جنبلاط كان يربط اسمه بالاغتيالات وطالب واشنطن بتفجيرات فـي دمشق
اميركا واسرائيل تلاحقانه منذ ربع قرن لانه العدو الاول
فايز مغنية والد الشهيد عماد مغنية متوسطا الشيخ نعيم قاسم والسيد هاشم صفي الدين خلال التشييع |
انه الاغتيال الاسرائيلي الثامن الذي يصيب قادة ورموزاً من «المقاومة الاسلامية» باستشهاد عماد مغنية، منذ 1984 العام الذي ظهر فيه «حزب الله»، كتنظيم جهادي ضد الاحتلال الاسرائيلي والاستكبار العالمي وعلى رأسه «الشيطان الاكبر» اميركا، كما يصفها «حزب الله».
ومغنية المطارد من الاسرائيليين والاميركيين، منذ الثمانينات، هو من مؤسسي المقاومة في لبنان، عندما كان في حركة «امل» وقاتل معها ضد الاحتلال الاسرائيلي، ثم التحق بـ«المقاومة الاسلامية»، وبرز اسمه كاحد الذين كانوا وراء العمليات التي استهدفت السفارة الاميركية في بيروت عام 1983، والقوات الاميركية في العام نفسه قرب مطار بيروت وايضاً القوات الفرنسية في الرملة البيضاء في بيروت، ومنذ ذلك التاريخ والاستخبارات الاميركية تفتش عن مغنية، وحاولت اغتياله منذ العام 1984.
جرت اول عملية لاغتيال مغنية في العام 1994، عندما جندت اسرائيل احد عملائها احمد الحلاق، الذي زرع عبوة ناسفة في سيارة فان قرب متجر شقيقه فؤاد مغنية في محلة صفير في منطقة الضاحية الجنوبية، فتم تفجيرها فاودت بحياته مع افراد من عائلته، ونجا عماد الذي ظل هدفاً اميركياً واسرائيلياً، وقد رصدت المخابرات الاميركية مبلغ خمسة ملايين دولار اميركي ورفعته الى 25 ميلون دولار، لمن يلقي القبض عليه او يقتله، لانه تسبب بقتل اميركيين واسرائيليين واجانب حسب زعمها، ووضعته على لائحة الارهاب، واتهمته بانه وراء خطف اجانب وتصفية بعضهم في لبنان، وتفجير السفارة الاسرائيلية في الارجنتين، واعتبرته الرأس المدبر لعمليات الخارج، وانه مرتبط بقيادة «الحرس الثوري الايراني» في طهران.
لقد كان اسم مغنية مرعباً لدى قادة العدو الاسرائيلي والادارة الاميركية، فهو كان بين 21 اسماً اعتبرتهم واشنطن «ارهابيين» خطرين، وعممت صورهم، وافرز البيت الابيض جهازاً خاصاً لمتابعة تحركات مغنية الذي لم يكن يظهر لا في الاعلام ولا في المناسبات حتى التي يقيمها «حزب الله» وكان قليل الصور جداً، ويعود بعضها الى سنوات بعيدة، ودخل في العمل السري من ضمن مجموعة في «حزب الله» التي تعتبر قيادة ظل، او الجهاز العسكري والامني.
وهذه السرية التي اتبعها مغنية، هي التي وفرت له الحماية الامنية، كما انها ساهمت ايضاً، في نجاح عمليات المقاومة، وتحديداً تلك التي تم فيها خطف جنودً اسرائيليين، وكان اخرها اسر الجنديين في 12 تموز 2006، والذي اعتبرته اسرائيل مناسبة لبدء حرب على لبنان كانت قررتها قبل اشهر، وانتهت بهزيمتها، وانتصار المقاومة، باعتراف تقرير لجنة فينوغراد الذي اكد على ان منظمة عسكرية لبضعة الاف من المقاتلين، الحقت الهزيمة باكبر جيش في الشرق الاوسط.
هذه الهزيمة لم يبلعها قادة العدو، وقرروا الرد عليها، لاعادة الاعتبار للجيش الاسرائيلي، وقد وضع خبراء عسكريون وامنيون، عملية الاغتيال، في اطار رفع معنويات الاسرائيليين بعد ان اصيبت المؤسسة العسكرية بضربة كبيرة اثرت على هيبتها وافقدتها صدقيتها، ولم تعد قوة الردع التي يعتمد عليها، وهذا ما اشار اليه تقرير فينوغراد من خلال عرضه للثغرات والاخفاقات والعيوب والفشل التي اعترت اداء الجيش في الميدان، كما اكد التقرير على التقصير الفاضح للاستخبارات الاسرائيلية، التي لم تتمكن من الحصول على معلومات حول مكان وجود الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وقيادات اخرى في الحزب والمقاومة.
