مرة جديدة، وكما درجت العادة في المعضلة اللبنانية، تبدأ لعبة المراحل لتقطيع الوقت وصولاً لاستحقاقات معينة يسعى كل طرف لاستغلالها بشكل يخدم مصالحة ومطالبه. والعين اليوم على قمة دمشق العربية المزمع عقدها في اواخر شهر اذار القادم. وكل الضغوط تتوجه ناحية العاصمة السورية دمشق في محاولة للي ذراعها تحت وطأة التهديد بافشال القمة وتعطيل مضامينها وجعلها محطة غير «مشرّفة» في التاريخ السوري. وهذا ما يبدو ان قوى الموالاة في لبنان تعوّل عليه وتعيره كثيراً من الاهتمام، اعتقاداً منها بأن محصلة الضغوط ستؤدي الى ارساء صيغة حل للازمة اللبنانية تراعي مصالحها، وبالتالي تفوقها في السلطة بشكل لا يعطي المعارضة مطالبها او مطلبها الاساسي: الثلث المعطل. وقد كان النائب سعد الحريري واضحاً في تبيين هذا المعتقد الذي افشاه في خطاب ذكرى اغتيال والده في «14 شباط» حين قال: «لا قيمة لقمة عربية بدون رئيس جمهورية لبناني». والمضحك عندما تلجأ بعض اطراف السلطة الى وضع اغتيال عماد مغنية في هذا السياق واعتباره رسالة سورية الى «حزب الله» تحذره من عركسة اي حل يرتضيه السوريون ولا يلقى ترحيباً من الحزب!.
ولكن ماذا تشكل القمة العربية حتى تتم مقايضتها بأكثر الملفات حساسية لسوريا؟
ما هي الانجازات التي حققتها القمم العربية السابقة؟ سوى اعتلاء جلالاتهم وسموهم وفخاماتهم وسياداتهم المنصة واطنابنا بسيل من الخطابات الفضفاضة، ومعظمها بعربية ثقيلة ومكسرة!.
هل يستطيع العرب مجتمعين حماية سوريا من الخطرين الاميركي والاسرائيلي المحدقين بها؟. هل استطاع العرب ان يفرضوا او يقنعوا الادارة الاميركية بمبادرة الملك عبدالله للسلام التي اطلقها في قمة بيروت عام 2000 وبقيت حبراً على ورق؟. هل استطاع العرب ثني الادارة الاميركية عن غزو العراق؟. هل استطاع العرب بوقارهم وحكمتهم وكلمتهم «المسموعة» او بقوتهم الضاربة وجحافلهم المنتظرة في ارض نجد والكنانة ان يحموا لبنان من الهجمة الاسرائيلية الهمجية البربرية على اهله؟. هل استطاعوا ان يعقدوا قمة استثنائية لاتخاذ موقف صلب وموحد لوقف العدوان الاسرائيلي على لبنان؟، ام تركوه مشرعاً امام آلة الفتك الاسرائيلية بالمدنيين العزل والقتل الممنهج للاطفال والنساء تحت مرآهم وبرعاية بعضهم؟.
هل استطاع العرب فك الحصار عن غزة وايقاف مسلسل تجويع وترويع الشعب الفلسطيني؟ لا وبل، الا تشارك دولة عربية في هذا الحصار التجويعي المخزي للعرب ببطونهم المتخمة سمنة من عرق شعوبهم المسروق؟
لن ينظر السوريون الى القمة العربية على انها محطة مفصلية مقررة في الصراع الدائر في المنطقة، فهم لا يتوخون من القمة مجرد انعقادها على ارضهم، واعتلاء الرئيس بشار الاسد المنصة الرئاسية وإلقاء خطابه الافتتاحي، ثم يليه تصفيق الملوك والامراء والرؤساء، فيرجع بعدها بشار الى قصره فرحاً مبتهجاً، ويخلد الى مخدعه مطمئناً لليوم السعيد!
ليس الامر بهذه البساطة التي تظهرها سذاجة البعض في «الاكثرية»، فالامر ليس اجتماع قمة للدول الصناعية السبع العظمى وافشاله يشكل ضربة للدولة المضيفة، فالمجتمعون ليسوا الرؤساء بوش وبوتين وساركوزي وبراون وهو جينتاو، انما هم من فصيلة رؤساء العالم المتدنّية، فصيلة الملوك المروّضة، فصيلة الامراء المدجنين، فصيلة الحكام التابعين المأمورين الذين لن تخرج قراراتهم عن ارادة اسيادهم الاعلون في واشنطن.
واسيادهم كثيرو التطلب، لا يرضون بالقليل، ويريدون الكثير، ولا يريدون اعطاء حتى القليل، والمطلوب انضمام سوريا الى الفصيلة العربية المتدنية والمروضة والمدجنة والتابعة المأمورة لسيد يريد منها التخلي عن ارضها المحتلة وعن دعمها للمقاومات في فلسطين ولبنان، ويريد منها التخلي عن موقعها الجيوسياسي في المنطقة، وتحويلها الى جمهورية موز عربية كممالك وامارات العرب المنتشرة من المحيط الى الخليج. وإلا فالحرب هذه المرة قادمة على صهوة المحكمة الدولية للنيل من قتلة الرئيس الحريري باشعال المنطقة واحراقها على يد «البطل الاسرائيلي المغوار» ايهود اولمرت آخذ ثأر الرئيس الحريري من بشار ومن سوريا، من حسن نصرالله ومن لبنان.
سيأتي موعد القمة العربية، لم يكتب لاي قمة عربية سابقة النجاح حتى تُعاير دمشق بفشل قمتها، مع فارق ان تكون هذه القمة فرصة تاريخية نادرة للقيادة السورية لاظهار مناعتها ومقاومتها للابتزاز العربي والدولي، وفرصة لكشف الوجه التآمري العربي بشكل يفضح ملوك ورؤساء العرب، على كثرة فضائحهم وندرة سائلهم ومحاسبهم. ومن بعد القمة ستبدأ لعبة المراحل مرة اخرى، وهي مرحلة المحكمة الدولية المزمعة في شهر حزيران القادم، مع جولة ابتزاز جديدة، ومسلسل ضغوط وترهيب وترغيب على هدير الدبابات الاسرائيلية المرابطة على طول الجبهة من الجنوب اللبناني الى الجولان السوري.
بالانتظار فإن الوضع اللبناني «راوح مكانك» لا تقدم للمعارضة ولا تراجع للاكثرية، حتى يضغط اولمرت على الزناد، عندها وعلى ضوء نتائج الحرب، تحل ازمة الرئاسة، وينتخب العماد سليمان، اما بالنصف زائداً واحدا، او بالاقلية المطلقة (على اساس انه مرشح الطرفين)، وتُحل ازمة الحكومة، فإما يُجَدد، على سبيل السخرية لفؤاد السنيورة رئيساً (على مضض من الشيخ سعد) لان ذلك قمة الذل والانكسار للمعارضة، واما يعود عمر كرامي رئيساً للحكومة ويتولى سليمان فرنجية وزارة الداخلية وعدنان عضوم وزارة العدل وناصر قنديل وزارة الاعلام، وتتم عملية الاستلام والتسليم بين جميل السيد ووسام الحسن في سجن رومية، وبين علي الحاج واشرف ريفي..
انه زمن اولمرت بانتظار ان يدوس على الزناد ويعلنها حرباً مفتوحة في المنطقة، حرب وجود او لا وجود… فهل يبقى المارد الايراني نائماً، ام يخرج من قمقم بحر قزوين ويبسط نفوذه من ضفاف المتوسط الى البحر الاحمر…
Leave a Reply