كَسْرُ الحصار عن غزة بقوة الإرادة الجماهيرية للفلسطينيين وبمباركة من مصر وقائدها مبارك، وضع القضية الفلسطينية على مفترق طرق، وهو سيتيح للفرقاء المحليين والإقليميين والدوليين إعادة خلط أوراقهم للخروج من مآزق وضعتهم فيها إدارة أميركية «متصهينة» تكاد تلفظ أنفاسها، وحكومة إسرائيلية ضعيفة ومرتبكة.
مصر هذه التي سمحت بفتح عشوائي لحدودها مع غزة، غاظها في الآونة الأخيرة تقرير للبرلمان الأوروبي ينتقد أوضاع حقوق الإنسان فيها، وبضمنه فقرة عن غضّها الطرف لتهريب أسلحة إلى غزة عبر الأنفاق، وكأنما مجمل التقرير جاء بصياغة أميركية وإسرائيلية، الهدف منه الضغط على القاهرة لمساندة تل أبيب في حربها على المقاومة الفلسطينية، وقبل ذلك جمّد الكونغرس الأميركي مساعدات إلى مصر بقيمة 200 مليون دولار، والسبب هو ذاته – تهريب الأسلحة عبر الأنفاق – ثم إن مصر التي كانت عبر الأزمان قلب الأمة العربية النابض، لا يروق لها إنكفاء دورها إلى هذا الحد، جراء تكبيلها بإتفاقات كامب ديفيد، فهي أرادت أن تقول للعالم عبر كسرها الحصار عن مليون ونصف من الأشقاء الفلسطينيين، إن تلك الإتفاقات ليست قرآنا ولا إنجيلا، وهي بذلك وضعت إسرائيل والولايات المتحدة والعرب والمجتمع الدولي أمام مسؤولياتهم تجاه إيجاد حل حقيقي للمعضلة الفلسطينية، بعيدا عن المس بأمنها – مصر – الإستراتيجي، في ظل تقارير عن مخططات إسرائيلية بتهجير مئات الآلاف من فلسطينيي 48 إلى قطاع غزة تمهيدا للتوسع على حساب الأراضي المصرية في شمال سيناء، وإقامة كيان فلسطيني منفصل عن الضفة الغربية، والهدف النهائي تعزيز «يهودية» الدولة العبرية.
وكان كبير المفاوضين الفلسطينيين د. صائب عريقات ندّد الأسبوع الماضي بمخطط الفصل هذا، الذي تسعى إليه حكومة إسرائيل، مشددا على وحدة الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع.
من جانبها تعالت أصوات في إسرائيل مؤخرا تطالب بضرورة فك الإرتباط مع غزة وتحميل مصر أوزار المعاناة الإنسانية والأمنية والإقتصادية للقطاع المتفجر، فيما يدرس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إمكانية تقديم إستقالته قريبا جراء ضغوط هائلة يتعرض لها في مواجهته قضية لا يقوى على حلها لا الفلسطينيون ولا العرب ولا الإسرائيليون ولا حتى الولايات المتحدة.
يرى محللون سياسيون أن السبيل الأمثل هو إستقالة السلطة الفلسطينية برمتها، وتحميل وزر إدارة السكان في الأراضي المحتلة لإسرائيل، أو للأمم المتحدة، وذلك وفق بروتوكولات جنيف لإدارة الشؤون المدنية للسكان في زمن النزاعات والحروب.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هكذا مشهد معقد ومرتبك: هل تنحو المنطقة إلى وفاق، يبدو في هذه المرحلة أبعد ما يكون تحقيقه عن أي وقت مضى، أم أن المنطقة ستشهد نزاعات وحروب إقليمية وأهلية لم يشهد الشرق الأوسط لها مثيلا من قبل تكون بمثابة «معجنة» تطيح بأنظمة وتشكل حدودا وتضاريس جديدة، بل وتصنع تاريخا غير الذي مضى؟
تلك أسئلة كبرى تجيب عليها تفاصيل تصنعها شعوب المنطقة وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني، صاحب أكبر تجربة في الكفاح، أثبت على مدى ستين عاما أنه رقم صعب لا يمكن لأحد أن يتجاوزه، فهؤلاء وقفوا بالحجر أمام دبابة الميركافا الإسرائيلية وأقضّوا مضاجع الصهاينة بالعمليات الإستشهادية ومن ثم بصواريخ القسام، وحطموا أسوار سجنهم في غزة، وقالوا للعالم: لن نموت إلا واقفين كالأشجار.
Leave a Reply