ولم يتأخر «حزب الله» في توجيه الاتهام الى العدو الاسرائيلي، بانه يقف وراء الجريمة، لانه يلاحقه منذ سنوات ولم يوفر فرصة لاغتياله.
الا ان اسرائيل حاولت التنصل من العملية، واعلن رئيس حكومتها ايهود اولمرت ان لا علاقة لها بالجريمة، لكن قادة اسرائيليون لم يخفوا ان تكون استخباراتهم قد قامت بها، واعتبروه «الارهابي» رقم واحد ضد اسرائيل التي عم الفرح فيها بعد شيوع خبر الاغتيال.
وتوقف المراقبون كثيراً، امام عدم اعلان اسرائيل رسمياً عن الاغتيال، وهي التي كانت تتحمل المسوؤلية عن كل عمليات الاغتيال التي طالت قيادات من المقاومة في لبنان وفلسطين منذ السبعينات، ولها سجل حافل فيها، وهي باخفاء مسؤوليتها، تتخوف من رد فعل المقاومة ضدها، التي اعلنت في بيان لها، ان الحرب طويلة مع «عدو الانبياء»، وتوعدت برد في الزمان والمكان المناسبين، وهذا ما بدأ يقلق الاسرائيليين الذين يتوقعون رداً من «حزب الله»، وقد لا يكون باطلاق صواريخ على المستوطنات كما كان يحصل في مرحلة التسعينات، بل بعمل نوعي كبير يكون بحجم فقدان قائد من المقاومة.
وقد يكون عدم اعلان اسرائيل عن العملية، محاولة منها لخلق تناقض بين المقاومة وسوريا التي حصلت الجريمة على اراضيها، بانها لم توفر لمغنية الحماية الامنية اللازمة، او كشف مخطط اغتياله الا ان اتهام «حزب الله» لاسرائيل قطع الطريق على خلق اجواء من عدم الثقة بين المقاومة وسوريا، التي لا يمكن ان تفرط بالمقاومة وهي التي تحتضنتها مع فصائل مقاومة اخرى في لبنان وفلسطين، وقد صنفتها الادارة الاميركية من «الدول الداعمة للارهاب»، واتخذت قرارات ضدها كالقرار 1559، الذي طالبها بسحب قواتها من لبنان، اضافة الى صدور قانون اميركي سمي بقانون محاسبة سوريا، وهي ما زالت مع دول اخرى عربية واجنبية تعمل على محاصرتها وعزلها، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
فمحاولة زرع الشكوك بين المقاومة وسوريا سقطت فورا، لكن السؤال الذي طرح وهو، هل هناك اختراق ما حصل لمحيط مغنية، او ثمة تقصير ما لدى اجهزة الامن السورية، لان الشخصية المستهدفة ليست عادية، وبالتالي فان توفير الحماية يجب ان تكون استثنائية، وهذا يفتح الباب لتساؤلات عديدة، عن تغلغل شبكة استخبارات اسرائيلية او اميركية داخل سوريا وفي عاصمتها، وتحصل العملية في عمقها، وبالقرب من امكنة تواجد مراكز وشخصيات سياسية وامنية.
ولكن ليست هي المرة الاولى التي تتمكن اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية من اغتيال قائد في المقاومة، فقد سبق وقبل حوالى عامين ان نفذت عملية اغتيال ضد احد قياديي «الجهاد الاسلامي» في دمشق.
