لبنان على حافة انفجار وشيك!
كل المؤشرات التي يحملها تطورالأزمة الداخلية وإمتداداتها الإقليمية والعربية تنبئ بذلك. ربما كان اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية أقوى تلك المؤشرات وأخطرها دلالة وإن لم يكن الوحيد من بينها.
لننظر بشيء من التفصيل إلى الصورة البانورامية للمشهد اللبناني:
1- مبادرة عربية مسدودة الآفاق في أفضل وصف لها ومستحيلة التنفيذ في أسوأ تقدير، طالما أن مسؤولين أميركيين من طراز ديفيد ساترفيلد يعلنون أنهم ليسوا مع المبادرة العربية إلا في بند إنتخاب رئيس للجمهورية «فوراً». يتضح هنا أن الإدارة الأميركية غير راغبة، بل رافضة، لمنح المعارضة اللبنانية أية مكتسبات حقيقية في السلطة في الفترة الرمادية التي تجري فيها غربلة الخيارات السياسية والعسكرية الكبرى التي تنتظرها المنطقة في الأشهر القليلة القادمة.
2- وضع داخلي محكوم بأعلى درجات التوتر المذهبي يعبر عن نفسه في صدامات أهلية متكررة بين جمهور 8 آذار (الشيعي) وجمهور 14 آذار (السني). لا تنفع هنا التغطية على تسمية الأمور بمسمياتها، ولا يخفف من خطر هذه المواجهة ونذرها بيانات لقمم روحية، كان الداعي إليها على الأرجح أن خطر إندلاع فتنة مذهبية تجاوز إمكانيات منعها.
3- نُذُر إنسحابات دبلوماسية عربية من «الساحة اللبنانية» إستهلها التحذير السعودي لرعاياه وتبعته الكويت بعد تهديد سفارتها في التفجير. لا ينفع هنا أيضا مناشدة رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان المملكة «التي وقفت مع لبنان» أن تعيد النظر في خطوتها، ولا تطمين النائب السابق المفوّه ناصر قنديل لرعايا الدول التي قد تكون حكوماتها «متآمرة» على المقاومة «أن لا تزر وازرة أخرى». مثلما لا ينفع النداء المخلص الذي وجهه رئيس المجلس النيابي نبيه بري لدولة الكويت متعهداً بحماية السفارة الدبلوماسيين و«لو لزم الأمر إستخدام شرطة مجلس النواب» إلى جانب القوى الأمنية الأخرى.
4- إفتراق الخطابات الإعلامية التي شهدتها ساحة الشهداء في الذكرى الثالثة لإستشهاد الرئيس رفيق الحريري عن الخطاب الذي ألقاه أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله في تشييع عماد مغنية وخيار «الحرب المفتوحة» الذي أعلن إستعداد حزبه للمضي فيه إن أرادتها إسرائيل حرباً مفتوحة «خارج الحدود الطبيعية للمعركة». وضع مشهد الخميس في 14 شباط (فبراير) لبنان في الإطار الحقيقي للصورة بلا لبس ولا غموض: ثمة قسم من اللبنانيين يرى أن لبنان أدى قسطه للعلى في الصراع العربي الإسرائيلي ولم يعد من المقبول أن يظل أو يعود ساحة مفتوحة لهذا الصراع في ظل هدوء كل الجبهات الأخرى. ثمة قسم آخر من اللبنانيين لا يمكنه أن يرى لبنان خارج إطار هذا الصراع ولو بصورة مؤقتة ريثما ينجلي خيار «الممانعة» العربية عن صورة أوضح لآليات الصراع في المرحلة المقبلة ولا يقيم حساباً لخروج كل العرب عمليا من هذا الصراع. لكل فريق هنا مبرراته وحججه والنقاش في صواب هذا الخيار أوذاك بات ضرباً من العبث في ظل الإستلاب الشامل الذي تعيشه الطوائف اللبنانية لخطابات قادتها الطائفيين.
