ارهاصاتإن الحديث عن الإنسان والتنمية البشرية ، والاستثمار للموارد البشرية في عالمنا العربي حديث متعدد الأبعاد فيمكن الخوض في الزاوية السياسية وإخفاقات الأنظمة العربية، أو الحديث عن التخبط في فهم الدين وتطبيقاته، أو الحديث في الفشل الاقتصادي وهدر الثروات، والسؤال هنا لماذا لا توجد في عالمنا العربي الموقر مؤسسات أو مراكز دراسات تهتم بمعالجة مشاكل التنمية في أهم عناصرها! وهو الإنسان؟ ولماذا أوكلت المهمة إلى غيرنا الذي أصبحت الثقة المفرطة بهم محل رضا وقبول الجميع؟ الجواب هو لما تميزت به تلك المؤسسات الدولية من صدق وأمانة في جمع المعلومات وتمحيصها ثم أخراجها على شكل تقارير مدعّمة بالأدلة والشواهد عن مستوى التنمية البشرية في كل بلد عربي سواء أرضت تلك التقارير أو أغضبت، أخذت بها أي بلد لإصلاح شأنها أو رفضته تعصباً ومكابرة فإنه لن يتوقف.
لمصلحة من تعمل تلك الهيئات؟ما من شك أن الهيئات الدولية تعمل جاهدة على تحسين صورتها أمام شعوب العالم، فرهانها هو المصداقية ، إلا أن تلك المصداقية تعمل لمن يدفع، لذلك نجد إن تلك الهيئات الدولية المحايدة (افتراضاً) لا سلطان عليها إلا سلطان الولايات المتحدة فمتى أعجبها تقرير التنمية البشرية عن بلد دفعت حصتها من موازنة الأمم المتحدة لهذا المشروع وإن لم يعجبها منعت حصتها، كما حصل في تقرير 2002 بعدما دعم برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة. إن التقرير الذي صدر عام 2002 مثلاً والذي صدر عن مجموعة من الاقتصاديين وعلماء الاجتماع الذين تميزوا بالجرأة والشجاعة شاركهم مجموعة من الباحثين العرب أعدوا أربعة تقارير حول التنمية البشرية في العالم العربي وقد أثار جدلاً عندما كشف أن العرب متخلفون عن مسيرة التنمية في العالم وكان مثالهمً (إن إجمالي الدخل القومي لأسبانيا يفوق إجمالي الدخل القومي لكل الدول العربية) وقد تم نشر وتوزيع التقرير المكتوب باللغتين العربية والإنجليزية أكثر من مليون مرة على الانترنت، لكونه يحتوي على تشريح للنقص المذهل لحرية الرأي وحرية المرأة والتعليم وهي أمور حكمت على العالم العربي بالتخلف.أما تقرير عام 2003 والذي صدر عن نفس المجموعة وأحتوى على انتقادات قاسية للغزو الأميركي للعراق والاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة أدى ذلك إلى تهديد أميركي بإيقاف التقرير إذا لم تشطب تلك الانتقادات. إن الأسباب الحقيقية التي تجعل من الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا وحتى إسرائيل أن يتحكموا ويجبروا تلك الهيئات من صياغة التقارير ونشرها للعالم لمصلحتهم تتلخص في:ـأولاً : ذلك التفاوت الذي تقدمه لمواطنيها من متطلبات الحياة الكريمة في شتى ضروراتها بدأ بالحرية والديمقراطية والمساواة في توزيع الثروات والعدل في القضاء وانتهاء بتوفير العمل والرعاية الصحية والتعليمية، وبين الواقع الذي يعيشها المواطن العربي ومعاناته من التخلف وحرمانه من الحد ألأدنى من الحرية وحقوق الإنسان حيث لا عدل في القضاء لا مساواة في الحقوق المدنية هذا عدا الكبت الفكري والتسلط السياسي. ثانياً : نظرة المواطن العربي للمغريات التي توفرها الأنظمة الغربية لمواطنيها والاستفادة من مواردها لتحسين أوضاع مواطنيها مع المقارنة بالموارد والخيرات التي تتصرف فيها حكوماتهم دون أي رقابة تذكر وليس للمواطن الحق في المطالبة بحقوقه فضلاً عن المسائلة. ثالثاً : هيمنة الفكر الديني الذي يرفض كل جديد يأتي من الغرب تحت ذريعة الخشية على الدين من الغزو الفكري.
عودة الأملانتعشت ألآمال في السنوات المتأخرة بسبب ما حصل في الشرق الأوسط من نكسات وهزائم وكوارث الحروب، بدأت الأنظمة تعيد حساباتها بعد خسارة أفغانستان والعراق بالإضافة إلى ضياع لبنان والقضية الفلسطينية ، وكادت سوريا أن تقع في الفخ لتلك الأسباب ظهر في عالمنا العربي مبادرات تعيد الثقة والأمل من تلك المبادرات في استثمار الإنسان برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
برنامج خادم الحرمين الشريفين للإبتعاث الخارجي نموذجاً في سبتمبر من عام 2006 عاد الأمل لكل مواطن عربي بالخصوص المواطن السعودي الحريص على تقدم مجتمعه مع صدور قرار تنفيذ برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي، وكان حجم البرنامج من الضخامة يتناسب وحجم الحاجة الماسة لإيجا قاعدة من الكادر البشري الذي تفتقر إليه المملكة لإدارة ماكينة التنمية ، من هنا كان وصف المشروع بالأضخم وذلك لكونه خصص ( 15000 ) فرصة ابتعاث للولايات المتحدة و( 3000 ) فرصة لبعض دول الشرق، ويشمل البرنامج جميع المراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه والزمالة ، والجدير بالذكر أن هذا المشروع ليس يتيماً ففي الوقت الذي كانت نظرة القيادة رمت بثقلها باعتماد هذا البرنامج، فإنها اعتمدت برنامجاً مسانداً بتخصيص ما نسبته 26٪ من إعتمادات الميزانية للإنفاق على التعليم العام والتعليم العالي والتدريب التقني والفني والمهني للبنين والبنات. إن المواطن العربي يحدوه الأمل أن يجد نفسه قريب المسافة من معرفة طرق الوصول خزائن المعرفة التي يتمتع بها الإنسان الغربي بيسر وسهولة وذلك بتذليل الصعاب أمامه وتمهيد الطريق ولن يتحقق إلا إذا أرادت الحكومات العربية.
Leave a Reply