يعرف الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى اكثر من غيره عمق الأزمة اللبنانية وتعقيداتها، وهو الذي صاحب أدق تفاصيلها وأشرف على اكثر من مشروع إتفاق بين السلطة والمعارضة، ولكن كل محاولات موسى باءت بالفشل حتى انكفأ عن الملف اللبناني في الأشهر الأخيرة نظراً لإنسداد الأفق وتعنت أفرقاء النزاع، ونظراً للموقف العربي الداعم لقوى السلطة الذي ادى إلى تقييد مهمة موسى فكان إنكشاف موقف الجامعة العربية بعد أن ظهر إنحيازها، وغادر موسى الأزمة اللبنانية تاركاً الساحة لدبلوماسية الوزير الفرنسي برنارد كوشنير ومساعي الرئيس ساركوزي «الحميدة»!تعود الجامعة العربية ويعود معها موسى إلى عمق الأزمة اللبنانية على صهوة مبادرة حمالة أوجه وتفاسير، تعيد الأزمة إلى أولى مراحلها من غير أن تقدم الحل الشافي المتمثل في إقامة حكومة وفاقية تعطي المعارضة الثلث الضامن.نص المبادرة، ولعل أهم بندٍ فيه هو الذي يقول بتمثيل كل من الموالاة والمعارضة ورئيس الجمهورية بشكل لا يستطيع أحد أن يسقط أو يعطل عمل الحكومة، ومعنى ذلك أن الثلث المعطل لن يكون بحيازة أحد، لأن من يملكه يستطيع التعطيل أكان معارضة أم موالاة. والملفت أن يدق عمرو موسى بيديه مسامير الفشل في نعش المبادرة بإعلانه أن المبادرة لا تنص على المثالثة بين الموالاة والمعارضة ورئيس الجمهورية، إنما تحصل الموالاة بصفتها أكثرية نيابية على ما يزيد عن 11 وزيراً، أي ببساطة الثلث المعطل، وتحصل المعارضة على عشرة وزراء أي الثلث دون المعطل ويبقى لرئيس الجمهورية القوة المرجحة في إتخاذ القرارات مع حيازته على كتلة وزارية تكاد توازي كتلة المعارضة مجتمعة. موقف موسى الأخير وتفسيره يشير إلى أن الموقف العربي لم يتبدل فهو لم يزل على دعمه اللامحدود لقوى السلطة، وهو لم يزل يعتبر أن المعارضة عنصراً معطلاً وسلبياً، ومن هنا كان تفسير موسى للمبادرة أشبه بالتأويل الذي استبطن أن المعارضة هي المعطل الوحيد في لبنان وعليه يجب عدم منحها أي سلاح يمكنها من ممارسة ضغط ما، وهذا ما قاله موسى بطريقة غير مباشرة، فأتى تفسيره نسفاً للمبادرة العربية. وقد غاب عن ذهن موسى بأن المشكلة في لبنان ليست مرتبطة باكثرية ومعارضة، فهو لا يعالج أزمة إستجدت في بلد متجانس إجتماعياً وحضارياً وثقافياً والأهم طائفياً، فهو أمام أزمة ترتبط بالكيان اللبناني وتكاوينه وتلاوينه الطائفية والمذهبية، أمام معضلة إستعصت على الحل منذ نشأة لبنان الكبير، وتسببت بأكثر من حرب أهلية، ولولا التقاطعات المصلحية للأطراف الإقليمية والدولية بعدم الإنفجار لكنا رأينا حرباً أشرس وأقصى من التي وقعت عام 1974. لكن المطلوب أميركياً تفكيك المعارضة اللبنانية. الثنائي الشيعي المتمثل بـ«حزب الله» وحركة «أمل» لا يمكن إختراقه، فهو بمثابة الجسم الواحد، فكان من الضروري العمل على جبهة العماد ميشال عون الممثل المسيحي الأقوى، فجرى تعويم رأس المؤسسة العسكرية وتقديمه كشخصية إنقاذية للأزمة اللبنانية، من غير أن ننسى أن قائد الجيش العماد ميشال سليمان موظفاً مارونياً يتقدم ليحل في أعلى منصب في دولة طائفية تعتمد المحاصصة الطائفية وفقاً للتمثيل الطائفي فيها. والجنرال عون صاحب التمثيل الماروني الأوسع يشاهد بأم عينه أكبر عملية إنقلاب على تمثيله عبر تطويب التمثيل الماروني في الدولة لصالح شخصية ليس لها طائل في السياسة وإعطائها كتلة وزارية توازي كتلة المعارضة مجتمعة، ما حتماً سيؤدي إلى تحويل رئيس جمهورية بهذه القوى الوزارية وهذا الدعم العربي والدولي إلى زعامة مسيحية قوية تنازع الجنرال عون ملكه وتسحب بساط التمثيل الماروني من تحت قدميه فيصل إلى إنتخابات 2009 النيابية أعزلاً مجرداً. وذلك جلياً واضحاً من خلال رفض إعطاء المعارضة ما يمكنها من تعطيل أي قرارٍ في الدولة مهما كان بسيطاً ومن خلال رفض السلطة التفاوض مع الجنرال عون والإعتراف به عملياً كممثل لشريحة تكاد تكون الأكبر والأشمل على المستوى الوطني.
Leave a Reply