في إنطلاقة المعارضة الأولى قبل أكثر من سنة وتحديداً الإنطلاقة العملية في 11-11 من عام 2006، كان التركيز على التغيير الحكومي وفقاً لمعادلة الثلث الضامن. وقد استنفذت المعارضة كل الوسائل السياسية قبل أن تبدأ بتحركها العملي على الأرض من أجل حيازة أو إسترجاع الثلث الضامن بعد أن سُلب هذا الثلث على أيدي الموالاة من خلال وزراء الرئيس لحود، ما شكل إنقلاباً حقيقياً على التوازنات التي أرساها الحلف الرباعي في صيف 2005. في تلك الفترة لم يكن الإستحقاق الرئاسي حاضراً على طاولة المفاوضات، لكنه كان راسخاً في رأس المعارضة، وكان هدفها الغير معلن هو الوصول إلى عتبة الإستحقاق الرئاسي وفي يدها الثلث الضامن في الحكومة في محاولة ذكية (لكنها فشلت) للإمساك بطرفي الإستحقاق الرئاسي والحكومة في آن، ما يكرس، إذا لم يتم إنتخاب الرئيس الفراغ الرئاسي وهو ما حاصل اليوم ، إضافة إلى الفراغ الحكومي عبر إسقاط الحكومة أو منعها من الإنعقاد بسبب عدم توفر النصاب وهو مكمن الفشل الذي وقعت به المعارضة.في المقابل، كان نصب أعين الموالاة الإنتهاء من العهد اللحودي وهو أقوى مواقع المعارضة، من دون إعطاء الأخيرة مقابلاً أو بديلاً يعزز نفوذها في الدولة. فكان من الضروري لدى السلطة تقطيع الوقت وهو ليس بالأمر السهل، وهنا يُسجل نجاح السلطة المادي (إذا استبعدنا المعايير الأخلاقية لأنها لا تصرف إلا في عالم الغيب) في الإستمرار منذ نصر تموز 2006 المدوي الذي حققته المقاومة (المعارضة) على إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية حليفة السلطة في لبنان، وحتى هذه اللحظة بعد أن قبضت على صلاحيات الرئاسة الأولى.ودارت دوامة الأزمة اللبنانية حتى وصلت إلى عتبة الإستحقاق الرئاسي، فانغمرت أحاديث التغيير الحكومي مع ثلثها الضامن أو المعطل لصالح هيبة الرئاسة في بحر الأسماء، حتى بدا وكأن الأزمة اللبنانية بتشعباتها قد اختصرت بإسم الرئيس المقبل. في هذه الأجواء كان إسم الرئيس هو بمثابة الثلث المعطل الذي كانت المعارضة تطالب به، ما جعل الموالاة تسلك مسالك الحذر والترقب في مقاربة كل الأسماء المطروحة، حتى توصلت إلى طرح وتبني إسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان، وهو ما كان بمثابة ورقة «الجوكر» التي لعبتها الموالاة وشكلت إلتفافاً على المعارضة، ما حتّم على الأخيرة أن ترد الكرة إلى ملعب الحكومة معلنة بذلك أن الحل يجب أن يكون من ضمن سلة متكاملة تشمل إسم الرئيس والحصة في الحكومة (الثلث + 1) وإسم قائد الجيش الجديد والبيان الوزاري بما يتضمن الموقف من مزارع شبعا وسلاح المقاومة والصراع العربي – الإسرائيلي والعلاقات مع سوريا وقانون الإنتخابات والخطة الإقتصادية للمرحلة المقبلة، إضافة إلى معالجة القرارات التي اتخذتها حكومة فؤاد السنيورة منذ 11-11-2006 وحتى لحظة تشكيل الحكومة الجديدة.