5- بروز نغمة «الطلاق» للمرة الأولى بعد الحرب الأهلية كخيار قسري أو «أبغض الحلال» لإستحالة المساكنة بعد اليوم بين رؤيتين متناقضتين كليا لهوية لبنان ودوره عبّر عنهما كل من النائب وليد جنبلاط والسيد نصر الله أكثر من مرة.
6- إستمرار عمليات التسلح وتمدد رقعة الجزر الأمنية في أكثر من منطقة لبنانية وظهور السلاح علنا وإستخدامه مراراً في مواجهات أهلية باتت شبه يومية في غياب أي قدرة على ضبطه أو رغبة في ضبطه في مسلسل الرسائل والرسائل المضادة التي تتخذ من الشارع وسيلة لإيصالها وبصورة دموية. تؤشر هنا أحداث منطقة مار مخايل وصدامات رأس النبع والمزرعة والنويري إلى خطوط التماس القديمة وإستحداث خطوط جديدة في بيئات أهلية متداخلة مذهبياً، أشد خطورة وفتكاً من «الخط الأخضر» الذي رسم الحدود الأولى لحرب السنتين في العام 1975-1976.
7- شلل مؤسسات الدولة من رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب والحكومة وإنقطاع التواصل والحوار بين القيادات السياسية وإقتصارها على لقاءات حصرية برعاية عربية يتطلب حصولها مخاضات وجولات لعمرو موسى لم تسفر حتى الآن عن أي تقدم.
تفيد هنا الإشارة إلى «نصيحة» الناطق بإسم المعارضة الجنرال ميشال عون لموسى بالتريث في القدوم الى بيروت إذا لم يكن يحمل «جديداً» يخرج المبادرة العربية من عنق الزجاجة.
8- الإنقسام العربي – العربي، بتجلياته السعودية – السورية أو إنقطاع التواصل على خط «سين-سين» كما يسميه الرئيس بري، آخذ في التحول إلى قطيعة كاملة – على أبواب قمة دمشق، والإشارات القوية إلى مقاطعة سعودية ومصرية لهذه القمة، تسلبها من هذين الوزنين العربيين اللذين يقاس «نجاح» القمم بحضورهما ومشاركتهما. يبرز هنا الإصرار السوري على الفصل بين موعد القمة وأية إستحقاقات أخرى (الرئاسة اللبنانية) وعلى عقدها «بمن حضر».
بإزاء هذه التفاصيل جاءت عملية إغتيال عماد مغنية في دمشق والتهديدات المتبادلة بين «حزب الله» وإيران من جهة وإسرائيل من جهة ثانية والحديث الإيراني والحزب اللهي عن أن دماء مغنية ستؤرخ «لبداية زوال إسرائيل» والتلميح الإسرائيلي على لسان إيهود أولمرت «أن لدى إسرائيل قوة ردع يجب أن يعرفها الآخرون»، (إشارة إلى الترسانة النووية؟) ليضع المنطقة برمتها على فوهة البركان المشرف على الإنفجار في أي لحظة.
غني عن القول أن حروب اللبنانيين الأهلية ستبدو «لزوم ما لا يلزم» إذا اندلعت شرارة الحرب الكبرى التي يُعتقد بقوة أنها ستتخطى «الحدود الطبيعية» للمعركة في جنوب لبنان (وشرقه) وفي قطاع غزة المحاصر.
فالمناعة الداخلية اللبنانيةضد هذه الحروب توازي صفراً في أفضل الأحوال وتتجه إلى ما دون الصفر في أسوأ تقدير.
الحرب القادمة التي اكتملت كل الإستعدادات لها ستكون، إذا قدّر لها ان تقع، أشد تدميراً بما لا يقاس من حرب تموز 2006 ومن شأنها أن تعيد صهر المنطقة العربية والشرق أوسطية برمتها تحت تأثير نيرانها الهائلة.
أما الخلاف القائم بين اللبنانيين هذه الآونة على «المشاركة» و«الثلث الضامن» و«الرئيس التوافقي» فلن يعود له من مبرر أقله لأن لبنان كما عرفناه سيصير «ذكرى طيبة» في أحاديث اللبنانيين أو من يتبقى منهم فوق أرضه، وفي دنيا الله الواسعة!
Leave a Reply