هذه «الردّية» لطالما غنيناها صغاراً في قرانا وبلداتنا وهي ترمز إلى التهيؤ لعيد الأضحى الذي تسبقه وقفة الحجاج على جبل عرفة لتقديم الأضاحي إيذانا بالإحتفال بالعيد الأكثر قداسة لدى المسلمين.لم نكن نفقه ماذا يعني الجزء الأول من «الردّية» المتعلق بـ«الوقفة» لكننا كنا ندرك بالسليقة أنها شرط للإحتفال بالعيد في اليوم التالي، بثياب جديدة و«عيدية» وبهجة لم يكن ينغصها علينا تضارب «الفتاوى» الذي نشهده هذه الأيام. سألني إبني يوم الأربعاء: «هل نحن معيّدين اليوم»؟ حرت جواباً ووجدت نفسي أقول بعد تردّد: نعم، ما المشكلة إذا عيّدنا اليوم؟ أشاح بوجهه عنّي وفهمت أنه لم يشأ إحراجي أكثر، فهو كان قد إستمع إلى «أكثر من رأي» في موضوع ثبوت العيد أو عدمه بين مذاهب المسلمين أو داخل المذهب الواحد. وقف الحجاج على جبل عرفة يوم الثلاثاء وقدموا الأضاحي. ولكن العيد لم يأت إلى كل المسلمين في اليوم التالي. بعضهم عيّد سعيداً يوم الأربعاء والبعض الثاني أجلّه إلى يوم الخميس وذهب البعض الثالث إلى يوم الجمعة. ولكل بعضٍ «فتواه» أو مبرراته «الفلكية».هكذا إنقسم العيد إلى ثلاثة أعياد، كل منها يبدأ في يوم مختلف وضاع المؤمنون في متاهات المواعيد، وضاعت بهجة اليوم الاول بين الشك واليقين وما بينهما من احتمالات. مرة جديدة مثل العيد تحديا أمام المسلمين بدل أن يكون لحظات فرح وعبادة وتأمل في معاني التضحية والعطاء التي جسّدها أبو الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) عندما همّ بذبح ولده إسماعيل تنفيذاً للرؤيا .. «ففديناه بكبش عظيم».ألا ترون أن عموم المسلمين يقعون «كبش فداء» لتضارب «الفتاوى» فوق رؤوسهم؟ ألا يستحق المؤمنون إجماعاً على هذا اليوم المقدس في حياتهم، وليس تشتيتاً لصفوفهم في هذه المناسبة التي تجمع في وقت واحد أكثر من مليوني مؤمن يرددون بصوت واحد «لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك في الملك».ما هذه الجرأة على تفريق المؤمنين في عيدهم؟ كم تبعد إيران عن السعودية؟ وكم تبعد السعودية عن مصر والأردن ولبنان وكم يبعد سنة لبنان عن شيعته «جغرافيا» (وليس سياسياً)؟الغرب يوحده الفلك كحقيقة علمية والمسلمون يباعد الفلك بينهم كـ«حقيقة سياسية».الغرب لم يتقدم إلا عندما فصل الدين عن الدولة بعد عصور ظلام إمتدت قروناً كانت الكنيسة تبيع خلالها «أسهماً» في الجنة وتتحكم بأرواح المؤمنين البسطاء فضلاً عن حياتهم. خرج الغرب من هذا السجن ودخل إليه العرب والمسلمون طائعين مستسلمين لفتاوى شيوخ السلاطين والحكام.أوقفوا هذه المهزلة. دعونا نعيّد في يوم واحد!كل عيد وانتم بخير.
Leave a Reply