سوريا ستكشف التحقيقات فـي اغتيال مغنية لان امنها اصبح فـي خطر
باراك يجدد حرب الاغتيالات التي اشتهر بها منذ اكثر من ثلاثة عقود
منذ عملية اغتيال احد ابرز قادة «المقاومة الاسلامية»، لا بل قائدها العسكري والميداني عماد مغنية، دخل لبنان خصوصاً والمنطقة عموماً في مرحلة جديدة، هي مرحلة «الحرب الفتوحة» التي قررتها اسرائيل، واعلن الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ان المقاومة مستعدة لها.
هذه الحرب الاسرائيلية تأتي في اطار قرار اميركي متخذ بشن حروب اكبر في المنطقة، ضد قوى الصمود والممانعة في سورية وايران وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، وتدخل جريمة اغتيال مغنية من ضمن هذه الحرب المستمرة منذ العدوان الاسرائيلي في تموز 2006، والتي لم يعلن قرار مجلس الامن 1701 سوى عن وقف الاعمال العسكرية وليس اطلاق النار، وهو ما اكد عليه «سيد المقاومة» عندما وضع العملية في هذا السياق، ويعطي للمقاومة حق الرد في الزمان والمكان المناسبين، طالما ان اسرائيل، اخرجت الصراع معها من اطار الحدود مع لبنان وداخله، الى خارجه، حيث وقعت الجريمة في قلب سوريا التي اكدت انها ستعلن تحقيقها في مقتل مغنية لان امنها اصبح في خطر، وقد بدأت معلومات تتسرب عن ضلوع اكثر من جهاز استخبارات في العملية، وتحدثت تقارير اسرائيلية عن مشاركة اميركية وفرنسية وعربية، تعاونت اجهزتها الاستخبارية لتصفية من تعتبره «اخطر رجل في العالم» الذي قال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الاميركية، ان العالم افضل من دون مغنية.
فهذه العملية الاستخبارية تقوم الاجهزة الامنية والقضائية السورية، في تفكيكها لمعرفة من يقف وراء ترصد مغنية وملاحقته والوصول اليه في قلب دمشق، وفي مكان يعتبر «مربعاً امنيا»، جرى اختراقه بدقة والحصول على التفاصيل عن شخص تجري مطاردته منذ اكثر من عقدين، وتم القضاء عليه في المكان الامن الذي يلجأ اليه، حيث كشفت التقارير عن ان التحضير لهذه الجريمة دام حوالى نصف عام، وكان لمخابرات دول عربية دورا فيها حيث يشار الى الاردن، عبر المساهمة في تزويد المخابرات الاسرائيلية بالمعلومات وقد سبق لتحقيقات سابقة جرت في جرائم اغتيال، اظهرت اسماء ضباط اردنيين في جمع معلومات عن مقاومين، ومنها ما حصل في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في الاردن قبل نحو عشر سنوات.
ولا تستبعد الاحتمالات، ان تكون مجموعات او افراد فلسطينيين ضالعين في اغتيال مغنية، حيث تجري التحقيقات في حلقات ضيقة التقى بها الحاج رضوان، سواء كانوا مسؤولين فلسطينيين او سوريين او ايرانيين، حيث تشير المعلومات الى ان مغنية وقبل اغتياله، حضر حفل استقبال في السفارة الايرانية في دمشق، كما التقى قيادات فلسطينية.
والتحقيقات لا بدّ ان تصل الى حلقة ما وكشف من يقف وراء الجريمة والمخططين لها وادواتها، لكن ووفق ما اعلنه السيد نصرالله، فان اسرائيل متهمة في عملية الاغتيال، واستند بذلك الى عدة مؤشرات لم يفصح عنها، وترك للتحقيق الاعلان عنها، ويربطها من خلال المواجهة مع العدو الاسرائيلي، وان اتهام اسرائيل يقع في هذا السياق، بالرغم من محاولات رئيس حكومتها ايهود اولمرت التنصل من المسؤولية، كي يخفف من ردة فعل المقاومة ضد الدولة العبرية ومصالحها، وكذلك لزرع الشك والشقاق بين المقاومة وسوريا، وبين سوريا وايران، بان ثمة من سيعتقد بان صفقة قامت بها سوريا مع كل من اميركا واسرائيل للتخلص من مغنية، الا ان هذه المزاعم الاميركية والاسرائيلية سقطت، كما سقط معها ادعاء مدير المخابرات الاميركية بان مغنية ذهب ضحية صراع داخل «حزب الله» وهو ما كان النائب وليد جنبلاط اشار اليه تعليقاً على عملية الاغتيال، بانهم «ينهشون بعضهم»، وقد سبق لوسائل اعلام عربية مرتبطة بدول خليجية، ان سربت معلومات عن انشقاقات داخل «حزب الله»، وخلافات بين امينه العام السيد حسن نصرالله ونائبه الشيخ نعيم قاسم، واشاعة اجواء عن قرار بتنحية نصرالله، وقد اعتبر «حزب الله» هذه الاخبار ملفقة ولا اساس لها من صحة، لكن بعد الاغتيال فان توزيعها، كان لخلق اجواء تمهد لذلك ونشر هذه الادعاءات.
