المعارضة تعتبره تهويلاً ولن تسلم به وهو طرح قديم لن ينفذمحاولة للعودة الى مرحلة صدور القرار 1559 بتدويل انتخابات رئاسة الجمهورية
كما في مساعيه ومبادراته السابقة، لم يتمكن الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى من تسويق الحل العربي، الذي حمل في مضمونه الابهام كما قال اكثر من قطب في المعارضة، وتضمن اكثر من تفسير لآلية تنفيذ ما توصل اليه وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم في القاهرة، وتحديداً في موضوع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي تحدث البيان عن ان لا اسقاط للحكومة ولا استئثار، اي عدم اعطاء المعارضة الثلث الضامن او المعطل، ولا الموالاة الاكثرية داخل الحكومة، وترك كفة الترجيح لرئيس الجمهورية الذي سينتخب وقد سماه وزراء الخارجية العرب وهو العماد ميشال سليمان.بقيت العقدة عند تشكيل الحكومة والاحجام داخلها، وتبين ان الاتجاه هو لعدم تمكين المعارضة من الحصول على مطلبها بأن يكون لديها 11 وزيراً في اي تشكيلة حكومية، وبقي السقف هو عشرة وزراء، بحيث تبقى الاكثرية ممسكة بالقرار داخل الحكومة، اذا ما تمكنت من ان تستدرج وزراء رئيس الجمهورية اليها اذا لم تستدرجه هو، وهذا ما يقلق المعارضة التي بدأت لديها «نقزة» من العماد ميشال سليمان الذي يبدو انه اعطى ضمانات للفريق الحاكم على حساب المعارضة التي كانت تقف وراء ترشيحه وتدعمه، وبدأت تطرح تساؤلات حول تمسك قوى 14شباط بقائد الجيش كمرشح.فكل الصيغ التي طرحت حول شكل الحكومة رفضت من قبل المعارضة، لانها لم تكن عادلة ومتوازنة حسب رأيها، وهي من خلال المفاوضات والنقاشات التي اجرتها مع موسى، لمست انه منحاز الى جانب الموالاة ويتبنى طروحاتها، وهذا ما فعله في مرات سابقة في مسألة تسمية «الوزير الملك»، وفي رفضاعطاء المعارضة الثلث الضامن، فتعطلت مبادرته، لان مصر والسعودية لا ترغبان في ان تخسر قوى 14شباط السلطة، وهذا ما عبّر عنه صراحة وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط الذي قال بأن الانتخابات النيابية افرزت اغلبية واقلية، وعلى الاولى ان تحصل على اكثرية المقاعد في الحكومة، وبالتالي لا يصح ان توزع ايضاً المقاعد مثالثة في حكومة من ثلاثين وزيراً، وفق ما فسر الرئيس نبيه بري المبادرة العربية، بأنها تؤمن حكومة فيها لكل طرف عشرة وزراء الموالاة والمعارضة ورئيس الجمهورية، وقد جوبه هذا الاقتراح بالرفض من موسى الذي ابلغه ان الاتجاه هو لحكومة من 14وزيراً للموالاة و10 للمعارضة و6 لرئيس الجمهورية، ثم جرى تعديل هذه الصيغة الى 13للموالاة و10 للمعارضة و7 لرئيس الجمهورية، وتم طرح صيغة 11 للموالاة و10 للمعارضة و9 لرئيس الجمهورية.وفي كل الصيغ كان مرفوضاً ان تحصل المعارضة على الثلث الضامن، وهو ما تم ابلاغه الى موسى من المسؤولين المصريين والسعوديين والاميركيين، وهو انحاز الى هذا الطرح، وبدأت حملة اعلامية تتهم سوريا بأنها تعطل الحل ولا تضغط على حلفائها لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، وقد المح الى ذلك بطريقة مباشرة الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وكذلك وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الذي تحدث عن ان دمشق لم تقم بما التزمت به والطلب من حلفائها القبول بالحل العربي، حيث رد المسؤولون السوريون على الكلام السعودي بأن للمملكة حلفاء معروفون في لبنان، فلماذا لم تضغط عليهم ايضاً للموافقة على مشاركة المعارضة في حكومة وحدة وطنية.لذلك ظهرت المبادرة العربية متعثرة وغير قادرة ان تفرض الحل الثلاثي الذي توصل اليه وزراء الخارجية العرب، لان الادارة الاميركية التي حمل رئيسها جورج بوش في زيارته الى المنطقة عنواناً من ثلاثة، يؤكد فيه على مواجهة النفوذ الايراني، فكيف سيسمح بأن يكون «حزب الله» وحلفاءه اصحاب قرار في حكومة يعتبرها الرئيس الاميركي من ضمن مشروع الامن القومي الاميركي، وهي ورئيسها فؤاد السنيورة يمثلان هذا المشروع وخط دفاعه الاول، ولا يمكن ان يشارك في حكومة من يقف ضد هذا المشروع لا بل يعلن انه يحاربه، وهذا ما يعطل التوصل الى توافق حول الشراكة في الحكومة، وابقاء الفراغ في رئاسة الجمهورية قائماً، ليتولى السنيورة صلاحياتها.