ماكين لرصّ صفوف الجمهوريين بانتظار نوفمبر القادم
انتهت معركة «الثلاثاء الكبير» التي جرت في 21 ولاية جمهورية و22 ديمقراطية بضمان جون ماكين التسمية الجمهورية وانحصار جهده الحالي في التركيز على رص صفوف الحزب من خلفه لمواجهة المرشح الديمقراطي في النهائيات المقبلة في تشرين ثاني (نوفمبر) القادم. ورغم ان ايا من المرشحين الديمقراطيين لم يحسم امر الفوز بعد الا ان المقبل الديمقراطي على النهائيات سوف يكون بلا شك خصما شرسا نظرا للحماسة التي يبديها الديمقراطيون. ومع كل ذلك، يبدو ان ماكين قد حدد بحدسه السياسي خصمه المقبل بدقه، باراك اوباما، وهو يجيش بكل ما يمتلك من طاقة افراد حزبه للمواجهة المصيرية في الانتخابات النهائية على الرئاسة الاميركية.
ومنذ الثلاثاء الكبير، جرت الانتخابات في سبع ولايات، وفي جزيرة فيرجين، للديمقراطيين، ربحها كلها اوباما، وست ولايات، للجمهوريين، فاز ماكين بأربعة منها.
وستجري جولتان الاسبوع القادم في هاواي (ديمقراطيون فقط) وويسكونسين (للحزبين) وذلك في 19 من الشهر الجاري. وهذه النتائج العامة حتى الآن (بحسب قناة ام اس ان بي سي)
ديمقراطيون:
اوباما 1078
كلينتون 969
العدد المطلوب للفوز بالتسمية 2025
جمهوريون:
ماكين 801
هاكوبي 240
العدد المطلوب للفوز بالتسمية 1119
الديمقراطيون:
جرت الاسبوع الماضي جولات في كل من لويزيانا، نبراسكا، وواشنطن (9 الجاري) وماين (10 الجاري) مقاطعة كولومبيا، ميريلاند، وفرجينيا (12 الجاري) وكذلك في اقليم جزيرة فيرجين.
ورغم تقدم اوباما بشكل لافت على خصمه كلينتون، حيث ربح سبع ولايات متتابعة، وكذلك جزيرة فيرجين، بفوارق بلغت الضعف، وذلك من بعد الثلاثاء الكبير الذي لم يخرج منه اي منهم حاسما، فإن ايا من المرشحين لم يستطع حتى الآن ان يرفع راية النصر كما حصل لدى الحزب الجمهوري الذي حسم فيه ماكين امر فوزه دون منازع.
وربما عاملان اثنان ما يجعل الحسم بعيدا عن المنال عند الديمقراطيين: اولهما، ان المتنافسين لا يختلفان كثيرا في اجندتيهما في كثير من القضايا اللهم الا في الطريقة التي تُقدم فيها. وثانيهما، ان طبيعة نظام توزيع المفوضين على المتنافسين لا يسمح بتغلب احدهما على الاخر الا اذا كان كاسحا بفارق ضخم اذ ان التوزيع نسبي ولا يسمح لأحد المرشحين حصد كل المفوضين وحرمان خصمه من الوقود الذي يوصل الى المؤتمر الوطني. وفي الولايات السبعة التي جرت فيها الانتخابات، حصل اوباما على ضعف الاصوات التي حصلت عليها كلينتون تقريبا لكن النتيجة لم تترجم الا الى 149 مفوضا لـ اوباما مقابل 82 لـ كلينتون.
وبالعودة الى المتنافسين، فإن كليهما يتميز بفرادته: كلينتون اول امرأة جدية في تاريخ الولايات الاميركية، تمتلك خبرة طويلة في زواريب سياسات الكونغرس، مدعومة من النساء، عاصرت ولايتين رئاسيتين كانت فيهما السيدة الاولى، عاشت تجربة زوجها وتعمد الى المراكمة عليها والاستفادة منها.
في المقابل، لم يشكل اوباما حتى وقت قريب تمايزا الا كونه اول افريقي اميركي جدي في تاريخ الترشح للرئاسة. وكان من المفترض ان لا يصمد في مواجهة المواصفات التي تتمتع بها كلينتون سيما وانه يواجه الزوج الزوجة معا. كما ان اوباما لا يملك الا قليل من الخبرة السياسية في الكونغرس، لا تتجاوز السنتين. لكن ما نجح اوباما في تحقيقة أظهر قوة غير اعتيادية. فهو استطاع ان يجمع مالا وفيرا عبر التبرع الشبكي الالكتروني (بلغ اكثر من مليون دولار يوميا في الشهر الماضي).
