ابن الجبل الذي لا يشبه إلاّ نفسه
ربما لا يضاهي متعة الاستماع الى أغاني طوني كيوان الا الجلوس اليه والاستمتاع بطلاقة لسانه وثقافته الفنية الملفتة. فماء الجبل الذي روى قريحته وهواءه الذي ملأ رأتيه فعل فعله في صقل موهبته التي لم تكتف بالغناء فقط، بل تسللت الى فن كتابة القصيدة الغنائية وابداع الضرب بالعود.فـ كيوان الذي غنى لسلمى، وجُن بليلى و«قصف عمرها» حبّا وتغزلا لا يقبل الا ان يكون فنانا كامل الثوب: يكتب الكلمات ويلحن مفاصلها ويغني صورها ليقف في مصاف المطربين الذين لم يشبهوا الا انفسهم.
فهو متخرج من معهد الفنون «كونسرفاتوار»، 1985، وتخصص في فن الغناء الشرقي، تاريخ الموسيقى والموشحات. ولم يقفز الى خشبة الفن الا بعد ان تسلح بكامل عتاده الغنائي، لذلك ربما ابدع عندما غنى ولفت اليه آذان اللبنانيين التائقة الى الاصيل اللبناني. التقت «صدى الوطن» بالفنان اللبناني طوني كيوان في فندق «دبل تري» في ديربورن ودار الحديث التالي:
؟ حدثنا عن زيارتك الى الولايات المتحدة؟- انا معتاد منذ بداية حياتي الفنية ان اقيم جسر تواصل مع الاغتراب اللبناني الى اميركا وكندا واستراليا حيث يوجد كثافة لبنانية وعربية. وكل سنتين تقريبا ازور الولايات المتحدة وانزل في 12 ولاية تمتد من نيويورك الى نيوجرسي.وهي رسالة ان يبقى الفنان باتصال دائم مع المغتربين ايضا. وهذه هي الجولة الخامسة تقريبا لي.
؟ درست الفن؟- تخرجت من معهد الفنون عام 1985، وكنت بدأت حياتي الفنية قبل التخرج بقليل. درست العود وتاريخ الموسيقى والموشحات.
؟ أتلحن؟- لحنت معظم اغانيّ الناجحة من «بقصف عمرك جننتينا»، «هي بتتغنج عل الكل»، «بدك بدك ما بدك»، «شايف حالي عللي متلك»، «سلمى»، «بعدو قلبي بيسأل وين» و«مشّو نعمل كزدورة».؟ كيف تؤثر الدراسة الموسيقية على اداء الفنان؟- لا بد للفنان ان يكون مثقفا فنيا، فالثقافة الفنية تعطي الفنان قدرة على التعاطى مع الملحن وتمنحه اتقانا للاداء.
؟ عندما يكون الفنان مثقفا يبني حالة فنية، وهذا ما أراه فيك: انك لا تشبه احدا ولا تقلد احد، ولكني ارى انك مُقلّ في اعمالك فما السبب؟- انا ضد الاطلالات الفنية المتتالية للفنان، انا مع ان يطل الفنان على الناس بعد ان ينجز العمل ويغيب الى ان يتم العمل القادم. ؟ يعني انت ضد ان يصبح الفن صنعة المطرب؟بالضبط، لذلك انا مُقِلّ بانتاجي لأني اعمل بجد وتعب على الالبوم.
؟ هل حصرت فنك في اللون الجبلي عن قصد ام الامر عفوي؟- انا ابن الجبل وهذا ميل فطري، لذلك حسيت نفسي هناك، وخير ان اكون خيّالا ناجحا في ملعبي من ان اكون خيّالا فاشلا في ملعب الاخرين، ويمكن لا تليق لي الالوان العاطفية كثيرا رغم اني شكلت في الواني.
؟ هل أخذ فارس كرم من جمهورك؟- لا احد يأخذ من احد شيء، لكل فنان طلته وجمهوره، ربنا عندما خلق الناس خلقهم متميزين. لعاصي الحلاني طلته المتميزة، ولفارس كرم كذلك، ولطوني كيوان طلته، ولكل واحد موضع في قلوب الجماهير.
؟ هل تعتقد ان الفنان العصامي، ان صحت التسمية، واقصد فيها الفنان الذي لا يأخذ عن غيره، بمعنى ان اعتماده على كلمته التي يكتبها بنفسه ولحنه الذي يصنعه هو.. مثل مثلا كاظم الساهر.. هل تعتقد ان ذلك يضر بالفنان.. يعني مثلا فارس كرم لا يلحن ولا يكتب، لديه الفرصة ان يستفيد من ابداعات اكثر من كاتب واكثر من فنان مما يسمح له ان يخرج باعمال «مهبرجة»، اما انت اذا حصرت نفسك في ابداعك الشخصي فقد تضيع منك فرصة الاستفادة من اعمال الآخرين لأن الانتاج الابداعي للفنان قد لا يكون دائما في ذروته؟- لا ابدا، انا عُرض علي الكثير من الاعمال وغنيتها. عندما يعرض علي اعمال جميلة لا امانع ولكني لا اطلب من احد.. عُرض علي لحن «ياريتك جارتي» من وسام الامين وعُرض علي «صواني الذهب» من عازار حبيب و«مرقت حد البيت» للفنان عصام رجي، وغنيتها كلها. واحيانا انا افتش مع بعض الاصدقاء عن لون او طلة جديدة لطوني كيوان لا تكون بعيدة عني. واحيانا اخرج باغاني جميلة مثل «يقصف عمرك جننتينا» من تلحيني وكلماتي.