وتعطل الحل العربي كما الحل اللبناني قبله، في رفض الادارة الاميركية منح المعارضة حق الشراكة، وقد تجاوب اطراف من 14شباط معها، بالرغم من تسليم بعض الاطراف في الموالاة بهذه الشراكة، ومن هؤلاء النائب سعد الحريري الذي وافق على المبادرة الفرنسية بأن تؤلف حكومة وحدة وطنية يكون التمثيل فيها وفق النسب لكل كتلة نيابية، لكن زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد ولش المفاجئة الى لبنان، نسفت ما توصل اليه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير مع نظيره السوري وليد المعلم من اتفاق على عناوين كاد ان يطبق بعد ان تمكن كوشنير من اقناع الرئيس بري والنائب الحريري به، واتفقا على تنفيذه فوراً في الجلسة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب في 12كانون الاول الماضي، على ان يعقبها زيارة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى لبنان لتهنئة الرئيس الجديد العماد سليمان بانتخابه.ويبدو ان الحل العربي لن يسلك طريقه كما الحل الاوروبي الذي تولته فرنسا، وان ادارة بوش تخوض معركة مع سوريا وايران، وتستخدم لبنان ساحة لمواجهتهما، وهي تستعيد مرحلة ما قبل التمديد للرئيس السابق اميل لحود في صيف 2004، عندما اتفق الرئيسان الاميركي بوش والفرنسي جاك شيراك على تحجيم دور سوريا في لبنان، واخراج قواتها منه، والضغط عليها للتجاوب مع الضغوط الاميركية في العراق وفلسطين، ووقف دعم المقاومة في لبنان، لكن الرئيس السوري بشار الاسد رفض التجاوب مع هذه الشروط، وقرر التمديد للرئيس لحود، كحليف استراتيجي للمقاومة التي كان مطلوب رأسها ونزع سلاحها، وهو ما ورد لاحقاً في القرار 1559الذي صدر عن مجلس الامن الدولي.وقد شارك في استصدار هذا القرار اطراف لبنانيون كل من مصلحته السياسية والفئوية، وقد تم ادراج بند في القرار برفض المس بالدستور، لقطع الطريق على تعديل الدستور للتمديد للرئيس لحود، كما تضمن بند خروج القوات السورية، وبند آخر يتعلق بنزع سلاح الميليشيات.وتم تدويل الاستحقاق الرئاسي منذ ثلاث سنوات، ولم يعمل بالقرار 1559، وحصل التمديد للرئيس لحود، بالرغم مما رافق هذا التمديد من ازمات، الا ان اعادة طرح تدويل رئاسة الجمهورية من جديد، تحت عنوان عدم انعقاد مجلس النواب، ورفض استمرار الفراغ الرئاسي، فان اصحاب هذا الطرح يهولون به اذا ولن يتمكنوا من الحصول عليه، لان موضوع رئاسة الجمهورية مختلف عن المحكمة الدولية بإغتيال الرئيس رفيق الحريري. وتشير المعلومات الى ان الفريق الحاكم بدأ جدياً العمل مع اصحاب القرار الدولي في اخذ انتخابات رئاسة الجمهورية الى مجلس الامن، وقد بوشرت الاتصالات في هذا الاتجاه، وقد افصح عن ذلك الوزير الفرنسي كوشنير الذي لوّح الى امكانية ان يبحث مجلس الامن الدولي هذا الوضوع ويتخذ القرار المناسب.ولم يغب تدويل رئاسة الجمهورية ايضاً عن تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك الذي حذر من ان لبنان متجه نحو الخراب اذا لم يتم التجاوب مع المبادرة العربية، التي سيأتي بعدها تدخل المجتمع الدولي، اذا لم يتفق اللبنانيون فيما بينهم، وقد اعتبر تصريح مبارك شبيه بما قاله الرئيس انور السادت مطلع الحرب الاهلية في العام 1975، بأن لبنان يتجه نحو الفتنة الداخلية، وكان بذلك هو وهنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركية الاسبق يعملان لاشعال الحرب الاهلية اللبنانية، لتغطية المفاوضات المصرية-الاسرائيلية من خلال الزيارة التي قام بها السادات الى القدس المحتلة في العام 1977.