اليمن فـي زمن الإمامة.. الهجوم الإنتقامي على خولان وتهم (2)
«من جعبة الذكريات»
حلقات أسبوعية
بقلم الصحافي الحاج علي عبود
تحدثت في الحلقة الماضية كيف قام الشيخان سنان أبو اللحوم والشيخ أبو يابس بملء أكياس بعثها لهما الإمام أحمد بالبارود والرصاص الفارغ بدلا من الأموال التي كان ينتظرها الإمام، فقام جيش الإمام بالهجوم على منطقة تهم ومنطقة خولان، فاضطر الشيخان المذكوران إلى الخروج متوجهين إلى بيجان التي كانت تحت سيطرة بريطانيا طبعاً. فاستقبلهم سلطان بيجان ولقد كتبت عنه في احدى الحلقات السابقة وكيف أنه – كشريف بيحان وإسمه السلطان حسين البيحاني – قام بشتم حكام العرب وقادتهم وسياسييهم أمام بعض الضباط البريطانيين في عدن.
لقد استقبل شريف بيحان السلطان حسين البيحاني واستضافهم وأكرمهم ووجه إليهم النصيحة بأن المكان الآمن لهم هو مدينة عدن فانتقلوا إلى عدن واستأجروا لهم منازل وأقاموا فيها حتى قيام ثورة سبتمبر 1962 وخلالها كانوا يقومون بتفجيرات متقطعة وتوزيع منشورات ثورية في كل أنحاء المملكة المتوكلية.
خوف الإمام أحمد الدائم
من أهل الشمال
ولما كان الإمام هارباً من أصحاب الشمال ومن بأسهم وقوتهم ورغبتهم في البطش به وبنظامه مع وجود حالة من الغليان تتفاعل في ثنايا الشعب وفئاته ومن سوء طالع الإمام أنه زار مستشفى الحديدة وكان فيها ضابطان من مناطق الشمال هما الملازم أحمد العلفي والملازم اللقيا وهما من القوات المسلحة ومن أبناء الشمال أيضا.
إطلاق الرصاص على الإمام أحمد
وتظاهره بالموت
لقد ترصد الضابطان تحركات الإمام أحمد في مستشفى الحديدة كما راقبوا روحاته ومجيئه، وحينما وجدا أن الوقت بات مناسبا أطلق كل منها رصاصات عديدة من مسدسيهما على الإمام أحمد وكان من الطبيعي أن يكونا بحالة شبه إضطراب وتحسب ولقد أصابت الرصاصات جسد الإمام أحمد فهوى بجسه الضخم لكنهما لم يفرغا في رأسه رصاصات «الرحمة» وهما لو فعلا ذلك الفعل لكانت صفحة أحمد بن يحي حميد الدين قد طويت إلى الأبد، لكنهما اقتنعا بأن ما أصيب به أحمد من رصاصات كانت «كافية» لإزهاق روحه.
لقد خرج الضابطان من المستشفى بعد أن ظنا أن القضية انتهت وأنه تم القضاء عليه. غير أن الطلقات لم تكن طلقات قاتلة أو أنها أصابت منه مقتلا، كلا، فهي لم تدخل القلب ولا الرأس، لكنه بقي ملتزماً بتمثيل دور المصاب إصابات قاتلة، لعل طبقات الشحم ثم ما كان يرتديه من ثياب وربما كان يرتدي سراً صدرية واقية ضد الرصاص، وبعد ذلك بقليل كان خلالها الضابطان قد أصبحا خارج المستشفى فحرك يديه ثم أطرافه الأخرى، وهرع الحرس الذين تأكدوا أنه لم يمت وصرخ وهو ملقى على الأرض برجال الحرس الذين صعقتهم المفاجأة، آمراً إياهم أن يلقوا القبض على القتلة وبسرعة.
محاصرة واعتقال
تمت محاصرة المنطقة، فتم بعدها إلقاء القبض على العلفي أما اللقيا حين عرف أن أحمد لم يمت أفرغ رصاصات مسدسه على رأسه خلاصاً من العذاب والموت الزؤام على يد الجلاد أحمد وزبانيته، فضلا عن خشيتهم من أن يلقي بهم الجلاد أحمد طعاماً للأسود في الطابق السفلي من القصر كما فعل بإثنين من مشايخ آل الأحمر الكرام دون شفقة أو رحمة.