وقد تكون مواصفات كلينتون العالية شكلت عبئا اكثر مما كانت عونا: فالجو السياسي في البلاد والرغبة في التغيير والظهور بمظهر المرشح الجدي للتغيير ساعدا اوباما. فخبرته القليلة في واشنطن تظهره بمظهر قليل الخبرة وبالتالي اقل معرفة وتورطا مع مجموعات الضغط التي كانت من بين قائمة المتبرعين لـ كلينتون بينما، في المقابل، لم تقدم هذه المجموعات اي دعم مالي لحملة اوباما الامر الذي اعتبر حتى وقت قريب علامة ضعف قبل ان ينقلب ليتحول الى مؤشر «طهارة» سياسية. وشكلت الطبقات الفقيرة معظم المتبرعين في لوائح اوباما بمبالغ لم تتجاوز 200 دولار لكل متبرع.
وكانت اقالة كلينتون لمديرة حملتها الانتخابية باتي دويل، ونائب المديرة مايك هينري، واثنان من قادة العمليات على شبكة الانترنت، بعد فوز اوباما في ثلاث ولايات متتالية، واستبدالهم بآخرين دليلا سلبيا على الاضطراب الحاصل لدى الاخيرة، وربما كانت تلك الخطوة سلبية الاثر على الجولات الاربعة التالية التي فاز فيها ايضا منافسها. وكانت تلك الخطوة اتخذت على اثر فشل حملة كلينتون في اللحاق بحملة منافسها في جمع التبرعات.
المواجهة
ولقد قامت حلمة كلينتون بشراء وقت على الهواء لنشر اعلاناتها في الجولات القادمة في كل من ويسكونسين واوهايو وتكساس. ويظهر ان كلينتون تحمّي للانقضاض بحملات هجومية على منافسها تمثل اولها بما جاء في اعلان لها في وسكونسين حيث ادعت رفض اوباما الاستجابة الى دعوات للمناظرة، متهمة اياه بالخوف من المواجهة. وكان الاخير رفض مناظرة في ويسكونسين ربما لثقته بالفوز بعد دعم حاكمها كيم دويل. وتم تحديد 21 من الشهر الجاري لمناظرة حامية في تكساس.
ويظهر في هجوم كلينتون وادعائها خشية منافسها من المناظرة وكأنها وجدت اخيرا ما تتعلق به للهجوم على اوباما. لكن ربما يذهب التحليل ابعد من ذلك: فهل لم تجد كلينتون الا ذلك الانتقاد للتدليل على ضعف اوباما؟
الجولة القادمة
على صعيد الاستطلاعات، يتفوق اوباما على كلينتون بسبع نقاط في وسكونسين والتي ستجري انتخاباتها، هي وهاواي، في 19 من الجاري، وتظهر حملة اوباما اكثر تنظيما من منافسته. وهناك 40 بالمئة من السود وقسم كبير من الليبراليين والمثقفين وهي الشرائح التي عادة ما تصوت لـ اوباما.
وتعطي قوانين التمهيديات في ولاية ويسكونسين الحق للمستقلين بالمشاركة في التصويت الحزبي مما سيفيد اوباما نظرا لميل المستقلين نحوه.
ويظهر استراتيجيا تركيز اوباما على الحرب في العراق، حيث يفترق مع كلينتون. والقى اوباما خطابا من فرع شركة جنيرال موتورز في مدينة جانيسفيل، ويسكونسين، التي تكبدت خسائر فادحة لهذه السنة بلغت 29 مليار دولار، حيث ربط ما بين انهيار الاقتصاد والحرب على العراق منتقدا الذي يروج له الجمهوريون وكلينتون من ان السبب الوحيد للكساد الحالي ليس الا نتيجة الدورة الاقتصادية. واصر اوباما على ان الكساد هو بسبب الحرب التي تنزف البلاد من جرائها مالا وبشرا.
اضافةً، طرح اوباما مشروعا لتوظيف 210 مليار دولار لخلق الوظائف. منها 150 مليار لخلق 5 مليون وظيفة «ذات ياقات خضراء» لحماية البيئة عبر تطوير مصادر طاقة جديدة؛ و60 مليار اخرى لتحسين البنية التحتية من طرقات وجسور ومطارات وغيرها من مشاريع عامة، اذ سيتم خلق مليوني وظيفة.
