انتفاضة فلسطينية ثالثة متوقعة من البحر الى النهر
تقارير استخبارية صهيونية تتحدث عن حزام صاروخي من غزة الى لبنان والجولان
تعيش اسرائيل ازمة وجود حقيقية، عشية الذكرى الستين لاغتصابها ارض فلسطين، حيث ناقشت القيادتان السياسية والعسكرية تقارير لأجهزة الامن والاستخبارات، تشير الى تنامي القدرات العسكرية لدى كل من ايران وسوريا وحلفائهما «حزب الله» في لبنان وحركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» في فلسطين، وقد ذكرت هذه التقارير ان الصواريخ لدى «حزب الله» تغطي الغالبية الساحقة من اراضي الكيان الصهيوني، كما ان سوريا تغطيها بسهولة ايضاً فيما تزداد قوة «حماس» بشكل متسارع، في حين ان ايران تشكل خطراً حقيقياً وفق المسؤولين الاسرائيليين، وهم لديهم قناعة انها تمتلك اسلحة نووية، وصواريخ بعيدة المدى مثل «شهاب-1» و«شهاب-2».
وتوقف قادة العدو عند الدعوة التي وجهها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، بإزالة اسرائيل، وتشكيكه بـ«المحرقة اليهودية» (الهولوكست)، كما ناقشوا ما اعلنه الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في تشييع الشهيد عماد مغنية، من ان اسرائيل تتجه الى الزوال، مع بدء خسارة حروبها، وكان آخرها حرب تموز 2006 على لبنان، وتكبد جيشها هزيمة كبرى، حيث توعدها نصرالله بأنه سيرد على حربها المفتوحة.
ومنذ اغتيال مغنية، يمر الاسرائييليون بحالة من القلق والخوف، واعترف احد الوزراء في جلسة للحكومة امام زملائه، «سيكون من الصعب علي ان انام في الليل، ولدي انطباع انه ليس هناك من لا ينوي اطلاق النار علينا من الغرب». وزاد من منسوب الاضطراب الامني والنفسي لدى الصهاينة بعد عملية القدس التي قام بها شاب فلسطيني استشهادي، تمكن من الوصول الى مدرسة دينية في مركز «هراف»، والتي تخرج طلاباً يوجهون الجنود دينيا، وقد اصيبت الدولة العبرية بضربة قوية، بإختراق عمقها الامني، والوصول الى عقلها الديني التوراتي، وسقوط ثمانية قتلى وحوالي 35 جريحاً، وحملت العملية اسم «مجموعة الشهيد عماد مغنية-كتائب احرار الجليل»، حيث تم ربطها بـ«حزب الله» وانه هو من جنّد منفذ العملية علاء ابو دهيم، من دون ان يثبت ذلك، كما صدر بيان عن «حماس» يتبنى العملية، كرد ايضاً على العدوان الاسرائيلي على غزة واستشهاد عدد كبير من الاطفال والنساء والشبان وتدمير المنازل على ساكينها.
وجاءت هذه العملية التي استشهد فيها بطلها، لتؤكد ان ثمة «انتفاضة فلسطينية ثالثة» على الطريق، وفق تقدير قياديين فلسطينيين، اشاروا الى انه مع استمرار اسرائيل في التوغل داخل غزة وبعض المدن والبلدات في الضفة الغربية، فان العمليات داخل «الخط الاخضر» او الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ستتصاعد وان عملية القدس هي البداية، بعد توقف لفترة من الزمن، حيث لم ينفع بناء «جدار الفصل» مع الضفة الغربية في حماية المستوطنين، تحت ذريعة منع التسلل الى داخل الكيان الصهيوني، فجاء منفذ العملية من «جبل المكبر» في القدس الغربية، التي يعيش فيها حوالي 200 الف فلسطيني، قرر وزير الداخلية الاسرائيلي دانى ريخيتر طرد كل الفلسطينيين، لانهم عبوات ناسفة قد تنفجر في اي وقت، حيث يخشى قادة العدو ان يتحرك فلسطينيو الاراضي المحتلة عام 1948 وعددهم حوالي مليون واربعمئة الف، في تحرك شعبي مناهض لرفض ترحيلهم من منازلهم، تحت حجة قيام «الدولة اليهودية» العنصرية، المنزوعة الوجود الفلسطيني، واعلان القدس عاصمة لها، حيث سيأتي الرئيس الاميركي جورج بوش مع بعض زعماء العالم، لتكريس يهودية الدولة العبرية وعاصمتها القدس، ونقل سفارات الدول ومن بينها سفارة الولايات المتحدة من تل ابيب اليها.
