وافقت الحكومات العربية على ميثاق بالمبادئ من شأنه أن يقيد حرية برامج الحوار التي تبثها الفضائيات التلفزيونية والإذاعات والتي أصبحت منتديات لإنتقاد الأنظمة العربية وبحث موضوعات محظورة. وقد تبنت الدول العربية بدفع من السعودية ومصر وثيقة تنص على عقوبات بحق إستهداف الرموز العربية وانتقاد الزعماء العرب والشخصيات الدينية وتحذر بعبارات مبهمة من مخاطر السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية وتثبيط الروح المعنوية للشباب. ووافقت جميع الدول على هذه الوثيقة. وأخذت مصر على عاتقها أن تكون أول دولة تقوم بتطبيق هذه الوثيقة، ومساءلة الصحفيين الذين قد يتجازون الخط الأحمر على حسب معايير هذه الدول.
كما تحفظ لبنان على هذه الوثيقة وكانت قطر الدولة الوحيدة التي رفضتها. ومما يدعو للتساؤل والسخرية، السرعة التي تم التعامل معها في التوقيع على هذه الوثيقة والإجماع العربي الذي أثار العديد من التساؤلات.
فعندما اجتمع الأشاوس، وزراء الإعلام العرب، واحتشدوا، كما لو أنهم في حالة حرب، ومن ثم خرجوا علينا بهذه الوثيقة التاريخية، كنا نعتقد أن هذا الإجتماع الطارئ سيكون لدرء تهمة الإرهاب عن انفسنا والتي أصبحت ملاصقة لكلمة عربي. لكنهم لم يفعلوا، بل كان كل همهم كبت الحريات العامة بحجة حماية الجماهير من انفسها. كل ذلك والفضائيات العربية، المدعومة بالمال السياسي، بدل ان تتسابق الى عرض المفيد من البرامج، تعمد الى عرض الأفلام والأعمال التي قد تصل إلى حد الإسفاف ولا تحمل أي معاني هادفة ولا رسالة تصل إلى المتلقي.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل انتهت كل المشاكل العربية والقضايا الهامة ومنها الحلم العربي بإقامة وحدة عربية، ولم يتحقق الاجماع الا على كبح الحريات في نفوس المواطنين. وكأن القادة العرب طوال كل هذه السنين اتفقوا على كل شيء ولم يبق امامهم الا الإعلام عائقا. لذلك يطالبوننا بالتقيد بالموضوعية والنزاهة وإحترام كرامة الدول والشعوب وسياساتها الوطنية وعليه لا يمكن للمواطن او لأي وسيلة اعلامية انتقاد الحكومات والرؤساء والسياسات. وحتى لو افترضنا فيهم النية الحسنة وصدقنا الأخلاقيات التي خرجوا علينا بها في هذه الوثيقة باحترام كرامة الدول والشعوب فالسؤال يبقى هو التالي: هل ينطبق هذا البند على المواطن العربي وهل لهذا المواطن كرامة في وطنه؟ هل له حرية الـ«لا» في وطنه.
وإذا كان الجواب بنعم فلماذا إذا تزداد الهجرة إلى الخارج كل يوم أضعافاً مضاعفة وإذا أيضا افترضنا النوايا الحسنة فأين كان هذا الإجماع في ظل حصار غزة وحرب تموز على لبنان وأين كانوا عندما خرجت مؤخرا خمسة عشر صحيفة للمرة الثانية لنشر هذه الصور المهينة للنبي محمد (ص) تحت مرأى ومسمع هؤلاء الأشاوس وزراء الخارجية العرب ولم يخرجوا بأية قرارات حتى لإدانة هذه الصحف أو إتخاذ إجراءات بحق الدول التي تصدر عنها هذه الصحف تحت إسم حرية الرأي والإعلام الحر.
ولكن عندما يتعلق الأمر بتناول الرموز العربية فالأمر مختلف يجب أن يجتمعوا ويخرجوا بوثائق لحماية هذه الرموز التي رفعوها إلى مستوى الأنبياء والرسل ولا يحق لأحد أن ينتقدها أو يجرؤ على المساس بها.
وهنا يجب أن نتوقف ونطرح السؤال على السادة وزراء الخارجية العرب هل كان الهدف من هذه الوثيقة إعادة العالم العربي إلى المربع الأول وتقيد الديمقراطية الاعلامية المشروطة التي بدأت تتنفسها الشعوب العربية بعد أن دأبت الولايات المتحدة بتهديد عروش قادة الدول العربية بتغيير سياساتها تجاه شعوبها وإلا!!
ولأن الولايات المتحدة الآن منشغلة بهموم أكبر من إرساء الديمقراطية في العالم، وبعد ثلاث سنوات لم تعد هذه المشكلة من اولوياتها، عادت الحكومات العربية إلى سياسة المربع الأول وأحست أن الإعلام العربي قد خرج عن السيطرة وأصبح بعض هؤلاء الحكام العرب في متناول هذه الفضائيات مما استدعى دق ناقوس الخطر لأن الإعلام الحر قد بدأ بتهديد الأنظمة العربية بنقل وجهة النظر الأخرى وهذه الحكومات غير مهيأة أصلاً لسماع الرأي الآخر. بل إن الإعلام يعني لهم أن نبقى على وتيرة واحدة وهي «استقبل» و«ودع» وها هو القائد الملهم العقيد معمر القذافي يستقبل ضيفه الرئيس الكرواتي ولا يجد في البلد العربي ليبيا أية معالم عمرانية سوى المدرسة التي درس فيها والصفوف التي تلقى الدروس فيها مثالاً يحتذى به وما أظن إلا الرئيس الكرواتي قد أبدى إعجابه إلا مرغماً بما رآه. وإذا عدنا إلى قضية الفضيلة ومكارم الأخلاق وحفظ النشئ، هذه الدعوات الرنانة التي صدرت عن الوثيقة والتي لم تقنع رضيعاً في مهده في سبب إبرامها، فمن الأجدى بهم أن يسألوا أنفسهم إن كانوا حقاً حريصين على مكارم الأخلاق. لماذا يندر أن نرى مقدمة برامج أو صحفية في معظم هذه الفضائيات الحكومية ترتدي الحجاب؟
وما نخلص إليه ان هذا الميثاق من المبادئ الذي وقع عليه وزراء الإعلام العرب في القاهرة ما هو إلا خطوة لشل عمل الفضائيات وتثبيط الروح المعنوية للشعوب التي بدأت تتنفس، إلى حد ما، ريح الحرية فرأوا أن يخرجوا بكهذا وثيقة متفقين فيها على زيادة قهر الشعوب العربية وإبقائها ضمن دائرة السيطرة. إلى أي مدى ستتشدد هذه الحكومات في تطبيق الميثاق؟ إلى أي مدى سوف تتعاون الحكومات العربية على ممارسة الضغوط على الإعلاميين وتعليق نشاط شبكات التلفزيون أو رفض تجديد الرخص في حال حدوث إنتهاك للميثاق؟ هوسؤال سوف يبقى مرهوناً بالمستقبل القريب وإن غداً لناظره لقريب.
Leave a Reply