وقد اوحت كل التقارير والمعلومات التي رشحت من مصادر اسرائيلية واميركية، بان مغنية قتل على يد «الموساد» الاسرائيلي والاستخبارات المركزية الاميركية، وان القرار باغتياله اتخذ على مستويات عليا، وفي دوائر ضيقة، وان وزير الدفاع ايهود باراك ورئيس جهاز الاستخبارات الاسرائيلية مائير داغان اتخذا القرار بموافقة اولمرت،وهما لهما خبرة في عمليات الاغتيال خارج اسرائيل، حيث يقف باراك وراء جريمة اغتيال الامين العام السابق لـ«حزب الله» السيد عباس الموسوي في شباط 1992، عندما قصفت طائرة «اباتشي» سيارته على طريق جبشيت- النبطية، كما كان من المشاركين في اغتيال خليل الوزير (ابو جهاد) احد قادة المقاومة الفلسطينية في تونس مطلع التسعينات وثلاثة من قادة المقاومة في بيروت في نيسان عام 1973 وهم كمال عدوان، كمال ناصر وابو يوسف النجار.
وما يخشاه الاسرائيليون الان رغم محاولات تنصلهم من عملية الاغتيال، هو الرد الذي توعد به السيد نصرالله، وهم يعلمون ان وعده صادق، وما يقوله ينفذه، ولهم معه تجربة طويلة من المواجهة، كان اخرها صد العدوان على لبنان في تموز 2006، والانتصار الذي حققته المقاومة خلال 33 يوماً من الحرب الاسرائيلية على لبنان، وهذا ما كشفه تقرير لجنة فينوغراد التي حفزّت الجيش على اعادة بناء نفسه والاستعداد لحرب جديدة، جاء اغتيال مغنية ليكشف عن التوقيت الاسرائيلي لها، والتي اتخذت صفة حرب اغتيالات هذه المرة وليس حرب عكسرية تقليدية، وهو الاسلوب الذي يحبه باراك الذي لا يريد التورط مرة جديدة في حرب على لبنان، والغوص في وحوله، وهو صاحب الانسحاب منه في ايار عام 2000،
فان حرباً من نوع جديد قرر العدو الاسرائيلي اللجوء اليها، وهي حرب الاغتيالات التي مارستها اسرائيل ضد المقاومة في لبنان كما في فلسطين، وفي ساحات داخلية وخارجية.
وهذه الحرب قد ترد عليها المقاومة بالاسلوب نفسه، ولديها من الامكانات، وبدأت اسرائيل اخذ الاحتياطات الامنية، تحسباً لشن هجمات على سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية، ومراكز يهودية، وجاليات يهودية، حيث يستذكر مسؤولون اسرائيليون ان «حزب الله» رد على اغتيال امينه العام السيد عباس الموسوي بتفجير السفارة الاسرائيلية في الارجنتين عام 1994، اي بعد عامين من جريمة الاغتيال، ولم تظهر التحقيقات تورط المقاومة فيها، او مغنية المتهم بانه وراء عملية التفجير من قبل العدو الاسرائيلي.
ودب الذعر والرعب في صفوف الاسرائيليين، واعلنت هيئة مكافحة الارهاب في جهاز «الشاباك» الاسرائيلي، سلسلة من الاجراءات طلبت من اليهود اتخاذها، ومنها ان يقللوا من السفر الى الخارج، واذا سافروا ان لا يظهروا هويتهم، وان لا يتجمعوا في اماكن مع بعضهم، وان يتجنبوا الاماكن العامة، وان لا يتكلموا اللغة العبرية، وهذه التدابير الاحترازية قد تبقي اليهود سنوات فيها، قبل ان يأتي الرد على اغتيال مغنية الذي لم يتم تحديده، لكن السيد نصرالله اشار الى انه لن يكون رداً عادياً، بل رداً استراتيجياً بمستوى انهاء الكيان الصهيوني، وبدء العد العكسي لوجوده، وهو تلاقى مع ما كان اعلنه الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد من ان اسرائيل الى زوال، وعاد واكد عليه قائد الحرس الثوري الايراني في برقية تعزية لـ«حزب الله» باستشهاد مغنية.
