بري اكتشف أن سعد الحريري محاور غير موثوق ولا يملك قراره

لم يعرف الرئيس نبيه بري الاسباب التي دفعت «تيار المستقبل» ونوابه الى شن الهجوم عليه، وتوجيه الانتقادات اليه، لا سيما من نائبه في رئاسة مجلس النواب فريد مكاري الذي كان من النواب الذين لم ينتخبوا بري رئيسا لمجلس النواب، وهو لا يترك مناسبة الا ويسعى لاستفزازه في صلاحياته او في اطلاق تفسير للدستور مما ينسف الاصول الدستورية، وكان في كل مرة يدلي بموقف او بيان، كان يخلق ازمة سياسية ودستورية، ويتم الرد عليه حيث يتبين فيما بعد انه ليس سوى اداة يتم تحريضها واستخدامها من قبل فريق الاكثرية التي يعتبر هو احد صقورها والذي لا يفارق رئيس كتلة النيابية سعد الحريري، ويسير ويقف وراءه في الزيارات الرسمية، مما خلق اشكالاً بروتوكولياً لانه لا يحترم منصبه كنائب رئيس لمجلس النواب، حيث يظهر كأنه احد المرافقين بالوفد بعد ان تكرر مشهده في الوفود التي يصطحبها الحريري معه الى الخارج، وحتى في لقاءاته اللبنانية.ففريق «تيار المستقبل» كان لا يريد عودة بري الى رئاسة مجلس النواب، وكان يعمل لوصول النائب باسم السبع الذي لم يجرؤ على ترشيح نفسه ورفض ذلك عندما تم البحث معه من قبل كتلته النيابية، لانه سيواجه برفض سياسي وشعبي من طائفته الشيعية التي منحت ثقتها لحركة «امل» و«حزب الله» بنسبة كبيرة، وهذا ما فرض ان يكون بري المرشح الاوحد لرئاسة لمجلس ودون منافس.

بري

فبالرغم من بعض السلبية التي كانت تصدر عن «تيار المستقبل» وكتلته النيابية، فان الرئيس بري كان يقدم المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية والسياسية، ويفتح باب الحوار مع النائب سعد الحريري وقد رعاه واحتضنه، وكان يؤكد له انه لن يتركه وحيداً، لانه ابن احد اصدقائه الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعليه ان يكون معه كما كان مع والده، الذي كان يسعى معه دائماً الى حل اي مشكلة بالحوار واللقاءات الثنائية، وكانت تجربة ناجحة بالرغم من كل الصعوبات والعراقيل، وهو اتبع مع سعد الحريري الاسلوب نفسه، وهذا ما جرى من خلال جلسات الحوار التي حصلت بينهما، والتي كان سبقها قيام تحالف رباعي بين «امل» و«حزب الله» و«تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، والذي كان من نتائجه تكوين اغلبية نيابية لقوى 14 شباط ثم تشكيل الحكومة الحالية التي حظيت باكثرية فيها ثم استولت على الثلث الضامن فيها مع انقلاب وزراء كانوا محسوبين على الرئيس اميل لحود الى جانب قوى السلطة.فلم يكن الرئيس بري سلبياً تجاه الحريري وتياره السياسي، فهو الذي امن الاجماع اللبناني حول المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الجلسة الاولى لطاولة الحوار التي انعقدت في 2 اذار 2006 في مجلس النواب، ولم يستغرق البحث فيها سوى اقل من نصف ساعة لان كل الاطراف اللبنانية كانت اعلنت موافقتها على قيامها، لكن الخلاف حصل مع محاولات تهريبها عبر مجلس الوزراء دون مناقشتها ودرسها، وهذا ما ادى الى اعتكاف وزراء «امل» و«حزب الله» ثم استقالتهم، وان محاولات «تيار المستقبل» وقوى 14 شباط التذرع باقفال الرئيس بري مجلس النواب ما هي الا ادعاءات كما تقول اوساطه و كان يغضب عندما يسمع انه منع اقرار المحكمة في مجلس النواب، وكان جوابه انه لن يفتحه اذا لم تصبح الحكومة شرعية وميثاقية، وهذا ما حصل في مواضيع اخرى.فالمحكمة الدولية التي اصبحت في عهدة مجلس الامن فهي لم تحل الازمة التي تبين للرئيس بري ان ورءاها يقف سبب واحد وهو الاستئثار بالسلطة من قبل قوى 14 شباط، حيث لم ينفع الحوار الذي اجراه رئيس مجلس النواب مع رئيس كتلة المستقبل، وظهر له وكأنه يحاور شخصاً ما زال مبتدئاً بالسياسة، وهو لا يعرف حتى المناورة، مما اتعبه في جلسات الحوار التي كان بري يحاول ان يضفي عليها طابعاً من الدفء والحميمية لترسيخ الثقة المفقودة بين الموالاة والمعارضة، لكن هذه المحاولات كانت تصل الى طريق مسدود، لان من كان يحاوره كان لا يملك الارادة باتخاذ القرار انما العودة الى حلفائه وتحديداً وليد جنبلاط، لذلك فتح قناة اتصال معه كمرجعية اساسية في قوى 14 شباط، مما ادى الى انكشاف ضعف الحريري، الذي شعر بذلك وفتح النار باتجاه بري دون سبب سوى ان الاخير لم يعد باستطاعته تسويقه رئيساً للحكومة كممثل لاكبر كتلة نيابية، ولا بد من تأمين بديل عنه وقد وصلت نصائح رئيس المجلس الى السعودية التي كانت تتلقى تقارير من ان رئيس «تيار المستقبل» لم يكن على قدر المسؤولية، حيث تسربت معلومات عن القيادة في المملكة، بانها ليست متحمسة لوصوله الى رئاسة الحكومة، وهذا ما اغضبه، واعتبر ان بري يقف وراء ذلك، ولم يكد يعود من السعودية حتى بدأت الحملة من نوابه على رئيس مجلس النواب الذي اثبت انه يسعى للتوفيق بين الموالاة والمعارضة، ولم يتبن علناً العماد ميشال عون كمرشح لرئاسة الجمهورية، واندفع باتجاه مرشح توافقي، وكان يشجع على وصول الحريري الى رئاسة الحكومة، لكنه بعد تجارب الحوار معه، تراجع عن رأيه.