يبدو أن القادة والزعماء المخضبة اياديهم بعذابات الشعب الفلسطيني، ما أن تقترب ساعة إحتضارهم السياسي، حتى تهدأ شياطينهم وتصحوا ضمائرهم، وكأن الفلسطينيين قدرهم أن يناصرهم سلاطين مخلعة أنيابهم.أنظر إلى طوني بلير التي كانت بلاده سببا في قيام الدولة العبرية على أنقاض الشعب الفلسطيني نتيجة وعد بلفور المشؤوم، كان وهو في أوج سلطته (رئيسا لوزراء بريطانيا)، من أشد الداعمين لإسرائيل، وفي عهده لم تنفك لندن عن مساندة سياسات واشنطن المناهضة دوما للفلسطينيين والعرب، وما أن فقد الرجل سلطانه وجاءته صحوة من ضمير، أدرك أن الشعب الفلسطيني كان ضحية لعبة سياسية عالمية ساهم هو وبلاده فيها، فقرر أن يكون مبعوثا لدى الرباعية الدولية المكلفة بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، يثمر عن إقامة دولة خاصة بهم يستحقونها بعد ستين عاما من العذاب. وهكذا فعل الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الذي في عهده قتل الفلسطينيون وشردوا ونهبت أراضيهم لتبني عليها إسرائيل عشرات المستوطنات، وبعد أن خرج من البيت الأبيض، ألف كتابا اعتبر فيه أن إسرائيل دولة عنصرية أقيمت على أشلاء الفلسطينيين، وأنه حان الوقت لرفع الظلم عنهم ومنحهم جزءاً من حقوقهم الإنسانية.أما الرئيس الحالي جورج بوش، فحين اعتلى سدة الحكم في واشنطن فانه احجم عن مجرد فتح ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مدة ستة أشهر، تاركا الموضوع برمته في عهدة حفنة من السفاحين الصهاينة وعلى رأسهم إرئيل شارون الذي نفذ أبشع المجازر بحق المدنيين ودمر مدنهم ومخيماتهم وحاصر زعيمهم ياسر عرفات في قبو برام الله حتى مات.لم يكن بوش بخاطره فتح ملف القضية الفلسطينية لولا أحداث الحادي عشر من أيلول الإرهابية، التي جاءت متزامنة مع إستمرار سيل الدماء الفلسطينية في غزة وجنين ورام الله ونابلس، حينها أدرك بوش أن فلسطين ليست قطعة من الأرض كتلك التي في كاليفورنيا أو ألاسكا يمكن شراؤها من المكسيكيين أو الكنديين، فهذه أرض مباركة يطالب بتحريرها مليار مسلم وثلاثمائة مليون عربي.أخيرا وبوش يكاد يلفظ أنفاسه السياسية وقد دنت ساعة خروجه من البيت البيضاوي، قرّر أن يحج إلى بين المقدس، فلعله وهو في كنيسة القيامة بين يدي الرب يلتمس مغفرة من عند الله عن جرائم اقترفها بحق الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين، بل والأميركيين أنفسهم، لكثرة ما سالت في عهده من دماء، وخربّت ديار وأهدرت أموال وارتكبت معاصي واستحلت أعراض. يقولون أن السبب الرئيسي لزيارة بوش للمنطقة هو تشكيل حلف عربي إسرائيلي ضد إيران تدعمه أميركا، وتفكيك العلاقة الإستراتيجية القائمة بين دمشق وطهران وضرب المقاومة في غزة والجنوب اللبناني، كل ذلك في مقابل دويلة هزيلة في الضفة الغربية قبل أولمرت اخيرا أن تكون عاصمتها أشلاءً من القدس، شريطة إلغاء مبدأ حق العودة والسماح للجيش الإسرائيلي بإعادة الإنتشار في أراضي الدولة الفلسطينية في حال تعرض إسرائيل لخطر هجوم عليها من الشرق.زيارة بوش إلى الأراضي المقدسة لن تفلح في إدخاله التاريخ كأول رئيس أميركي ينجح في إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فالفلسطينيون المعتدلون منهم والمتطرفون أمامهم خطوط حمر رسمها الراحل عرفات، لا يمكن لأحد بعده تخطيها: دولة فلسطينية كاملة السيادة على أراضي 67 وعاصمتها القدس وتفكيك المستوطنات وعودة اللاجئين، وهو ما لا تقبله إسرائيل حتى لو خاضت حروبا لستين عاما أخرى.
Leave a Reply