اما عن كيفية تمويل هذه المشاريع فقد طرح انها ستتوفر من انهاء الانفاق الحربي، ايقاف الاعفاءات الضريبية للشركات، فرض الضريبة على التلوث وعلى الدخول العالية.
هل يحدد المفوضون الممتازون
مصير الرابح بالتسمية ديمقراطيا؟
وظهر بعد عجز نتائج الثلاثاء الكبير عن تحديد المرشح الرئاسي الحاسم للحزب الديمقراطي، تساؤلات عن احتمال ان يحسم المفوضون الممتازون امر المرشح الفائز.
ويبلغ عدد المفوضين الممتازين 796 (20 بالمئة من عدد المفوضين العاديين). وهم يتألفون من قيادي الديمقراطيين في الولايات، والرسميون المنتخبون لمقاعد في الكونغرس من افراد الحزب، وحكام الولايات ورؤساء سابقون من الحزب. وهم يعتبرون مفوضين بشكل تلقائي دون انتخاب.
ابتدأ هذا التقليد في العام 1984 كمنهج لأعطاء هؤلاء مرتبة مميزة ليكونوا اشبة بمجلس لتشخيص مصلحة الحزب فيكون لهم اليد الطولى في حسم امر المرشح المسمى في حال خرجت نتائج الانتخابات عن سيطرة رغبتهم. اي في حالة كانت نتائج اصوات العامة من الحزب مخالفة لما يرونه اصلح للبلاد.
ولهؤلاء الحق في التصويت كيفما يشاؤون حتى لو كان ذلك لمصلحة المرشح الخاسر. فلو تقدم اوباما مثلا على كلينتون بمئتي مفوض في التمهيديات يستطيع ان يتفق قسم من هؤلاء المفوضين الممتازين كي يعطوا اصواتهم للخاسر (كلينتون) بمقدار يلغي الفارق الذي جمعه الرابح. ولقد حصل ذلك في تاريخ الحزب اكثر من مرة.
وطبقا لقانون الحزب لانتخابات العام 2008، يربح التسمية من يجمع 2025 مفوضا، وبما ان المرشحين اوباما وكلينتون لا يفصل بينهما الا قرابة المئة مفوض، فإن المفوضين الممتازين يستطيعون ان يحسموا، الآن، امر الفائز اذا ما اعلن جزء منهم نيتهم عمن سيمنحوه صوتهم بما يكفي ليصل مجموع مفوضيه الى العدد المطلوب. وينادي البعض بهذا الحسم لا سيما وان الحسم غير وارد عما قريب نبيجة المنافسة الشديدة الا ان آخرين عبروا ان سخطهم اذا ما تم ذلك لأن ذلك يتجاوز الحق الديمقراطي للافراد.
يطرح هذا الموضوع سؤالا مهما حول مدى ديمقراطية العملية الانتخابية في الحزب الديمقراطي وما الفرق بينه وبين الاحزاب غيرالديمقراطية. ان اول انتقاد كان يوجهه السياسيون الاميركيون الى الحزب الحاكم في الاتحاد السوفييتي، الحزب الشيوعي، هو ما يسمى في العلوم السياسية «حكم النخبة»، وفكرة المفوضين الممتازين هي في صميم ما يوصف بـ«حكم النخبة» وهي نتيجة طبيعية لعدم الايمان بقدرة الجمهور على التصويت الصائب والحاجة المستمرة الى قيّم عليه.
جمهوريا
لم يكن اثر فوز مايك هاكوبي جمهوريا في ولايتي كنساس ولويزيانا على ماكين الا كحجر استقر في قعر بحر جارف. فالفرق الشاسع ما بين المركز الاول والثاني جمهوريا ابعد من ان يحركه فوز يتيم هنا او هناك. فـ ماكين حسم امر تسميته منذ الثلاثاء الكبير. ولقد ربح ماكين، السيناتور عن اريزونا، اربع ولايات على التتالي، واشنطن، مقاطعة كولومبيا، ميريلاند، وفرجينيا. ويظهر ان هاكوبي، وهو قسيس انجيلي وحاكم سابق لولاية اركانسو، يمتلك بعض القدرة على ربح اصوات الانجيليين فهو هدد ماكين في واشنطن حيث لم يتجاوز الفارق نقطتين، وارّق مضجعه في فيرجينيا حيث بلغ الفارق 9 نقاط. لكن ماكين يبقى الاقوى محلقا في مقاطعة كولومبيا وميريلاند.
