جامعة الدول العربية: مزيد من الخلافات وتعميق الانقسامات
السعودية فشلت فـي عزل سوريا عن دورها العربي وموقعها الاقليمي
العرب الذين كانت لهم جامعتهم منذ العام 1945، وبعض دولهم كان حديث الاستقلال، لم يعرفوا التضامن فيما بينهم، كما لم تستطع هذه المنظمة الاقليمية ان تؤمن لهم التدرج نحو الوحدة، التي كانت شعاراً لكل الانظمة العربية التي تعاقبت على الحكم، لا بل ان بعضها وصل الى السلطة تحت عنوان تحقيق الوحدة العربية، وقد جرت محاولات وحدوية ثنائية كانت تنتهي وخلال اشهر قليلة الى الانفراط، ورفع العداء بين شعوبها، بسبب الممارسات الخاطئة من قبل القائمين على هذه الوحدات.
فجامعة الدول العربية التي يحتفل بالذكرى 63 لانشائها، تعصف الخلافات بين اعضائها، وتتجاذبها محاور سياسية، ويعمق التباعد بين دولها حول مسائل مصيرية، ومنها المسألة الفلسطينية، والصراع العربي-الاسرائيلي، والتسوية مع اسرائيل، التي قفز بعض الانظمة العربية فوقها، وذهب حكامها الى عقد اتفاقات مع الكيان الصهيوني والتطبيع معه، قبل انسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة، والاقرار بحق العودة للفلسطينيين وقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.
هذه العناوين شكلت نقاط خلاف منذ عقود، بين الدول العربية، التي كانت تتوزع ايضاً على ولاءات خارجية، عندما كانت الحرب الباردة محتدمة بين النظامين الرأسمالي والشيوعي، وانخرطت هذه الدول في تحالفات بين المحورين الغربي والشرقي، وقد حاول الرئيس المصري جمال عبد الناصر الابتعاد عن صراع النظامين العالميين، وانشأ ما سمي بدول عدم الانحياز التي كان من اركانها الى جانبه كل من الرئيس اليوغوسلافي جوزف تيتو، والرئيس الهندي آل نهرو.
اضافة الى الخلافات العربية التي تمحورت بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، فان الصراع على قيادة العالم العربي، برز في فترات متعددة، بين زعمائه، وقد شهدت مرحلة الخمسينات والستينات، نزاعاً بين مصر برئاسة عبد الناصر والسعودية بقيادة الملك فيصل بن عبد العزيز، وكان ابرز الساحات بينهما في اليمن، كما حصل خلاف سوري-عراقي، ظهرت معالمه في وقوف سوريا مع ايران في حربها ضد العراق، التي خاضها صدام حسين في الزمان والمكان الخطأ.
والخلاف السوري-السعودي الذي ظهر قبل سنوات، هو احد تجليات الوضع العربي المهترئ، حيث لم يتمكن العرب من ان يكون لهم نظامهم الاقليمي وعالمهم العربي الموحد، على غرار ما حصل في اوروبا التي انجزت وحدتها، بالرغم من حروبها الدموية على مدى سنوات في بداية القرن ومنتصفه، ثم عبر الحرب الباردة بين اوروبا شرقية واخرى غربية.
والقمة العربية التي باتت تنعقد دورياً نهاية شهر آذار من كل سنة في احدى الدول الاعضاء وفق الترتيب الابجدي، تواجه هذا العام معضلة، لانه يتجاذبها محورين، حول موقع العالم العربي من القضايا والازمات التي تواجهه، حيث تقف سوريا في موقع الدولة الممانعة التي تدعم المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق ضد الاحتلال الاسرائيلي والاميركي، فيما تقف دول اخرى مثل السعودية وبعض دول الخليج ومصر والاردن الى جانب وقف اعمال المقاومة واعتماد الحل السياسي. وقد شكل العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006 المحطة الحاسمة في الافتراق السعودي-السوري حيث وصفت الرياض اسر المقاومة الجنديين الاسرائيليين بالمغامرة وحمل الاعلام السعودي عليها ورد الرئيس السوري بشار الاسد بتشبيه بعض الحكام بأشباه الرجال واعتبرها المسوؤلون السعوديون انهم المعنيون بكلامه.
