من خلال اهتمامي بمشاهدة بعض ما تنتجه «دوائر البحث في التاريخ» وتظهره للمشاهد على شكل مسلسلات تكشف حقائق التاريخ، حرصت على متابعة حلقات تبثها حاليا قناة الأردن الفضائية، عنوان المسلسل «الإمام الشافعي»، كلامي عن الرواية التاريخية للإمام الشافعي رحمه الله وما جاء في متن الرواية التي صيغت في هذا المسلسل، بعد صراع حامي الوطيس كان يدور في الكواليس حول إنتاج مسلسل عن الإمام الشافعي إمام الوسطية في الإسلام. تعود قصة إنتاج مسلسل عن حياة الإمام الشافعي المدفون بمصر إلى عام 2001 عندما طلبت الفنانة المعتزلة مني جبر من أيمن سلامة كتابة سيناريو يتحدث عن وسطية الإسلام بعد أن حصلت على موافقة وزير الإعلام لإنتاجه بالمشاركة مع قطاع الإنتاج، وذلك في الوقت الذي كان يطالب به المنتج السعودي ماجد العبيد من السيناريست أيمن سلامة سيناريو للمسلسل لينتجه بالمشاركة مع شركة سورية وممثلين سوريين ليعرض في رمضان الماضي وينافس النسخة المصرية. ويقول سلامة أنه لم يجد أفضل من شخصية الإمام الشافعي للتعبير عن وسطية الإسلام، فقام المنتج السعودي بتكليف الدكتور بهاء الدين إبراهيم بكتابة مسلسل آخر عن «الإمام الشافعي». لكن الدكتور إبراهيم بعد أن كتب المسلسل اتفق مع مطيع زايد على إنتاجه، ويبدو أن تجربة إنتاج مسلسلين أحدهما مصري والآخر سوري عن شخصية واحدة ستتكرر هذا العام بعد أن تم ذلك العام الماضي مع مسلسل «الظاهر بيبرس». يهمنا الان مناقشة الدكتور بهاء الدين في كثير من مفاصل هذه الرواية، وقبل المناقشة لا بد من ذكر الدواعي:
أمانة نقل التاريخ
مع الإيمان بالإنفتاح والشفافية في نقل ما تحكية المذاهب لتوضيح الرؤية الإسلامية في كل المسائل المطروحة والتي تشغل فكر الأجيال المعاصرة، وتسليط الضوء عليها وإظهار محاسنها ومعالجة إجتهاداتها وإن كانت خاطئة، مادامت هي من التاريخ ولا تخدش النصوص القرآنية، فالحديث عنه ليس محرماً ولكن بشرط الآمانة، وهذا هو أسلوب القرأن في نقل تاريخ الأمم السابقة، فإن كانت العبرة من النقل هو تعليم الناس وتذكيرهم بأعمال من سبقوهم من الأمم، كانت تلك الأعمال مصيبة أو خاطئة، ولا قدسية للأشخاص إذا بان منهم النقص في المعرفة أو خانهم التقدير في مجانبة الصواب، فعلى المسليمن الإلتزام بمنهج القرأن الذي نقل لنا مواقف عن الإنبياء عليهم السلام وهم الذين وصلوا الى قمة الكمال وهي العصمة والتسديد من قبل الله مع ذلك لا يوجد رسول أو نبي إلا وضرب به مثل في موقف من المواقف.
هل نتعظ من عبر التاريخ
موقف النبي نوح مع أبنه يقول سبحانه: }قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين{ وموقف آخر للنبي موسى مع الخضر عليهم السلام، والحوار الذي جرى بينهما عن خرق السفينة وقتل الصبي وهدم الجدار ويظهر معرفة الخضر وعلمه وعدم معرفة النبي موسى بهذه الأمور، ومثال ثالث عن النبي يوسف عليه السلام حين طلب من أحد السجينين أن يذكره عند ربه يعني الملك ولم يطلب الفرج من الله فلبث في السجن قيل سبع سنين يقول تعالى: }وقال الذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر به فبث في السجن بضع سنين{ مع ذلك يحكي لنا القرآن قصص الأنبياء والمخالفين لهم بأمانة ولا يعتبرها نقصاً أوعاراً يتستر عليه.