ويحاول ماكين ان يجمع خلفه حزبه لمواجهة المرشحَين الديمقراطيين اللذين يظهر انهما يقبلان وقد عمّ غبار الحماسة الافق من امامهم.
وربما يثير اوباما الغيرة لدى ماكين نظرا لقدرته على تقديم نفسه فارس التغيير والحماسة التي يثيرها عند جمهور تراكمت فيه القابلية للتفاعل مع قيادة جادة طامحة لشيء جديد. وقد تكون الحماسة الديمقراطية تولدت بسبب الامل بما يمكن ان يحققه فوز مرشحهم بالرئاسة والغضب على ما انتجته سياسة احتكار الجمهوريين للرئاسة. ويطمح ماكين ان يتجاوز الجفاء الذي يواجهه فيه جمهور لا بأس به من حزبه نتيجة منهجه الذي قد يُظهره «غير محافظ» بما فيه الكفاية ليشبع نهم السلفيين من افراد حزبه.
ومنحت قيادات في الكونغرس من الحزب الجمهوري يوم الاربعاء دعمهم لـ ماكين في محاولة للتوحد خلفه لمواجهة المرشح الديمقراطي في النهائيات في تشرين ثاني (نوفمبر) القادم.
بوش والانتخابات
وادلى الرئيس الاميركي الحالي جورج بوش بدلوه في التمهيديات الحالية في مقابلة على الـ «فوكس نيوز» قال فيها بأن ماكين محافظ بما فيه الكفاية. ورغم انه يرفض الدعم المبكر لمرشح معين الآن الا انه اظهر دعما لـ ماكين ولم يمنعه ذلك من الثناء على هاكوبي.
وفي رد على ان ماكين صوت ضد الاعفاءات الضريبية التي قدمها بوش، واعتبر انها تحابي الاغنياء (2001 و2003)، قال بوش بأن ماكين يرى الاعفاءات الضريبية اليوم بشكل فختلف ويدافع عنها ويرى وجوب جعلها دائمة.
ورغم ان هاكوبي اتهم سياسة بوش الخارجية بأنها غير عقلانية، لم يكن رد بوش الا دبلوماسيا معتبرا أن ذلك كان فقط للاستهلاك الانتخابي واعتبر ان على هاكوبي ان يقول ذلك، ثم مدح فيه اشياء. لكن بوش اعتبر ان المهم عنده في المرشح المبادئ: الشراسة في التعامل مع العدو، تقوية السلطة الفدرالية، الاعفاءات الضريبية.
وفلسفة بوش ترتكز على ان هذا العالم شرس وخطير جدا والولايات المتحدة تحتاج الى رجل قوي للتعامل مع هذا العالم الخطر ورأى ان ماكين سينجح بذلك.
وربما كان بوش قد اذى كلينتون كثيرا عندما تنبأ لها الفوز في الثلاثاء الكبير، او ربما جلب له سوء الطالع، فهي كما يراها كثيرون محافظة اكثر من المحافظين، ويعتبرها الرئيس الاميركي افضل من اوباما لانها تفهم الاحوال في الادراة اكثر.
وهذا هو رأي بوش رغم ان كلينتون كانت قالت في احدى المناظرات بأن الادارة الاميركية احتاجت الى كلينتون واحد (زوجها) لاصلاح ما فعلته ادارة بوش الاول (الاب) من ضرر وانها تحتاج الآن الى كلينتون ثاني (هي نفسها) لاصلاح ما خلفه بوش الثاني (الابن) من دمار. الا ان بوش اعتبر انه تعليق متذاكي، لكنه اكد ان استراتيجية مهاجمته خاطئة لأن ذلك تركيز على الماضي وعلى المرشح ان ينظر الى المستقبل! غافلا عن ان الجمهوريين انفسهم لا يذكرونه كثيرا بالخير العميم.
ودافع بوش عن كلينتون الزوج الذي وجه اتهامات عنصرية الى اوباما وقال بأن بل كلينتون ليس عنصريا.
كما ادعى بوش انه لا يعرف شيءً عن اجندة اوباما وان كل ما يعرفه عنه هو انه في السياسة الخارجية يبدي رغبة في مهاجمة باكستان ومنح المال لأحمدي نجاة (متهكما على ما كان ذكره اوباما في مناظرة سابقة). وبالطبع، فإن اوباما لا يريد اكثر من هذا الهجاء ليؤكد انه مختلف عن الموجودين في واشنطن.
Leave a Reply