عند هذه النقطة بدأت الإستحالة في إجتراح الحل اللبناني لأن مرتكزاته يجب أن تكون خارجية وهي متعذرة لأن صلب الأزمة اللبنانية هو من صلب الأزمة الإقليمية – الإقليمية، وأيضا من صلب الأزمة الإقليمية – الدولية للاسباب التالية: 1- كان هدف الحرب الإسرائيلية على المقاومة نزع سلاحها وقد باءت هذه الحرب بالفشل الذريع، وهي كانت مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية التي ترفض أن تعطي الشرعية السياسية الرسمية لسلاح المقاومة من خلال حكومة تمثل فيها المقاومة فعالية، ما يجعلها رقماً صعباً بالسياسة بعد أن أثبتت صعوبتها بالعسكر.2- الصراع العربي الإسرائيلي وهو بدوره مرتبط بسلاح المقاومة من ناحية، ومن ناحية أخرى بالموقف السياسي الرسمي للحكومة اللبنانية الذي يجب أن يتطابق مع حركة الإعتدال العربي التي تخوضها السعودية في مواجهة كل من سوريا وإيران.3- العلاقات السورية – اللبنانية وهي مرتبطة بتطور العلاقات السعودية – السورية من ناحية، وبالعلاقات السورية – الغربية (الفرنسية – الأميركية) من ناحية أخرى، ما يبقي هذه العلاقات عرضة للتجاذبات الخارجية وإنعكاساً لها في ظل السخونة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.أصبح الملف اللبناني بكليته في الخارج وهذا ما بينته تصريحات كل من الرئيس الفرنسي ساركوزي من القاهرة ووزير الخارجية السوري وليد المعلم عن قطع الإتصالات والتعاون بشأن الملف اللبناني. ووقف الإتصالات ليس معناه إرجاع الأمور إلى الداخل، إنما الإنتظار وممارسة سيلاً من الضغوط والضغوط المضادة، أو نقل الملف اللبناني إلى مفاوضين أرفع درجة وأقدر على التنفيذ هما: إيران والولايات المتحدة.بانتظار ما يدور خارجياً على جبهة المفاوضات المجمدة حالياً، على الأقل علنياً، فإن ستاتيكو الحسابات القديم – الجديد سيبقى متحكماً باللعبة الداخلية. لا تراجع ولا تقدم، الكل ظهره للحائط، تصعيد المعارضة سيكون محدوداً ولن يغير الواقع على الأرض سوى إرباك السلطة (غير المكترثة بالأصل). في المقابل، فإن الأكثرية في الوقت الحالي لن تقدم تنازلات للمعارضة بانتظار أمرين: الأول الإجتماع التمهيدي لوزراء الخارجية العرب في القاهرة إستعداداً للقمة العربية المنوي عقدها في العاصمة السورية دمشق وهو ما تعوّل عليه قوى الموالاة لجهة إحداث تليين بالموقف السوري قد يعفيها من التنازلات، أو إنفجار الموقف العربي ضد سوريا ما يؤدي إلى نفس النتيجة. والثاني زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى المنطقة والتي يمكن أن يعرج فيها على نظيره فؤاد السنيورة (بعد أن أصبح رئيساً بالوكالة).وكلا الأمرين تضعهما الموالاة في حساب ربحها وهي لن تقدم على أي تنازلات أو تراجعات ما دام الغرب مجتمعاً والولايات المتحدة ومعظم دول العالم في صفها! يا له من مَجدٍ ولكنه غير مُجدٍ! استطاعت المقاومة أن تصمد في وجه العالم أجمع وتتحدى الآلة العسكرية الأميركية والإسرائيلية في آن، واستطاعت السلطة في لبنان أن تصمد في وجه الأكثرية الشعبية التي أغرقت بملايينها شوارع العاصمة واستمرت السلطة في الحكم، وبالمصادفة كانت الولايات المتحدة حليفة إسرائيل وحليفة السلطة اللبنانية!.انتصرت المقاومة على إسرائيل واستمرت .. انتصرت السلطة على شعبها واستمرت، فأي مجدٍ جنته.مرة أخرى إلى التعادل السلبي. الرئاسة إلى الوراء، الحكومة إلى الوراء، إنتخابات مبكرة شعار المعارضة من الآن وحتى الإنتخابات التي يمكن أن لا تكون حتى في وقتها المحدد في صيف 2009، حيث ستبدأ من هناك معركة أخرى حول قانون الإنتخابات وشكله وتفاصيله وتقسيماته… حتى لا يبقى من ينتخب من الشعب اللبناني وهكذا دواليك…
Leave a Reply