وقد برز التجاذب بين سوريا والسعودية، منذ الحرب الاميركية على العراق، حيث وقفت دمشق ضدها، فيما دعمتها الرياض، وادى الاحتلال الاميركي بعد اسقاط نظام صدام حسين واجتثاث حزب البعث العربي الاشتراكي من الحكم، لوصول المعارضة العراقية الى السلطة والتي كانت تتلاقى مع الادارة الاميركية على الاطاحة بالنظام العراقي، وقد استفادت ايران من ذلك، مع تسلم حلفائها السلطة، وقد شعرت السعودية ومعها دول خليجية اخرى، ان العراق وقع تحت قبضة ايران، وجاءت الحرب لصالحها، بعد ان كانت واجهت تمدد الثورة الاسلامية الايرانية بحرب خاضها صدام حسين لمدة ثماني سنوات في الثمانينات وانتهت بشرب ايران للكأس المر كما قال الامام الراحل الخميني.
لقد رأت السعودية ومعها الاردن ودول عربية اخرى، ان النفوذ الايراني وصل الى العراق، وقد يتوسع الى دول اخرى، لا سيما تلك التي فيها وجود شيعي مثل البحرين والكويت والسعودية، او نفوذ اقتصادي ومالي مثل الامارات، او امتداد سياسي في لبنان وفلسطين.
هذا القلق السعودي والخليجي، تم تحميله الى سوريا التي ارتبطت بتحالف مع ايران، الذي يعود الى الايام الاولى لانتصار الثورة الايرانية واعتبرتها انجاز استراتيجي في الصراع مع اسرائيل بعد اقفال سفارتها في طهران وفتح مكانها سفارة لفلسطين والنظر الى اسرائيل كشر مطلق وهي نظرة مختلفة عن السعودية ودول عربية اخرى التي كانت ترى ان سوريا هي الجسر التي اوصل ايران الى لبنان وفلسطين، كما يؤكد مسؤولون سعوديون وومصريون، لا بل ان العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، تحدث عن «هلال شيعي» يمتد من ايران الى لبنان، في حين اشار الرئيس المصري حسني مبارك الى ان ولاء الشيعة ليس لدولهم بل لمرجعيتهم الدينية في ايران، وهو ما يفسر حملة وليد جنبلاط وحلفائه في 14 شباط حول ارتباط «حزب الله» بولاية الفقيه، وعدم ولائهم للبنان مشككين بإنتماء الشيعة اللبناني.
وقد ازداد الصراع السعودي-السوري، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث حاول آل الحريري مدعومين من امراء في السعودية وحكام عرب الى وضع مقتل الحريري في اطار الغاء الحضور السني الفاعل المدعوم من قبل الدول العربية المعتدلة، لصالح النفوذ الايراني.
ومنذ اغتيال الحريري، والصراع السعودي-السوري يتصاعد، لاسيما بعد خروج القوات السورية من لبنان وتراجع، النفوذ السياسي السوري فيه، في وقت تقدم الحضور السعودي عبر «تيار المستقبل» وحلفائه، حيث تسعى القيادة السعودية الى تقليص ما تبقى من وجود سوري عبر حلفاء له، وان تبقى السلطة قائمة في يد حكومة تشكلها الاغلبية النيابية، ورفض اعطاء الاقلية الممثلة بالمعارضة حق المشاركة في القرار.
لذلك ربطت السعودية حضور القمة العربية وانعقادها بإنتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، علّها تؤثر على سوريا والضغط عليها، لوقف تعطيلها عمل المؤسسات الدستورية.
ولم تنجح الرياض في عدم حصول القمة كما تراجعت عن رفض حضورها بعد ان اعلنت عشرة دول عربية ان روؤسها وملوكها سيحضرونها وهذا ما يشير الى ان الصراع السعودي-السوري، هو صراع محاور، وتنازع على القرار العربي، حيث ما زالت سوريا تتمتع بدور عربي ووزن اقليمي، وهي تملك من الاوراق والملفات، ما يجعلها لاعباً اساسياً ومحورياً في العالم العربي، لم تستطع السعودية وحلفائها من العرب والاجانب، من تحجيمها او عزلها، وان انعقاد القمة العربية يؤكد على ان سوريا دولة عربية قوية واقليمية بإمتياز.
Leave a Reply