هذا الرد الذي اعلنه السيد نصرالله، وتوجه به الى العالم ليسمعه، وليؤرخ له، بان وجود اسرائيل هو المطروح، وليس تصفية مسؤول اسرائيلي مقابل اغتيال مغنية، وهو ما دفع بقيادات اسرائيلية الى الاعلان عن عدم المسوؤلية عن هذا النصر الوهمي الذي فرح به قادة العدو، والذي سيرتد عليهم، لان مثل هذه التصفيات التي تثير النشوة بالانتصار الا انها سرعان ما تتبدل وتأتي بالانتقامات القاسية والمؤلمة لاسرائيل وفق ما خرج به مسوؤلون اسرائيليون.
فحرب الاغتيالات التي فتحها باراك من جديد، وبناء لتوصيات مركز دراسات الامن القومي في اسرائيل، واستند الى دراسة تقدم فيها داني باركو فيتش، الذي دعا الى ضرورة استخدام اساليب جديدة ضد «حزب الله»، مقدماً عدداً من الاقتراحات منها العودة الى اسلوب الاغتيالات، كما ان محكمة العدل العليا في اسرائيل اتخذت قراراً يسمح بالاغتيالات المحددة ضد شخصيات معينة كجزء من حرب اسرائيل الوقائية ضد «الارهاب».
لذلك فان القرار باغتيال مغنية، هو قرار اسرائيلي بامتياز، وقد لا يمضي وقت قصير، حتى تنكشف الحقائق، لان قادة العدو ومنذ انتهاء حرب تموز وتوقفها عسكريا، اتخذوا قراراً بالحسم ضد زحزب اللهس الذي وبحسب مسوؤلين امنيين اسرائيليين، لا يمكن السكوت عنه، بعد الهزيمة التي الحقها بالجيش الاسرائيلي، وخلال عام ونصف العام وهو يتحين الفرصة للنيل من قائد المقاومة السيد نصرالله، او من قائدها العسكري عماد مغنية، الذي نجح في اعادة بناء المقاومة عسكرياً وتأهيل عناصرها البشرية، حيث كشفت المعلومات عن انه ومنذ وقف العدوان جرت عمليات تدريب لاكثر من مئة الف عنصر لمواجهة اي حرب جديدة، التي اعلن تقرير فينوغراد انها ستحصل.
ونجحت المخابرات الاسرائيلية في الوصول الى عقل المقاومة العسكري والامني، وهو ما فرض على قيادتها ان تتخذ قراراً استراتيجياً، يكون بداية حرب تحرير شاملة، لا يكون فيها «حزب الله» وحيداً فيها، بل تشارك فيها المقاومة في لبنان وسوريا في الجولان وحركات المقاومة في فلسطين ولا تكون محدودة في غزة، بل قد تشمل كل فلسطين من البحر الى النهر.
هذا السيناريو للرد الذي المح اليه السيد نصرالله، سيفرض تغيير قواعد اللعبة التي حاولت اسرائيل ان تبدلها بعد حرب تموز، وهي في اغتيالها مغنية داخل سوريا، انما تخطت الخطوط الحمراء، وهي المرة الثالثة التي تقوم فيها باختراق هذه الخطوط والضرب في العمق السوري، منذ اغتيال احد قادة حركة الجهاد الاسلامي الشيخ خليل عز الدين قبل عامين، الى قصف ما قيل انها منشأة نووية في دير الزور نهاية الصيف الماضي، اضافة الى خرق الطيران الاسرائيلي للاجواء السورية والتحليق فوق القصر الرئاسي في اللاذقية.
كل هذه المؤشرات تؤكد ان اغتيال مغنية، قد فتح باب الحرب الاسرائيلية الاقليمية الشاملة، وان الرسالة الصهيونية، قد وصلت الى ايران التي كانت تعتبر مغنية ضابط الارتباط بينها وبين المقاومة في لبنان، وعبره اعيد بناء القوة العسكرية لـ«حزب الله» وتزويده باسلحة وصواريخ متطورة.
وهكذا فان عملية اغتيال مغنية، بدأت تفرض نفسها على التطورات في المنطقة، واعادة خلط الاوراق، لجهة ان اسرائيل تريد استعجال حرب مع ايران، للقضاء على ما تعتبره برنامجها النووي الذي وبحسب قادة العدو، يهدد وجودها، وتعتبره ينهي كيانها، وهي باستهدافها مغنية، فتحت حرب وجودها مبكراً، لان من قتلته ليس رقماً في «المقاومة الاسلامية»، بل هو قيمة معنوية ومادية كبرى، وان اغتياله لن يؤثر على المقاومة بل سيزيدها تصميماً على متابعة اعمال المقاومة، التي ستظهر في وقت قريب، من خلال عملية ستغير مجرى التاريخ، وهو ما سبق للسيد نصرالله ان اعلن في مهرجان الانتصار في ايلول 2006، ان اي حرب جديدة ستشنها اسرائيل، سوف تغير وجه المنطقة. فهل بدأت عملية التغيير بازالة الكيان المصطنع باستشهاد مغنية؟
Leave a Reply