هذا الاحتفال الذي سيتم في ايار المقبل، قد يكون تحدياً للفلسطينيين، ويطلق شرارة انتفاضة شاملة في كل فلسطين من البحر الى النهر، وستجد اسرائيل نفسها في حالة من الارباك الكبير، لاسيما وان المواجهات بدأت تأخذ طابعاً عسكرياً، مع امتلاك الفصائل الفلسطينية الصواريخ اضافة الى الاسلحة الفردية، وما حصل في غزة يؤكد ان اسرائيل تعيش حقيقة في ازمة وجودية، حيث قرأ محللون عسكريون اسرائيليون التقارير الاستخبارية الاسرائيلية بكثير من الحذر والقلق، وهي اشارت الى انه في غضون سنة او حد اقصى سنة ونصف السنة، سيحيط بإسرائيل حزام مسلح مدرب ومزوداً بالصواريخ مع اسناد من دولتين حدوديتين سوريا ولبنان، الذي سيسقط بيد نصرالله، ومظلة نووية ايرلنية.
هذه المخاطر يراها الاسرائيليون ماثلة امامهم، لا سيما بعد تآكل قوة الردع لديهم في حرب تموز 2006 على لبنان، وما ذكره وزير الدفاع ايهود باراك من ان «حزب الله» بات يمتلك صواريخ يصل مداها الى 300 كلم، وتطال مفاعل «ديمونا النووي» وما قد ينتج من اضرار مدمرة على اسرلئيل اذا ما استهدف بقصف الصواريخ، وهو ما وضع القيادات الاسرائيلية في موقع القلق والحرج، وبدأوا يتحدثون عن ضرورة اخذ المبادرة، ومنع قيام حزام صاروخي يحيط بالدولة العبرية من كل الجهات، وان سوريا اصبحت ايضاً تمتلك صواريخ تحمل رؤوساً كيميائية وبيولوجية.
ازاء هذه التهديدات التي تعتبرها اسرائيل حقيقية وجدية، وقد حاولت ان تزيلها، فشنت عدواناً عسكرياً واسعاً في تموز 2006، لتدمير القدرة الصاروخية لدى «حزب الله» لكنها فشلت، واعادت التجربة مع «حماس» في غزة قبل اسابيع في عملية عسكرية حملت اسم «الشتاء الحار»، لمنع اطلاق صواريخ «القسام» والـ«غراد»، وسعت الى ابعادها حوالي 5 كلم، لكنها لم تتمكن وبعد خمسة ايام من العدوان تواصل تساقط الصواريخ، وواجهت اسرائيل ما حصل معها في لبنان، اذ استمر القصف الصاروخي من «حزب الله» على المستوطنات حتى اللحظات الاخيرة من وقف الاعمال العسكرية صباح 14 آب 2006.
لقد جرّبت اسرائيل في لبنان وغزة، تدمير المقاومة وصواريخها، فباءت محاولاتها بالفشل، وهي ما زالت تسرب معلومات عن انها ستعاود مرة جديدة حربها على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، لكنها تخشى ان تفتح اكثر من جبهة عليها في وقت واحد، لا تستطيع ان تحشد لها القوات العسكرية مع الطوق الناري والصاروخي الذي سيمتد من غزة الى الجولان مرورا بلبنان، اذ ثمة حديث عن ان الحرب اذ اندلعت على اي جبهة، لن تقف عندها بل ستشمل كل الجبهات دفعة واحدة، وستشارك فيها سوريا، لاسيما اذا كانت الحرب التي تنوي اسرائيل شنها على «حزب الله» سيكون مسرحها في البقاع، وهذا سيفرض على الجيش السوري التصدي لقوات الاحتلال لحماية خاصرته والدفاع عن دمشق التي ستكون المعارك على حدودها ومرمى حجر منها، وهذا ما قد يدفع بالقيادة السورية الطلب من قواتها العسكرية التدخل حتى في الاراضي اللبنانية حيث ذكرت التقارير ان سوريا استدعت نحو 70 بالمئة من الاحتياط السوري، ونشرت ثلاثة الوية مقاتلة على طول الحدود الشمالية مع لبنان الممتدة من حمص الى جبل الشيخ، وتم رفع استنفار الجيش السوري في هضبة الجولان، والذي غيّر من عقيدته العسكرية والقتالية، اذ تم تدريب لواءين من الوحدات الخاصة على حرب العصابات، والتعاطي مع اي تقدم بري لقوات الاحتلال، كما حصل في مارون الراس وعيتا الشعب ومناطق اخرى في الجنوب.
فالتحضيرات الاسرائيلية للحرب قائمة، وقد ذكر رئيس الحكومة ايهود اولمرت، انه تم سد الثغرات التي ظهرت خلال العدوان على لبنان، وجرت عمليات تدريب تحت اسم «نقطة تحول 2»، وهي الاكبر في تاريخ الجبهة الداخلية والتي ستنجز في نيسان المقبل، وتشارك فيها كل فرق الانقاذ، اي قيادة الجبهة الداخلية وشرطة اسرائيل والاطفاء ونجمة داود الحمراء ومكاتب الحكومة، كما تم تجهيز 1700 ملجأ على طول الجبهة الشمالية مع لبنان، وقد تفقدها باراك، للحد من نزوح المستوطنين، كما حصل في صيف 2006، اذ غادر مليوني مستوطن من سكان المستوطنات الشمالية، مما خلق ارباكاً في الداخل الاسرائيلي، وشكل ضغطاً على الحكومة، كما على الجيش الذي كان يقاتل في المواقع الامامية، وجبهته الداخلية متصدعة، وتتعرض للصواريخ التي كانت تصيب عائلات الجنود.
