الملك حسين قبل أن يرحل، ربما كانت إحدى وصاياه لنجله عبد الله، العمل لإستعادة القدس تحت الراية الهاشمية، فالراحل وإن أعلن فك الإرتباط مع الضفة الغربية في أوائل ثمانينات القرن الماضي، تحت ضغط من منظمة التحرير الفلسطينية وقائدها عرفات، إلا أنه أبقى على تلك الروابط قائمة مع المدينة المقدسة التي استشهد فيها جده عبد الله الأول، ولم تزل الحكومة الأردنية تدفع رواتب الموظفين في الأوقاف الإسلامية في المدينة وتراعي إحتياجات مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى، والنظام الأردني على كل حال لم يخف رغبته في الإحتفاظ بهذه العلاقة في محافل عربية وإسلامية ودولية.
الجديد في الموضوع دراسة يعكف عليها منذ سنوات رئيس وزراء الأردن الأسبق الدكتور عبد السلام المجالي الذي كان ترأس الوفد الأردني الفلسطيني المشترك لمفاوضات السلام في مدريد، وملخصها بضع سيناريوهات يهدف أي منها إلى إعادة السيطرة الهاشمية على الاراضي الفلسطينية المحتلة، بعد إقامة «كيان» فيها، وفق إطار يتسم بالوحدة الفدرالية أو الكونفدرالية، أو حتى علاقات مميزة بين الجانبين.
ويرى المجالي أن هكذا وحدة ستخدم مصالح الأطراف كافة: الأردنيون والفلسطينيون والإسرائيليون، والعرب وحتى العالم، فالأردن يهمه إستقرار نظامه السياسي في ظل تهديدات إسرائيلية بإقامة وطن بديل للفلسطينيين عاصمته عمان، خاصة وأن نصف سكان المملكة من أصول فلسطينية، كما أنه – الأردن – يعتبره الإسرائيليون جزء من الممالك اليهودية القديمة، وهم أن إقاموا عليه دولة فلسطينية فكأنما يتنازلون عن أرض لأعدائهم في مقابل السلام.
أما فائدة الفلسطينيين من هكذا وحدة مفترضة مع الدولة الأردنية، فإنها تكمن – بحسب الدراسة – إلى توصلهم إلى إتفاق سلام مع إسرائيل، جهدوا لتحقيقه سياسيا وعبر المقاومة ولم يفلحوا، بسبب عقد إستراتيجية في الصراع: القدس، اللاجئون والحدود، وهذه يمكن القفز عليها من خلال دولة أردنية فلسطينية موحدة يكون رئيسها العاهل الأردني، حينئذ تكون الدولة الموحدة قادرة على إستيعاب أي عدد من اللاجئين، خاصة وأن حدودها ستمتد من العراق شرقا وحتى شواطئ غزة، أما مسألة الدفاع فسيتولاها «الجيش العربي» ولا حاجة لبحث ترتيبات أمنية على الحدود بين فلسطين والأردن، وستقبل حينئذ إسرائيل بإعادة الأماكن الإسلامية في القدس إلى سيادة عربية.
والظاهر أن مسألة إتحاد كونفدرالي عتيد متفق عليها سلفا، فالسلطة الفلسطينية وبسبب مزاحمة التيارات الإسلامية لها يخشى عليها من الإنهيار، والدول العربية المعتدلة لا يروقها قيام دولة متشددة في الأرض المحتلة. مثلما أن الولايات المتحدة والغرب عموما يودون إقامة حلف «معتدل» في المنطقة يقف حائلا في وجه «التمدد» الإيراني، ولأن إسرائيل مشغوفة بإقامة سلام مع جيرانها دون أن تتحمل تنازلات مؤلمة، فهي تدفع بهذا الإتجاه حتى قبل قيام كيان فلسطيني مستقل.
وتنص تفاصيل «الدولة العربية المتحدة» على تشكيل حكومة وبرلمان مركزيين يعين أو ينتخب أعضائهما مناصفة، ويتوليان إدارة شؤون البلاد في السياسة الخارجية والدفاع والإقتصاد، على أن تترك لحكومتين وبرلمانين في الأردن وفلسطين الشؤون الإدارية والتعليمية، والقضاء والشرطة وبقية المسائل المحلية، على ان تكون رئاسة الدولة للملك الأردني.
ويبدو أن حجر العثرة في نظر القائمين على هذا المشروع هو المقاومة وغزة تحديدا، فهذه المدينة غير معجب بها أحد، فالإسرائيليون تمنوا أن يصحوا يوما ليجدوا البحر وقد ابتلعها، والمصريون يرفضون ضمها وإعادة السيطرة عليها، حتى الأردن الذي منح الجنسية لملايين الفلسطينيين استثنى من هذا القانون أهل غزة، وعليه فمشروع الوحدة متوقف لحين تحقيق واحد من أمرين: أما تدجين المقاومة وضمها للسلطة وأما تركيعها بالقوة، وهذا ما تسعى إليه إسرائيل عبر هجمة شرسة وعبر الحصار، فهل تشهد الأسابيع والشهور القادمة ميلاد دولة فلسطينية تليها وحدة مع الأردن، يكون الثمن فيها أما إتفاق بين الفلسطينيين أو حرب شعواء على غزة؟ سؤال سوف تجيب عليه الأيام.
Leave a Reply