وجاءت عملية اغتيال مغنية، متزامنة مع مطالبة اسرائيلية باغتيال السيد حسن نصرالله، وقد ظهر اكثر من مسوؤل اسرائيلي يتوعد بالوصول اليه والنيل منه، وقد اعلن ايهود اولمرت في اثناء عدوان تموز انه سيمنعه من التجول او السير في الضاحية الجنوبية او مناطق اخرى، وقد رد الامين العام لحزب الله عليه بانه ظهر في مهرجان الانتصار في ايلول 2006، وسار في مسيرة عاشوراء قبل حوالى شهر، لكن بعد اغتيال مغنية، سوف تكون الاجراءات الامنية اكثر شدة، لا سيما مع الحملة المتصاعدة من قبل قوى 14 شباط ضد «حزب الله» وقيادته، وهو ما يوفر الاجواء الداخلية لعمليات اسرائيلية، بعد ان رفع وليد جنبلاط سقف الاتهامات ضد «حزب الله» واتهمه بانه يقف وراء عمليات الاغتيال والتفجير، وسمى عماد مغنية كرأس مدبر لها، وهذا ما ترك اسرائيل تنفي علمها باغتيال مغنية، وقد تضعه في اطار الصراعات اللبنانية-اللبنانية، حيث لم يتوان جنبلاط عن مطالبة المسوؤلين الاميركيين اثناء زيارته الاخيرة لواشنطن، بزعزعة الاستقرار في سوريا، والقيام باعمال تفجير فيها، كرد على العمليات التي تقوم بها في لبنان وتطال قيادات وشخصيات من «ثورة الارز» فقط، ويغطي «حزب الله» هذه العمليات حسب مزاعم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي اعلن مؤخراً وبشكل واضح ان السيارات المفخخة تخرج من «المربع الامني» في الضاحية الجنوبية.
ويعتبر اغتيال مغنية ضربة قاسية لحزب الله الذي كان خسر امينه العام السيد عباس الموسوي في العام 1992 الذي طاردته الطائرات الاسرائيلية على طريق جبشيت- النبطية وقتلته مع افراد من عائلته، بعد الانتهاء من حفل تأبين الشيخ راغب حرب الذي قتلته اسرائيل في العام 1984، وهو من قادة «المقاومة الاسلامية» ايضاً عندما كانت في بدايتها.
وتكون المقاومة قدمت ثلاثة من قادتها اضافة الى خمسة من كوادرها اغتالتهم اسرائيل وهم علي رضا ياسين في العام 1994، وسعيد حرب في العام 1995 وعلي حسن ديب في العام 1999، وعلي حسين صالح في العام 2003، وغالب محمد عوالي في العام 2004.
وفي العمليات هذه استعانت اسرائيل بعملائها، ومنهم العميل محمود رافع الذي كشفت التحقيقات القضائية والامنية اللبنانية، انه وراء اغتيال علي حسن ديب في منطقة عبرا قرب صيدا في اب 1994، كما كان وراء اغتيال الشقيقين نضال ومحمود مجذوب في صيدا في ايار 2006.
وهذه الجرائم تكشف عن التغلغل الاستخباري الاسرائيلي في لبنان، مما يؤشر الى ان المناعة الامنية ضعيفة، ويطرح اسئلة على دور الاجهزة الامنية في تحصين المجتمع، وكذلك عن دور اسرائيل في الجرائم التي سقطت فيها قيادات ورموز من قوى 14 شباط، وهو التساؤل او الاحتمال الذي طرحه السيد حسن نصرالله، باتهامه اسرائيل انها وراء بعض عمليات اغتيال في لبنان، ومن ضمن تحليل سياسي يصب في ان اسرائيل هي المستفيدة منها.
وتزامنت جريمة اغتيال مغنية في دمشق، مع الذكرى الثالثة لاغتيال الرئيس الشهيد الرفيق الحريري، مما يفرض كشف الحقيقة، التي لم يتوصل اليها التحقيق الدولي، وقد اصدر سبعة تقارير تضع كلها احتمالات متعددة، وقد يكون منها احتمال ان تكون اسرائيل وراءها، كما من المحتمل ان تكون لاسباب عقائدية او اقتصادية او سياسية.
واذا كانت لجنة التحقيق الدولية قد تحدثت عن رابط بين الجرائم في لبنان، فان هذا الرابط قد يوصل الى اسرائيل التي تجند العملاء للقيام باعمال الاغتيال والتفجير، كما في حالة العميل محمود رافع الذي يوجد من نموذجه الكثير الذين زرعتهم اسرائيل اثناء وجودها في لبنان لاكثر من ثلاثين سنة، وليس النظام السوري من له شبكات كما يزعم فريق 14 شباط، الذي لا ينفك يوجه الاتهام الى سوريا منذ اللحظة الاولى التي تحصل فيها عملية اغتيال وتفجير، دون ان يقدم الادلة، سوى انه اتهام سياسي.
Leave a Reply