فلن تهدأ اسرائيل قبل ان تزيل خطر الصواريخ في الشمال مع لبنان وفي الجنوب مع غزة كما يقول قادتها، وهي لم تعد تطمئن الى سوريا التي تقول تقارير الاستخبارات الاسرائيلية، انها تتحين الفرصة للرد على العدوان الاسرائيلي على دير الزور الذي قيل انه استهدف مركزاً عسكرياً واميركا روجت انه منشأة نووية في ايلول 2007، اضافة الى عملية اغتيال مغنية، في 12 شباط الماضي في قلب دمشق وفي منطقة حسا سة امنيا.
فهذه الاجواء التي تعيشها المنطقة، من جراء الاعتداءات الاسرائيلية المتنقلة بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، فان الحرب الشاملة قد تقع وفق بعض الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، الذين يؤكدون ان اسرائيل لا يمكنها ان تسكت على هزائمها في لبنان وغزة، وضرب هيبة جيشها، وهي تحضر لرد يعيد قوة الردع له والصدقية امام شعبه، في حين ان قيادات في المقاومة لا تتوقع ان يكون العدو الاسرائيلي جاهزاً لشن حرب جديدة، واذا ما غامر فانه سيتلقى درساً قاسياً، وقد تم الاعداد له ووضعت الدفاعية لذلك، وهو ما كشفه السيد نصرالله، في اكثر من مناسبة بأن المقاومة استعادت جهوزيتها بعد حرب تموز وعوّضت خسائرها من الصواريخ، وامتلكت اخرى متطورة اكثر، كما جرى تدريب عشرات الالاف من المقاتلين، ذكر الامين العام لـ«حزب الله» ان عماد مغنية هو من اشرف على ذلك.
فالمقاومة تتحضر للرد على حرب قد تشنها اسرائيل، وهو ما اكده سيدها عندما اشار الى ان اسرائيل اذا ارادت حرباً مفتوحة، فنحن لها، وهو لا يستبعدها، ويتوقعها خلال الاشهر القادمة، منطلقاً من ان اغتيال مغنية، يدخل من ضمن هذه الحرب التي اوقفها القرار 1701، دون ان يعلن عن وقف لاطلاق النار، مما يعني ان عودة الحرب قد تقع في اي لحظة، وقد رافق ارتفاع لغتها، حضور البوارج الاميركية الى قرب المياه الاقليمية اللبنانية، وسحب قطر لعناصرها العاملة في اطار القوات الدولية، ودعوة عدد من الدول وتحديداً السعودية والكويت والبحرين واميركا وفرنسا رعاياها الى مغادرة لبنان وعدم السفر اليه، واخذ الحذر بتنقلاتهم فيه.هذه المؤشرات اعطت جواً حربياً واكبها عمليات اختراق قامت بها قوات الاحتلال لمنطقة الغجر عند الخط الازرق والاستنفار الذي وضعت نفسها فيه، مما دفع ببعض المواطنين للقلق من تجدد الحرب ولم يخرجوا منها بعد ولم تستكمل عملية اعادة البناء وبدأ الترويج عن بدىء بعضهم الاستعداد للسفر، او استئجار منازل في مناطق لن تصلها الحرب كما يعتقدون، وقد خلقت هذه الاجواء توترات رافقها تصريحات تشير كلها الى حصول حرب اسرائيلية، قد تنعكس ايضاً على الوضع الداخلي اللبناني المهدد بالفتن والحروب الاهلية.
وتخوفت مصادر قيادية في «حزب الله» و«امل» من نشر اجواء من الذعر في صفوف المواطنين، وان تحصل عملية تفريغ للجنوب قبل ان وقوع عدوان، وهو ما تريده اسرائيل التي فوجئت بعودة اهل الجنوب صبيحة وقف الحرب التي كان من ابرز اهدافها، ترحيل اهل الجنوب وتأخير عودتهم الى بلداتهم، مما يضطر المقاومين للالتحاق بعائلاتهم، بعد ان تبين للعدو الاسرائيلي ان المقاومة ليست طارئة على الجنوب، وان الذين قاتلتهم هم من ابناء المدن والقرى فيه.
فالحرب تريدها اسرائيل وتعمل لها، وهذا ما كشفه تقرير لجنة فينوغراد، وان عمليات الاغتيال تقع في اطارها، وان الاعتدءات العسكرية في غزة احدى اوجهها.
Leave a Reply