؟ احسست انك مجدد في هذه الاغنية، فاللحن كأنه ليس ببعيد لأنه بلدي ولكنه لا يشبه اي شيء موجود حاليا بين الاغاني؟- نعم، هو جديد، على الفنان ان يطل بجديد ولمسات جديدة فكلمة «يقصف عمرك» لم يستعملها احد وانا افتش عن المصطلحات الشعبية الجميلة مثل «يقصف ذوقها نمرودة، عيونها سيف وبارودة».
؟ في اغنية «هي بتتغنج عل الكل»، لماذا رقصت النادلة رقصا اجنبيا مع ان الاغنية جبلية؟- اولا، بحسب قصة الفيديو كليب، هي ليست نادلة، هي تلميذة جامعة تسللت الى المطعم وتصنعت ان تعمل نادلة في المطعم حتى تتغنج على هذا الشخص الذي قيل لها انه يتردد على ذلك المكان، وليس بالضرورة ان تجيد كطالبة الرقص الشرقي. فالامر كان عليه ان يكون عفويا من قبل هذه الفتاة.
؟ هل انت تختار الصبايا في الكليبات؟- لا، هذا قرار المخرج، وانا لا اتدخل.. ولكني قد اتحاور، اعطي آراء حول الموضوع ولكن الامر للمخرج.
؟ لماذا تختار دائما شخصية المافيا او «الجَغَل» في الكليبات؟- سنة الـ95 عملت اغنيتين «شايف حالي علي متلك» و«بقولوا تكبرت عليكي» كان اغلب الزملاء الفنانين ينتقون عارضة ازياء او ملكة جمال ويشتغل المخرج عليهن، انا اخترعت هذه الفكرة كي آتي بشيء جديد، فقلت للمخرج لا اريد ان اكون وحدي بالصورة فجئنا بمجموهة شباب واردت ايضا ان لا يكون الفيديو كليب تمثيل فقط بيني وبين فتاة على الطريقة التقليدية، وكان هناك قصة في الفيديو كليب وكان شيئا جديدا وشعر المشاهدون انه اقرب الى فيلم مافيا وكتب عن ذلك في كثير من المجلات. لذلك صار كليبي متميزا.
؟ ما الذي يجعل الفنان صورة الوطن مثل وديع الصافي؟- الاستاذ الكبير وديع الصافي فنان لا يتكرر هي حالة تاريخية وكذلك فيروز.
؟ هل غياب المنافسة مثلا، هل وجود حالة استثنائية من فنانين مكرسين كل حياتهم للفن اجتمع في لحظة تاريخية ملحن مبدع وشاعر مبدع ومفنان مبدع؟- نعم، ولكن كان هناك منافسة الا انه لم يصل هؤلاء الى القمة الا لأنهم حالات ابداعية فريدة. غنى كثيرون مع الاخوة الرحباني لماذا لم يخلد الا وديع الصافي؟ الناس تعرف كيف تقيم الفن، ونجح لأنه حالة فريدة ولأن هناك آخرين كبار معه صنعوا اعمال لا تتكرر.؟ ما هي احب الاعمال الى قلبك؟- كل الاغاني، انا لا اعمل معجزات، بل اعمالي بسيطة والبساطة لا تعني الا الجمال. ولكن هناك اغنية كتبتها ولحنتها اسمها «عودوا» وهي محببة الى قلبي وتقول كلماتها:مش صدفة المجد بينطال.. ولا الحق بيبقى هدية تزرع ارضك بالابطال.. بتحصد منها الحريةيا رفاقي يا العم بتفلوا انا بعرف ما قدرتوا تضلوا فلليتوا ع بلاد بعيدي شو بقللن بكرة لـ ولاديلو غابوا دخلك يا بلادي لمين بضوي الشمعة بعيديما في غايب بدوا يرجع واللي بيرجع عم يتوجع شو قيمة ارضي المنسية ضجرانة كل الساحات وحزينة كل الطرقات وعم يصرخ وطن الحرية…
وهي اغنية وطنية تدعوا المغتربين الى العودة.
؟ هي اغنية مقاومة؟- الفن ثقافة وطن وحضارة شعب، الفن هوية كل الناس، انما كل انسان عنده موقف، انا انسان لست بحزبي، ومعني بوطني مثل كل انسان، اريد ان اعرف ما يحصل في بلدي، انا مواطن لبناني مقاوم، يعني مقاوم الى حد الحفاظ على كرامة شعبي، في حرب تموز (يوليو) اطلقت نداء «عودوا» للتأكيد على ان هذه الارض ارضنا وان الشهداء الذين سقطوا في كل لبنان من كل الطوائف وسقوا بدمهم ارض لبنان هم خط احمر بالنسبة لي.؟ ما هو لونك (السياسي) المفضل؟ هل هو البرتقالي؟- (يضحك) انا عادة البس الاسود، ولكنني احترم الفكر البرتقالي الذي تقصده (يبتسم) وانا مع كل فكر وطني صريح واعتقد ان اللون البرتقالي، مع احترامي لكل الناس وانا لا اعرف توجه صحيفتكم، لكن اللون البرتقالي يمثل الاستقامة. انا اريد ان اعيش في بلد دون هدر وفساد وسرقة. انا شخصيا عشت المعاناة وتهجرت ثلاث مرات في داخل بلدي. واحب ان ارى لبنان لكل اللبنانيين. عندها نصل الى ثقافة الديمقراطية التي لا نعرفها بعد.
Leave a Reply