دمشق – تتراقص شابات عراقيات يرتدين ثياباً ضيقة وبراقة في ملهى ليلي وسط نظرات نهمة لمواطنين خليجيين يجلسون على موائد قريبة. وتعزف فرقة موسيقية أغاني عراقية حتى ساعات مبكرة من الصباح، فيما ينضم شبان إلى الرقص أو يستدعون الشابات إلى الجلوس معهم من دون محاولة تذكر لإخفاء حقيقة ما يحدث في هذا الملهى الواقع في شمال دمشق على بعد رحلة نصف ساعة بالسيارة.ولا ترغب الراقصات، وبعضهن في بداية سن المراهقة، في الحديث عن عملهن، لكن واحدة منهن قالت إنها الوسيلة الوحيدة لإعالة أسرتها. وقالت الفتاة ذات الشعر الأسود، وهي ترتدي ثوباً من اللونين الأسود والفضي إن «والدي قُتل في بغداد، ونفد مالنا».وتطلق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة على ذلك تعبير «جنس من أجل البقاء»، وهي وسيلة يائسة لجأت اليها لاجئات عراقيات نفدت مدخراتهن بعدما فررن من أعمال العنف في بلادهن كي يتمكنّ من مواصلة الحياة في دمشق.أن الصراع من أجل توفير متطلبات الحياة دفع بعض الأسر الى الاقامة مع عائلات أخرى في شقق صغيرة داخل الأحياء الفقيرة في دمشق، وأرغم أطفالهم على العمل أو تزويج بناتهم المراهقات.
وتقول رئيسة هيئة ادارة المرأة العراقية هناء ابراهيم إن مثل هذه الزيجات المبكرة تكون في بعض الأحيان غطاء لممارسة الدعارة، إذ تجري سريعاً المتاجرة في الزوجات الشابات. وتؤكد تزايد الزيجات الموقتة المقبولة لدى الشيعة كوسيلة أخرى شائعة لتجارة الجنس، مشيرة الى أن «زواج المتعة (الموقت) للشيعة فقط، ولكن من قال إنه ليست لدى السنة سبل أخرى».ويقول ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لوران جوليس إن الجنس من أجل البقاء يتناسب في شكل مباشر مع فقر اللاجئين بصفة عامة. ويضيف: «نرى أمثلة متزايدة لشابات أو نساء قررن من تلقاء أنفسهن أو من خلال أسرهن الانخراط في ملاه ليلية لتكملة دخل الاسرة أو لمجرد إعالة أطفالهن».وأظهر مسح أُجري في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أن 46 في المئة يعودون بسبب مصاعب مالية و26 في المئة لانتهاء تأشيراتهم. وفي الآونة الأخيرة، شددت سورية إجراءات الدخول والإقامة. وبين عشرات آلاف الأسر العراقية اللاجئة التي سقطت في براثن الفقر، عقد عدد كبير العزم على عدم التضحية بالشرف.وتقول رقية فضل (34 عاماً) وهي تبتسم على رغم الواقع الكئيب الذي يحيط بها: «لا نفكّر في مستقبلنا… فقط في مستقبل أطفالنا». وعلى رقية أن ترعى زوجها فلاح جهيل المصاب بالشلل في النصف الأسفل من جسمه إثر إصابته برصاصات في متجره للهاتف المحمول في بابل جنوب العراق قبل ثلاث سنوات.وباع الزوجان منزلهما لسداد قيمة علاج جهيل في أول سبعة شهور أمضاها في المستشفى. وفي النهاية، فرا الى سورية مع طفليهما (سبعة و11 عاماً) وأقامت الاسرة لعام في حي السيدة زينب في دمشق المزدحم بالعراقيين.ويصيب بشرى (39 عاماً) التي أحجمت عن ذكر اسم عائلتها، اليأس نتيجة حياتها المهينة كلاجئة وكفاحها لرعاية أسرتها في بلد أجنبي.وتقول بشرى القوية عادة بعدما غالبتها الدموع في حجرة رطبة من دون تدفئة تنام فيها الأسرة: «أنا متعبة جداً… أصابني الكلل. ما هذه الحياة… لم نعرف الحياة في ظل حكم صدام ولم نعرف الحياة بعده». وتتذكر والدتها حياة أكثر راحة في بغداد في وقت سابق، وتقول إن مساحة شقتهم في دمشق أقل من مساحة رواق في فيلا كانت ملكهم في وقت ما. وتضيف: «أعيدوني إلى بغداد. أريد أن أموت هناك».وبشرى التي عملت مصورة فوتوغرافية ومصففة شعر في بغداد، لم تجد عملاً في دمشق حيث يحظر رسمياً على اللاجئين العراقيين العمل. ويعمل أحد الأبناء البالغين من وقت الى آخر في مواقع بناء لقاء ثلاثة دولارات يومياً. ونجحت بشرى في شكل ما في المحافظة على تماسك أسرتها، ولكن من السهل إدراك السبب الذي يدفع بعض المهاجرين في الموقف ذاته، إلى إرسال أطفاله للعمل أو التسوّل أو تجاهل المحظورات الاجتماعية والدينية ودفع نسائه إلى نواد ليلية أو زيجات مشبوهة.(عن الحياة اللندنية)
Leave a Reply