الجمهوريون يتوحدون خلف ماكين.. وبوش «يباركه»
حققت المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون ثلاثة انتصارات مهمة في اوهايو وتكساس ورود ايلاند، كسرت بها سلسلة الانتصارات المتتالية لمنافسها باراك اوباما، رغم استمرار تقدم الاخير عليها بالعدد الاجمالي للمفوضين الذين كسبهم حتى الآن. في حين اضاف اوباما ولاية فيرمونت الى رصيده الانتخابي ولم يترجم فوز كلينتون عمليا الى كسب ارض جديدة في المعركة التمهيدية. فالهوة الفاصلة ما بينها وبين منافسها باراك اوباما مازالت كبيرة حيث تمثل كل مغنمها باقتسام المفوضين في تلك الجولات الاربعة بشكل اقرب الى المناصفة بحيث استمر المنافس الافريقي متقدما عليها بفارق جيد.
وعلى الضفة الجمهورية، أمضى السيناتور جون ماكين ليلة تاريخية الأربعاء الماضي، حقق خلالها اربعة انتصارات في تكساس واوهايو ورود ايلاند وفيرمونت، سمحت له بتجاوز عتبة المندوبين الـ1191 وبالتالي نيل تسمية الحزب الجمهوري مبكرا لخوض الانتخابات الرئاسية.
وقد حظي ماكين بدعم الرئيس الاميركي جورج بوش الذي استقبله في البيت الابيض، واعدا بألا يظهر الى جانب سيناتور اريزونا إذا رغب بذلك، حتى لا يؤثر على شعبيته سلبيا. وانسحب مايكل هاكوبي المرشح الجمهوري من السباق بعدما هنأ ماكين في اتصال هاتفي ووعد بدعم حملته. وأبلغ حشدا من مؤيديه في ارفينغ بولاية تكساس أنه «سيبذل قصارى الجهد لتوحيد حزبنا».
ووضع بوش نفسه «تحت التصرف الكامل» لحملة ماكين. وقال في حديقة البيت الابيض وإلى جانبه سيناتور اريزونا «اذا كان يريد ان أحضر، سأفعل، وإذا كان يريد ان اقول انني لست معه سأفعل.. سأفعل أي شيء يريده لانني اريده ان يربح».
النتائج ديمقراطياً
أظهرت النتائج النهائية في اوهايو، ان كلينتون نالت 54 بالمئة من الاصوات في مقابل 44 بالمئة لاوباما. وفي الانتخابات التمهيدية في تكساس، حصلت كلينتون على 51 بالمئة من الاصوات في مقابل 48 بالمئة لمنافسها.
ورغم ان كلينتون فازت في ولايتين كبيرتين، الا ان الهامش الذي حقق لها النصر لم يساعدها على اقتناص عدد كبير من المندوبين، حتى بدا وكأن المتنافسين خرجا متعادلين (186 لكلينتون في مقابل 174 لاوباما، بانتظار باقي نتائج الـ«كوكاس» في تكساس التي يتقدم فيها المرشح الاسود). وما زال الديمقراطيون شاخصين بأعينهم الى الجولات المقبلة في ويومنغ (8 الجاري) ميسيسيبي (11 الجاري) وبنسلفانيا (22 نيسان/إبريل).
عدة افكار تشرح ما يجري في المعسكر الديمقراطي للتمهيديات الحالية بين كلينتون واوباما:
فأيهما اقوى؟
لا شك ان اوباما هو الاقوى شعبيا، وربما حسابيا، نظرا لتقدمه على منافسته في حساب عدد المفوضين حيث بلغ فرق المجموع 140 مفوضا (ام ان اس بي سي) (اوباما: 1366؛ كلينتون 1227). وهو الاقوى لأن كلينتون لا تفعل شيئا غير محاولة اللحاق به، وتوجيه ضربات الانتقاد اليه، والاعتماد في استراتيجيتها على حقيقة واحدة: «انا واوباما متشابهان، لا فرق بيننا». وهو الاقوى ايضا لأنه ربح ولايات اكثر، وعددا اكبر من جولات الانتخابات السرية (برايماري) وكل الانتخابات العلنية (كوكاس) ما عدى واحدة. كما انه صاحب اكبر عدد من اصوات الناخبين (اذا ما استثنينا ميشيغن وفلوريدا حيث لم يشارك). وهو الاقوى في جمع الوقود المالي لحملته الانتخابية والتي معظمها مجمعة عبر الانترنت من قبل الناس العاديين بمبالغ لا تتجاوز 200 دولار. وهو الاكثر جذبا في خطاباته، وفي قدرته على تحريك امال الطبقات الشابة المثقفة الطامحة الى اكثر من نفع اقتصادي مباشر كزيادة في الوظائف او ما شابه بل الى تغيير جذري في النظام القائم.
