استجابت العاصمة السورية دمشق، وربما بمبادرة منها لسحب الذرائع الهادفة لتعطيل أو إضعاف القمة المزمع عقدها أواخر الشهر الجاري على أرضها، استجابت لما يراه العرب أصولاً يجب إتباعها، وأعرافاً يجب إحترامها، فبالرغم من أنها لم تقدم أية تنازلات جوهرية في الملف اللبناني إلا أنها بدأت بالصرف من رصيد حلفائها في لبنان وفي فلسطين. وذلك عبر توجيه الدعوة لرئيس حكومة لبنان ولو عبر وزير الخارجية المستقيل من حكومة يعتبرها فريقه المعارض غير شرعية وفاقدة للميثاقية ومناقضة لصيغة العيش المشترك. والمدهش عندما يقوم هذا الوزير المستقيل بتسليم الدعوة لرئيس الحكومة اللاشرعية فؤاد السنيورة، فيستلمها الأخير من وزيره المستقيل ليؤكد السنيورة بذلك أن وزيره غير مستقيل ويزاول مهامه وهو بالأصل لم يقبل هذه الإستقالة وبالتالي فإن حكومته دستورية وشرعية، وما على الوزير إلا أن يعود ويشغل مقعده على طاولة مجلس الوزراء!
هذا من الناحية الدستورية، أما في السياسة فإن لهذه الخطوة دلالاتها المتعددة، وهي وضعت كل من فريقي السلطة والمعارضة أمام خيارات صعبة ومعقدة لا يمكن فصلها عن ما يدور في دكار بين وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي ونظيره السعودي سعود الفيصل.
من حيث المبدأ، فإن مجرد أن يسلم الوزير المستقيل فوزي صلوخ الدعوة لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة، فمعنى ذلك إستعداد الأول للمشاركة في الوفد اللبناني الذي سيشكله السنيورة إذا قرر فريق السلطة أن يشارك في القمة، كذلك يعني أيضا إستعداده للمشاركة في القمة إذا قررت المعارضة إيفاده ليمثل لبنان بحجة خلو موقع الرئاسة وتخلف رئيس الحكومة بالرغم من الطعن بشرعيته.
والملفت، بل المثير للدهشة، والعجب أن المعارضة باستثناء الجنرال ميشال عون، تسعى وتحث حكومة السنيورة بطريقة غير مباشرة على المشاركة في القمة وهي تعمل على تسهيل أمر مشاركتها من خلال رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أشار إلى وجوب أن توجه الدعوة إلى رئيس الحكومة، إضافة إلى عدم تركيز الحملات الإعلامية من قبل حزب الله وحركة أمل على لا قانونية تمثيل الحكومة للبنان في القمة العربية.
تتوخى المعارضة من ذلك تحقيق اختراق تقطف ثماره دمشق عبر تعزيز موقفها العربي في وجه ما بات يعرف بالرباعية العربية المعتدلة (السعودية – مصر – الاردن – فلسطين) وذلك من خلال ملئ الفراغ اللبناني في القمة ولو بمن سيقول كلاماً قاسياً بحق سوريا يحرجها امام الدول العربية مجتمعة. وتتوخى السلطة من مقاطعة القمة تجسيد الفراغ اللبناني وجعله اولوية مطلقة على جدول اعمالها، او دفع المعارضة الى تمثيل لبنان ما يؤدي الى مقاطعة مصر والسعودية والاردن وبالتالي تكريس الانشقاق العربي وتأريخه ربطاً بقمة دمشق وعهد بشار الاسد.
على خط آخر وفي جغرافيا مختلفة، كان اجتماع وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي مع نظيره السعودي سعود الفيصل على هامش قمة دكار الاسلامية في السنغال، ووفقاً لمعلومات سربها مصدر قريب من قوى «14 آذار» فإن صيغة حل اقترحها الوزيران الايراني والسعودي وتم رفضها من قوى «14 آذار» وحظيت بموافقة المعارضة. تقول الصيغة بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية باسرع وقت ممكن وتأليف حكومة انتقالية مصغرة لمدة ستة اشهر على ان تراعى فيها الحصص وفقاً لنسب الكتل المتمثلة في مجلس النواب، مع الابقاء على البيان الوزاري الحالي وتبني قانون انتخابي حسب القضاء ولكن من غير العودة الى قانون 1960.
على كل، ليست هذه المحاولة الاولى التي تفشل ولن تكون الاخيرة. وما التحرك الدبلوماسي الايراني الاخير الا لتخفيف الضغوط على حليفتها الإستراتيجية السورية واسعافها بجرعات من الدعمين المعنوي والسياسي لتمرير القمة العربية بشكل سلس وهادئ واضاعة الفرصة على الاميركي المتربص ببوارجه على ضفاف المتوسط للانقضاض على فريسته..
بالمحصلة، فإن مسألة المشاركة في القمة العربية من قبل حكومة السنيورة اصبحت امراً خارجياً في عهدة السعودية. فقواعد اللعبة لم تتغير بعد، وستاتيكو الحسابات لم يزل قائماً ولا زالت انجع وسيلة لتجنب التنازل او الانفجار هي المماطلة وتقطيع الوقت حتى يقضي الله امراً كان مفعولاً.
من عجائب السياسة في لبنان ان تصبح مصلحة المعارضة ان تشارك حكومة السنيورة «اللاشرعية» في قمة دمشق العربية، وأن يتخلى فؤاد السنيورة عن ممارسة هوايته المفضلة في السفر والطيران والاجتماع حتى برؤساء الدوائر والبلديات.
Leave a Reply