مع الشيخ الثائر الأول
عبد الله بن حسين الأحمر ومناقبيته
بالأمس القريب انتقل إلى الرفيق الأعلى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وذلك عن عمر تجاوز العقد الثامن ونيف، قضاها منذ أن شب عن الطوق، حتى اللحظة الأخيرة، في صراع عنيف مع أعداء الثورة اليمنية قبل قيامها وبعده، ودفاعاً عن هذه الثورة وسعياً مستمراً ودؤوباً لتثبيت أقدامها وحماية إنجازاتها الوطنية ومن أجل المحافظة عليها والدفاع عنها دفاعا بطولياً والتصدي الشجاع لكل العواصف الهوجاء التي أثاروها منذ البداية بوجه الثورة الفتية محاولين القضاء عليها وعلى مكاسبها الوطنية الكبرى، لكنهم وبفضل تصدي القوى الوطنية والشرائح الإنسانية الوفية للثورة ومواقف شيخ مشايخ حاشد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ومعه الآلاف المؤلفة من القبائل الوفية المخلصة للثورة وبفضل حكمة الشيخ عبد الله الأحمر والقوة البشرية المسلحة لا بالسلاح وحسب، وإنما بالإيمان الكامل بقدسية الثورة وقداسة منجزاتها محذرين كل من يفكر بإلحاق الأذى على مختلف أشكاله وأنواعه، بالويل والثبور وعظائم الأمور.
لذا، وبفضل حكمة هذا القائد الشجاع الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر استطاعت الثورة أن تجتاز مرحلة النشأة والبناء الثوري، وتثبيت الدعائم المساعدة لكل تقدم وتطور كما استطاعت أن تحقق المنجزات العلمية والتربوية والإنسانية وأن تنتقل بالمجتمع الإنساني اليمني مما كان يتخبط فيه من تقهقر وتخلف وضياع، إلى واحات العلم والنور والمعرفة.
ما كان يمكن أن يتم هذا بسرعة خاطفة لولا الجهد الدائم والعمل الدؤوب، والإخلاص الكامل للثورة والدولة والوطن، والخطط الحكمية التي تم تنفيذها في أكثر من حقل ومجال، والإخلاص اللامحدود، والخبرة والدراية المدعومة بدراسات هامة ومفيدة، كل ذلك ساعد على تحقيق الإنجازات الكبيرة في ربوع الجمهورية العربية اليمنية، وبفضل الوفاء والإخلاص، وحماية المكاسب الوطنية والإنجازات العلمية كما ساعد على أن تنتقل الجمهورية العربية اليمنية من واقع قديم إلى واقع توفرت فيه للشعب كل اسباب الحياة الشريفة الفاضلة وباتت هذه الثورة محط تقدير المجتمع الدولي بكافة مؤسساته الدولية والعالمية وإعترافاتهم دون تأخير.
وإذا كان لي أن أذكر نبذة مختصرة عن الراحل الكبير الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، فإنني أرى أنه من العدل والإنصاف أن نعيد كل ما حققته العربية اليمنية من إنجازات هامة وكبيرة نعيد الفضل كله إلى الراحل الكبير الذي جعل من صدره وصدور أبنائه وإخوانه والآلاف المؤلفة من رجال قبائله الشريفة جعلها سدودا وخطوط دفاع أولى، للذود عن الثورة وأهدافها وللوقوف بوجه أعدائها وما أكثرهم، لكنهم تلاشوا شيئاً فشيئاً بعد أن رأوا هذه السدود العالية من القوى البشرية المخلصة والوفية للثورة اليمنية وقد تصدرت جميع خطوط لا الدفاع وحسب، وإنما خطوط القتال حتى النصر ضد أعداء الثورة أعداء الشعب أعداء الله والإنسانية والوطن.
ألا رحم الله الفقيد الكبير الذي سبق لي أن تشرفت بمقابلته أكثر من مرة، في بيروت، وفي صنعاء، وقد كان حتى اللحظة الأخيرة ولا يزال هرماً عظيماً من إهرامات الوطنية والشهامة والوفاء والدفاع عن الحق وأهله.
هكذا تكون الرجالات العظام وإلا فلا.
Leave a Reply