ما الذي غيّر الاوضاع؟
كانت الاستطلاعات المبكرة لآراء الناخبين قد اشارت الى ان اوباما يتقدم على كلينتون في اوهايو، مع ان موازين القوى على الارض تميل لصالحها، وانه يساويها في تكساس وهي مساواة تبطن تفوقا له عليها لأن توزيع المفوضين على المناطق الانتخابية تصب في صالحه. لكن ما الذي حدث: كان هناك العديد من الناخبين الذين حسموا امرهم في آخر يوم، ولم يشملهم الاستطلاع الاول، اثرت فيهم حملات كلينتون المضادة. هل هكذا بكل بساطة؟ نعم، فاتهام اوباما من قبل ماكين وكلينتون لا بد ويثمر لدى البعض، خصوصا اولئك الذين يختارون مرشحهم في آخر لحظة (ان بي سي). اضف الى ان خروج الناخبين الهيسبان، الذين صوتوا لـ كلينتون، الى الانتخابات بكثافة غير مسبوقة في تكساس اثر على التوقعات (35 بالمئة لهذه الانتخابات بدل 25 بالمئة للعام 2004)، بينما لم تزدد نسبة مشاركة السود بل بقيت كما هي منذ الانتخابات السابقة (20 بالمئة).
اثنان ضد واحد!
كيف تشن الحملات على اوباما؟ في بدء الحملات، هجم كلينتون الزوج والزوجة على اوباما. اضطر الاخير الى الاعلان ان الكثرة تكاد تغلب الشجاعة. ولم يكن يوفر الزوجان اي بارقة انتقاد ممكن ان تلمع في اذهان راسمي استراتيجيات حملة الزوجة. حتى اعتلى جواد الدفاع عن اوباما السيناتور ادوارد كينيدي، واستطاع اوباما ان يحجّم الرئيس السابق كلينتون مستعينا بأخطاء ارتكبها الاخير الّب عليه بسببها الاقلام الصحافية.
اما الآن فلا يختلف الوضع كثيرا: اختفى بل كلينتون، وحل مكانه جون ماكين. وكلينتون تهدي الكثير من الهدايا المجانية للخصم الجمهوري بتوفير الوقت والمال عليه. فهي تتكفل بالمهمة على اتم وجه وتحدث الثغور في حصن اوباما الانتخابي فإذا به يصل الى ماكين منهكا. وماكين بدوره بدء مبكرا توجيه الضربات الى اوباما: فالاخير ان وصل الى النهائيات فسيكون خصما صعب المراس وماكين مستفيد في كلي الحالين: ان دمر اوباما باكرا بمعونة كلينتون، وصلت هي الى النهائيات وكانت فريسة سهلة، وهو ان لم يستطع تدميره، فسيصل اليه مثخنا بجراح سياسية وجهت اليه من داخل حزبه السياسي، اي من اهل بيته. وعندها ليس على ماكين الا ان يقول بأن نصف حزبك لا يثقون بقيادتك، او خبرتك، فكيف تريد جمهور الجمهوريين ان يفعلوا.
اما اوباما فكان رده بأن شبة كلينتون بـ جون ماكين، وشبه ماكين بجورج بوش، ثم عمّدهُ بأسم جديد «جون دبيلو ماكين». ولا يرى اوباما في الثلاثة الا نسخة واحدة بنكهات مختلفة.
وكما يشير المحلل ريتشارد دولفي في الـ«نيوزويك»، فإن لدى اوباما مهمتان: بدء الحملة على ماكين، والاجهاز على كلينتون. لذلك فعلى اوباما الكثير ليفعله في الجولات المقبلة. ولم يكن اوباما حتى وقت قريب الا سلبيا في معاركه مع منافسته فهو لم يفعل غير رد الضربات، اما الآن وبعد ان انقلبت ابتسامات كلينتون الى تكشيرة لبوة فعليه ان يهاجم. وفي جعبة سهامة الكثير كما تشير الـ«نيوزويك»: تقرير «الضرائب العائدة» والعلاقات الدولية في المال والاعمال لزوجها الرئيس السابق، والمتبرعون السريون لحملتها.
