في موعدها الدستوري، وحل الفراغ فيها، مما اضطر السياسيين من الموالاة الى التسليم بقائد الجيش العماد ميشال سليمان مرشحاً توافقيا وقد اتهم من قوى 14 شباط بأنه مرشح المعارضة وبالتالي سوريا، لكنهم لم يصمدوا كثيرا امام رفضهم، وانصاعوا لرغبات خارجية اوروبية وعربية، بالقبول بالعماد سليمان وتعديل الدستور له، وقد اعتبرت المعارضة ان موافقة الاكثرية على قائد الجيش ليس الا مناورة ووافقت عليه مكرهة، لرمي الكرة في ملعب المعارضة وتحديدا العماد عون ليرفضه، لكنه خرج ليعلن انه مرشحه وكان قد سماه، مما اربك فريق السلطة الذي قرر الانقلاب على موافقته، برفع سقف شروطه، ورفض تعديل الدستور اذا لم يمر عبر الحكومة، مما افشل الحلول التي كانت تبحث للاسراع في انتخاب سليمان، وعادت قوى السلطة لتطرح انتخاب رئيس من فريقها بالنصف زائداً واحداً، ولم يكن يمضي وقت قصير على هذا الموقف، حتى حصل اغتيال العميد الحاج، وبدأت الاسئلة والاحتمالات عن المستفيد من هذه الجريمة.الاحتمال الاول توجه نحو تنظيم اسلامي اصولي، قد يكون وراء الاغتيال، لان المغدور يشغل موقع رفيع في قيادة الجيش، وكان من فريق الضباط الكبار الذين قادوا العمليات العسكرية في مخيم نهر البارد ضد حركة «فتح الاسلام» التي تم اجتثاثها بقتل قادتها او اعتقالهم، وقد كلفت الجيش اكثر من 170 شهيداً، حيث توعدت «فتح الاسلام» بالثأر من الجيش وضباطه وافراده، وقد توجهت اصابع الاتهام الى «اسلاميين اصوليين» وخلاياهم النائمة في لبنان، بالرغم من اعتقال اعداد منهم، والغموض الذي لف مصير شاكر العبسي رئيس تنظيم «فتح الاسلام» حيث تضاربت المعلومات حول مقتله او فراره، وقد تحدث الامين العام للجبهة الشعبية-القيادة العامة احمد جبريل عن وجوده في مخيم عين الحلوة قرب صيدا، حيث توجد تنظيمات اصولية ومنها «جند الشام» الذين شكلوا عصب «فتح الاسلام» في معارك نهر البارد، وكان «ابو هريرة» من قادتهم.والمواجهات بين الجيش وتنظيمات اصولية، حصلت اكثر من مرة، وكان ابرزها في احداث الضنية، مطلع العام 2000، حيث ارتكبت جماعة اطلقت على نفسها اسم «التكفير والهجرة» مجزرة بحق ضباط وجنود الجيش، وتم القضاء عليها بعد معارك عنيفة، كما حصلت عدة مواجهات في محيط مخيم عين الحلوة، مما يشير الى العلاقة الصدامية والمتوترة مع التنظيمات المتطرفة التي اعترف عناصر منها بالقاء قنابل ومتفجرات على ثكنات الجيش ومقرات قوى الامن الداخلي، وان التحقيقات مع افراد هذه الشبكات كشفت عن مخطط اعدوه، لضرب المؤسسات العسكرية والامنية وتقويض الدولة، لاقامة امارة اسلامية، وهو الاسلوب الذي يتم استخدامه في العراق، وقبل ذلك في الجزائر ومصر ودول اخرى.وثمة احتمال ايضاً ان تكون اطراف سياسية داخلية لبنانية، تقف وراء الاغتيال، للتخلص من قائد عسكري طرح اسمه العماد عون لقيادة الجيش في المرحلة المقبلة، من ضمن اتفاق سياسي على المرحلة المقبلة، وقد جوبه برفض من قبل قوى 14 شباط لانه يقفز فوق الدستور واتفاق الطائف، ولا يحترم صلاحيات رئيس الجمهورية الذي عليه هو ان يختار.وترشيح عون للعميد فرانسوا الحاج، لم يلق الارتياح لدى فريق الاكثرية، لانهم لا ينظرون بإطمئنان اليه، لانه محسوب كما يقولون على «التيار الوطني الحر»، وخاض الى جانب العماد عون في العام 1990 «حرب الالغاء» ضد القوات اللبنانية كضابط في الجيش اللبناني، كما ان قوى السلطة طالبت بإقالته ومحاكمته بعد تحرك المعارضة في الشارع واقفال الطرقات في 23 كانون الثاني الماضي، لانه لم يقم بمواجهة هؤلاء بالقوة، وكانت «القوات اللبنانية» اشد المطالبين بذلك، متهمة العميد الحاج بأنه منحاز مع ضباط آخرين الى قوى واحزاب في المعارضة.ولا تغفل الاحتمالات ايضاً، ان تكون اسرائيل وراء الاغتيال، ولها مصلحة في ذلك، لان العميد الحاج، كان الى جانب المقاومة في التصدي للعدوان الاسرائيلي في تموز 2006، وقد تكبد الجيش عدد كبير من الشهداء والجرحى واضرار كبيرة في مواقعه ومراكزه، واتهمت اسرائيل الجيش قيادة وضباطا بتأمين الدعم اللوجستي للمقاومة، ومن موقعه كمدير للعمليات، لعب دوراً اساسياً، فأصبح هدفاً للعدو الاسرائيلي وعملائه وقد رفض منذ العام 1976 الالتحاق بمجموعة الرائد سعد حداد في «الشريط الحدودي».واللافت في ان الاتهام لم يوجه هذه المرة كما في العادة من قبل اطراف قوى 14 شباط الى سوريا، سوى من الوزير مروان حماده وزملائه في «اللقاء الديمقراطي» وتلميحات من جعجع، لان مثل هذه الاتهامات غير المقرونة بوقائع لم يعد الشعب اللبناني يصدقها، بعد ان خرج السوريون من لبنان قبل نحو ثلاث سنوات، وتغير النظام الامني بكامله لصالح «ثورة الارز»، ولم يتمكن الفريق الامني الجديد من اكتشاف جريمة واحدة.
Leave a Reply