مبادرات بلا جدوى
زفت لنا بشائر الخير عن مبادرات على مستوى الأمة الإسلامية يتزعمها نخب علمية وفكرية، مدعومة من القادة العرب وأوكلت إلى منظمة المؤتمر الآسلامي وبعضها كان من نصيب رابطة العالم الأسلامي، بالإضافة الى بعض المشاريع تقوم بها مؤسسات مدنية، كلها تحاول أن تجمع الشتات وتتفق على معالجة الثغرات التاريخية التي مزقت الأمة، ولكن مع الاسف يأتون من يعتبرون أنفسهم أمناء على نقل بعض صور التاريخ الاسلامي بأسلوب بجانب الامانة.
مسلسل الإمام الشافعي.
في الوقت الذي نجلّ ونحترم ونكرّم الامام الشافعي وهو احد الائمة الاربعة عند اهل السنة، ونسبه. وهو ابوعبد محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي. وكان ابوه قد هاجر من مكة الى غزة بفلسطين بحثا عن الرزق لكنه مات بعد ولادة محمد بمدة قصيرة. ويلتقي نسبه مع رسول الله (ص). نشعر بالأسى والحزن للقفز على الحقائق التي لا تقبل الجدل، وهي ألإهمال لجانب مضيء ومهم من حياة الإمام الشافعي! إما غفلة أو تغافلا وهو الشراكة الزمنية التي عاش فيها مع أئمة أهل البيت (ع )، خصوصاً الإمام الكاظم (ع)، حيث لا تسمع ذكر أحد من أهل البيت في المسلسل مع أن الإمام الشافعي نفسه له مواقف مشرفة من أهل البيت (ع)، وتكفي مقولته المشهوره التي يتغنى بها كل المسلمين, صاغها في أبيت من الشعريقول فيها:
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القــرآن أنزله
كفاكم من عظيم الشأن أنكم من لم يصل علــيكم لا صلاة له
وفي شعر آخر يقول:
إن كان رفضاً حب آل محمد فل يشهد الثقلان أني رافضي
والأغرب من ذلك أن المسلسل كان يدور عن حقبة الصراع بين المذاهب في عهد هارون الرشيد ومن بعده أبنه المأمون العباسي وهي الفترة التي انتشرت فيها علوم أهل البيت (ع) من مدرسة الامام الصادق (ع)، الذي قال عنه أستاذ الشافعي وهو الإمام مالك شهادة للتاريخ ونقلاً للأمانة، ونحن نعرف من خلال هذه الشهادات كيف استطاع الإمام الصادق(ع)، بالرغم من اختلاف الناس حول الإمامة وحوله بالذات في موقع الإمامة، أن يفرض عظمته وعلمه وكلَّ القِيَم المتمثّلة فيه على كلِّ رجالات عصره. يقول مالك بن أنس: «ما رأت عينٌ ولا سمعت أذنٌ ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادةً وورعا»(1) وفي هذا أيضاً، يقول السيد علي مير الهندي، وهو يتحدّث عن مرحلة الإمام الصادق (ع): «إنَّ الذي تزعّم حركة فكِّ الفكر من عقاله، هو حفيد عليّ بن أبي طالب (ع) المسمّى بالإمام الصادق، وهو رجلٌ رحبُ أفقِ التفكير، بعيد أغوار العقل، مُلِمٌّ كلَّ الإلمام بعلوم عصره، ويُعتبر في الواقع أنَّه أوّل من أسَّس المدارس الفلسفيّة المشهورة في الإسلام، ولم يكن يحضر حلقته (مجلس درسه) أولئك الذين أصبحوا مؤسّسي المذاهب الفقهيّة فحسب، ولكن كان يحضرها طلاب الفلسفة طلاب الفلسفة المتفلسفون من الأنحاء القاصية»، وقد سُئِل أبو حنيفة عن أفقه الناس في زمانه، فقال: جعفر بن محمد(2) وكان يقول عنه: «أليس أنَّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس (3) ولم تنحصر علومه في علم دون علم، حتى أنه (ع) كان أستاذ جابر بن حيّان في علم الكيمياء الذي انتقل من خلاله إلى أوروبا» (4).
(1) مناقب ابن شهرآشوب،
(2) بحار الأنوار
(3) بحار الأنوار
(4) ينقل المؤرخ السيد حسن الأمين عن الدكتور محمد يحيى الهاشمي أنّ مَن برع في علم الكيمياء جابر بن حيان، ويمكننا أن نعدّ رسائله أول مظهر من مظاهر الكيمياء في المدرسة الإسلامية، وقد اتصل جابر بالإمام الصادق وتلقّى علم الكيمياء في مدرسته، وأصبح هذا الرجل بذلك كيماوي العرب الأول، ثم اعتُبر على مرّ القرون قمّة شامخة في تطوّر هذا العلم، ولم يكن 181).
Leave a Reply