مجددا، ايهما اقوى: استراتيجيات متفاوته
كان على كلينتون في الاربع جولات الماضية مهمة ان تبقى في الحلبة الانتخابية، ولو بربح ولاية واحدة من بين اوهايو و تكساس. كان على اوباما ان يزيد على انتصاراته الـ 11 المتتالية انتصارين جديدين في تلك الولايتين حتى يُجْهز على منافسته. لم يستطع الاخير تحقيق ذلك. ربح جولة في فيرمونت، وخسر اوهايو ورود ايلاند. اما تكساس فخسر جولة الـ«برايماري» وربح جولة الـ«كوكاس».
يستحضر اوباما ما تقدم ليدلل على قوته وعلى احقية كسب اصوات المفوضين الممتازين (والذين يدلون باصواتهم طبقا لقناعات شخصية وليس طبقا لنتائج اصوات الناخبين) على الاخص وهو الحاصد للعدد الاكبر من الاصوات والمفوضين. وهو قال في تعليقه على مشكلة المفوضين الممتازين في حسم امر المسمى الديمقراطي، ان على هؤلاء ان يصوتوا بطريقة تتواءم مع رغبة جماهير الحزب وان لا يرجحوا كفة المرشح ذو المفوضين الاقل.
في المقابل، تجتهد كلينتون لا كي تتفوق على اوباما في اعداد المفوضين، بل في الوصول الى حد قريب منه بحيث تظهر بمظهر صاحبة الحجة في اقناع المفوضين الممتازين منحها اصواتهم. ولـ كلينتون حجة في ذلك، اذ هي ربحت عددا لا بأس به من الولايات الكبيرة السمينة بالمفوضين وان كانت اقل من الولايات التي ربحها منافسها اذ هي لم تتجاوز 17 ولاية (في مقابل اوباما الذي ربح 27).
ورغم ان كلينتون كانت قد فازت بجولتي ميشيغن وفلوريدا، وهما ولايتان كبيرتان ومهمتان، الا ان فوزها كان دون معنى بسبب عدم اعتداد المؤتمر الوطني بالنتائج، على الاخص وان اوباما لم يرابط بحملته هناك ولم يدرج على لوائح تمهييدياتها، وبالتالي لا تستطيع ان تطالب كلينتون باحتسابها رغم انها تأمل ذلك. لكن ومع استمرار الغموض في المرشح الرابح ارتفعت اصوات ديمقراطية في حلمة كلينتون في ميشيغن تطالب باعادة الانتخابات لاحتساب نتائجها. وهو تكتيك تحاول كلينتون من خلاله ان تظهر رابحة، كما يقول حاكم بنسلفانيا تيد رينديل فبعد ربح اوهايو وتكساس، ولنفترض انها ربحت بنسلفانيا، فالمرجح ان تربح مجددا ميشيغن وفلوريدا.. ثم ستقول بعدها للمفوضين الممتازين «انظروا ربحت خمسة ولايات كبيرة على التوالي.. (فلتمنحوني اصواتكم الممتازة!)».
بين الحزبين
المرشح الجمهوري ماكين في غاية الراحة. فمهماته ليست عاجلة. فليس عليه اكثر من توحيد حزبه من ورائه وجمع المال للتحضير للمعركة الكبرى والتفرغ لرسم استراتيجيات الانقضاض على غريميه من الحزب المنافس بعد ان يستمتع بمشاهدة المرشحين الديمقراطيين ينهكان نفسيهما فيصل هو عند تقطع الانفاس ليقطف الاعناق السياسية.
اما الديمقراطيون فهم في وضع سيء. يبددون المال في حرب داخلية لابد ويخرج المنتصر منها منهكا ومعدوما. والجهود التي تبذل في استحضار مساوئ الخصم بينهما توفر المال والاعلام على الند الجمهوري. وهم لم يرصوا الصفوف بعد، وانقسام الحزب ينبيء بمخاطر قد تصل الى مقاطعة ناخبي اوباما ان خسر مرشحهم الانتخابات النهائية او تصويت ناخبي كلينتون لـ ماكين اذا ما خسرت مرشحتهم.
Leave a Reply