احداث بيروت «بروفة» لسيطرة قوى 14 شباط عليها وتطهيرها من المعارضة
بري سأل عن رأي اميركا بالمبادرة العربية فجاء الجواب من ساترفيلد
في كل مرة كان يجري تحريك مبادرة عربية او اجنبية لحل الازمة اللبنانية، كان الرئيس نبيه بري، يسأل عن موقف الادارة الاميركية منها، وكان لا يأتيه الجواب، او تصله معلومات ان هناك التباس في موقفها، مما فرض عليه ان يبقى حذراً من الوصول الى تسوية سياسية، لاسيما وانه كان يفاجأ بالانقلاب على الاتفاقات التي كان يعقدها مع النائب سعد الحريري، وتحديداً ما توصل اليه معه في اثناء مبادرة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير.
وقد تبين لاحقاً، ان الادارة الاميركية ترفض اي حل للأزمة، يعطي المعارضة حق المشاركة في السلطة، وهذا ما حصل في اسقاط مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد ولش للمبادرة الفرنسية، بعد ان كانت قوى 14 شباط، وافقت على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وان تشكل حكومة وحدة وطنية وفق نسب تمثيل الكتل النيابية، اي 55 بالمئة للموالاة و45 بالمئة للمعارضة، فحضر الدبلوماسي الاميركي وعطل الحل الفرنسي الذي لقي دعماً اوروبياً، واجتمع الرئيس الاميركي جورج بوش مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في واشنطن، وطالبا بإنتخاب رئيس للجمهورية دون شروط، ورفعا من لهجتمهما ضد سوريا وحملاها مسؤولية عرقلة الحل في لبنان.
وقد تراجعت قوى السلطة بطلب اميركي عن اتفاقها مع المعارضة الذي توصل اليه الرئيس بري مع النائب الحريري، وعندها قرر رئيس المجلس وقف الحوار مع رئيس «تيار المستقبل»، وتجييره للعماد ميشال عون بإسم المعارضة.
بعد ان توقفت المبادرة الفرنسية، تحركت المبادرة العربية من جديد، بطلب من السعودية ومصر بعقد اجتماع لمجلس وزراء الخارجية العرب في 5 كانون الثاني الماضي، حيث تم التوصل الى آلية حل بإنتخاب العماد سليمان وتشكيل حكومة وحدة وطنية، واقرار قانون انتخاب، لكن اعطي للمبادرة تفسيرات عدة حول التمثيل والنسب داخل الحكومة، مما اثر على الحل العربي الذي لم يعط الضوء الاخضر من الادارة الاميركية بإعطاء المعارضة الثلث الضامن، او المثالثة ضمن الحكومة، وعادت المبادرة العربية لتراوح مكانها، بعد ان تقلص الدعم العربي لها، اذ رفضت السعودية ومصر ايضاً تفسيرها على اساس تشكيلة حكومية يكون فيها للمعارضة 11 وزيراً، اذ اعلن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ونظيره المصري احمد ابو الغيط، ان الاكثرية النيابية يجب ان تحظى بأكثرية المقاعد في الحكومة، وقد افشلا بذلك الحل العربي بعد ظهور انقسام بين وزراء الخارجية العرب حول تفسيره.
والتعطيل العربي للحل، فتح الطريق من جديد للإدارة الاميركية، كي تعلن ان المبادرة العربية سقطت، وهو ما عبّر عنه منسق السياسات الاميركية في العراق ديفيد ساترفيلد الذي كان سفيراً في لبنان، ووقف وراء «ثورة الارز»، وهو الذي كان منسقاً بين قوى 14 شباط، في اللقاءات التي كانت تجمعهم في زلقاء قرنة شهوانس و«لقاء البريستول».
وما اعلنه ساترفيلد من انتهاء الحل العربي، ترافق مع عودة الادارة الاميركية للمطالبة بإعادة انتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائداً واحداً، وهو ما ردده اطراف 14 شباط الذين اكدوا انهم لم يتخلوا عن هذه الفكرة التي يعتبرونها دستورية، في حين كانوا يؤكدون انها تؤدي الى حرب اهلية، كما اعلن النائب وليد جنبلاط بعد ان لمس ان نواباً من الاكثرية لن يحضروا جلسة انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً، كما ان البطريرك صفير اكد من جهته ان الانتخاب ليكون دستورياً يجب ان يحظى بحضور ثلثي اعضاء مجلس النواب في الجلسة الاولى.