وما يبشر به الرئيس مبارك يؤشر الى ان الوضع في لبنان يتجه الى مزيد من التعقيد، وان التهويل بالتدويل، لن يغير شيئاً في شأن الازمة اللبنانية، بل يدخل اللبنانيون في مرحلة تتجه نحو انهاء دولتهم وانهيار كيانهم، وهم يعيشون حالة التدويل منذ ثلاث سنوات في القضاء والاقتصاد والامن والسياسة الخارجية، وان انتشار 15الف جندي دولي في الجنوب لتطبيق القرار 1701يدخل في اطار التدويل، الذي ترى المعارضة ان الاستمرار في اخذ لبنان نحو مزيد من استصدار قرارات دولية تتعلق بشؤون داخلية، يكشف عن اتجاه لدى قوى 14 شباط الى فرض وصاية دولية على لبنان، وفي ظنها انها تتمكن ان تحكم منفردة تحت مظلة الامم المتحدة وبحماية قوات دولية تحت الفصل السابع، وعلى غرار ما حصل في العراق، بعد احتلاله واسقاط النظام فيه وتدميرمؤسسات الدولة، بعد ان امر بول بريمر الذي تم تعيينه حاكماً على العراق من الاحتلال، فحل مؤسسة الجيش وسرّح الموظفين من المؤسسات تحت ذريعة «اجتثاث البعث»، وهذا ما ينتظر لبنان، وفق مصادر دبلوماسية التي تشير الى ان مؤسسات الدولة التي تعاني الفراغ في سلطاتها، من خلال خلو منصب رئيس الجمهورية وعدم حصول الانتخاب، الى تعطيل اعمال مجلس النواب، وعدم اعتراف اكثر من نصف الشعب اللبناني بالحكومة، واعتبار قراراتها غير شرعية، وهي مستمرة بقوة الدعم الخارجي لها، وقد تسقط في اي لحظة، كل هذه المعطيات تؤشر الى ان لا دولة في لبنان، او ما يسمى بالقانون الدولي الدولة الفاشلة، وهذا يفرض تدخل المجتمع الدولي لحمايتها وانقاذها، ومنع شعبها من الاقتتال.وتحت هذا العنوان يجري العمل لوضع انتخابات رئاسة الجمهورية تحت المجهر الدولي، كما حصل مع المحكمة الدولية التي كانت ذريعة الحكومة في رسالتها الى الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي ان مجلس النواب مقفل بوجه الحكومة، لاقرار مشروع قانون المحكمة، مما اضطر الحكومة للجوء الى مجلس الامن الذي اصدر قراراً بإنشائها، وهذا ما ينتظر انتخابات رئاسة الجمهورية التي تقول الموالاة ان مجلس النواب مقفل بوجهها، وترد المعارضة بانه لا يمكن تشبيهها بالمحكمة، وان ظروفها مختلفة، واذا ما حاول الفريق الحاكم الاستعانة بمجلس الامن فيكون بذلك يؤسس لحرب اهلية وهو لن ينجح مع المجتمع الدولي بذلك، لان اي قرار لا يمكن تنفيذه في ظل انقسام داخلي وان الدول لا ترسل جنودها الى بلد معرض لحرب اهلية، وتسحب قواتها عندما تتعرض فوراً لأي عمل مسلح او عنفي.وهكذا فان من يروج للتدويل ويعتبره ابغض الحلال كما قال البطريرك صفير، يكون يعمل لانهاء لبنان، لاسيما اذا صدر قرار مجلس الامن تحت الفصل السابع واستخدام القوة العسكرية ضد اطراف لبنانية، فيتحول لبنان الى ارض قتال ضد القوات الدولية من اطراف عدة، بإعتبارها قوات احتلال وسيصبح وجود تنظيم «القاعدة» اكثر حضوراً وفاعلية، بعد ان اعلن قادته انهم اتخذوا قراراً بمحاربة القوات الصليبية في لبنان.وفكرة توسيع عمل القوات الدولية، مطروحة منذ العدوان الاسرائيلي في صيف عام 2006، عندما طالب اطراف في 14شباط، بأن تشمل صلاحيات هذه القوات كل الاراضي اللبنانية وزيادة عددها الى 35الف جندي للانتشار في المناطق التي لا تسيطر عليها السلطة اللبنانية، في المخيمات والضاحية الجنوبية وعند الحدود اللبنانية-السورية، وان تعمل تحت الفصل السابع وكان اكثر المطالبين بذلك النائب وليد جنبلاط وسمير جعجع، وقد تصدى لهما الرئيس بري و«حزب الله»، وهذا الموضوع كان من الاسباب التي ادت الى توتير العلاقات داخل الحكومة، والى انعدام الثقة برئيسها وقوى السلطة، والى استقالة الوزراء الشيعة ونشوب الازمة الحالية.ويبقى التدويل مطروحاً لكن دون فاعلية، ويجري استخدامه للتهويل، للضغط على المعارضة للتسليم بشروط الموالاة، وهذا لن يحصل، وما لم يتم اخذه بالعدوان الاسرائيلي لن يؤخذ بالضغوط السياسية والدبلوماسية والقرارات الدولية.
Leave a Reply