ولكن يبدو ان واشنطن مع رفضها للمبادرة العربية اسقطت، انتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان، وعادت الى طرح مرشح من «ثورة الارز»، وهو ما كان الرئيس جورج بوش اتفق عليه مع النائب الحريري في اثناء زيارة الاخير لواشنطن قبل اربعة اشهر.
والعودة الى انتخاب رئيس غير توافقي، ورفض مشاركة المعارضة في الحكومة، اعادت الوضع السياسي والدستوري الى المربع الاول، وقد يفتح الباب من جديد امام انتخاب رئيسين للجمهورية ورئيسين للحكومة، ودخول البلاد في حرب اهلية مدمرة، جرى تجنبها، قبل انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، عندما اتفق على ان لا تنتخب الموالاة رئيساً بالاكثرية المطلقة، مقابل ان لا تشكل المعارضة حكومة ثانية، وجرى هذا الاتفاق برعاية عربية واقليمية ودولية، على ان يتم الاتفاق على العماد سليمان كمرشح توافقي وهذا ما حصل، الا ان العقدة بقيت في تشكل الحكومة، التي اكدت قوى 14 شباط في الذكرى الثالثة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري رفضها التنازل امام المعارضة، واعتبر جنبلاط منح المعارضة الثلث ضامن خيانة ، وهذا ما اكده ايضاً النائب الحريري عشية عودة امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى لتحريك الحل العربي، فإصطدم برفض الفريق الحاكم القبول بمشاركة المعارضة في القرار داخل الحكومة، وعكست بذلك الموقف الاميركي، حيث اتهمت المعارضة الموالاة بأنها وراء التصعيد السياسي ورفض الحل العربي، وهي بدأت تتحرك عسكرياً للسيطرة على بيروت، بعد ان نشرت مكاتب مسلحة واستقدمت مسلحين من خارج العاصمة، اذ اشارت تقارير امنية الى ان الفريق الحاكم وبدعم عربي وتحديداً سعودي وتشجيع اميركي، يعمل لفرض قبضته على بيروت بالتعاون مع القوى الامنية، لتسهيل انتخابات رئاسة الجمهورية، بإخراج المعارضة من بيروت بدءاً من ساحة رياض الصلح.
هذا السيناريو يجري تداوله، وبدأ وضعه موضع التنفيذ في سلسلة الحوادث التي حصلت في شوارع واحياء بيروت، لا سيما في المناطق المختلطة بين الموالاة والمعارضة، او التي فيها وجود سكاني كثيف ومتداخل بين السنة والشيعة مثل مناطق البسطة والنويري ورأس النبع والبربور وبرج ابي حيدر، وتسعى قوى السلطة الى تطويق هذه المناطق لمحاصرة المعارضة فيها، ومنع تواصلها مع الضاحية الجنوبية، او المنطقة الشرقية، التي تسعى «القوات اللبنانية» ايضاً للسيطرة عليها وانهاء وجود «التيار الوطني الحر» فيها، على ان يتكفل وليد جنبلاط بإلغاء وجود خصومه السياسيين في الجبل كالتيار الارسلاني والحزب السوري القومي الاجتماعي و«تيار التوحيد اللبناني» برئاسة وئام وهاب.
و«البروفة» التي حصلت في بيروت بإشعال اشتباكات فيها، مناورة امنية وعسكرية قامت بها عناصر من «تيار المستقبل»، الذي تحول الى ميليشيا بعد تدريبات تلقاها في بعض الدول العربية ومنها الاردن، وبإشراف ضباط متقاعدين من الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي.
والحديث في بيروت اليوم، هو عن تطهير مناطقها من «الغرباء» واجتثاث قوى سياسية وحزبية لا تؤمن بلبنان، ولها ارتباطات خارجية مع سوريا وايران.
وهذا الحديث ترافق مع قرار سعودي بتحذير السعوديين من السفر الى لبنان، واقفال فرنسا مركزيين ثقافيين في صيدا وطرابلس وتوجيه اميركا لرعاياها بتخفيف التجول في بعض المناطق اللبنانية فهل بدأت الحرب الاهلية في لبنان؟
Leave a Reply