ندوة عن مستقبل الفكر الإسلامي فـي جامعة ميشيغن-آن ربر
آن آربر – خاص «صدى الوطن»
اقام «مركز دراسات الشرق الاوسط وشمالي افريقيا» في «جامعة ميشيغن» الاسبوع ما قبل الماضي ندوة فكرية حول مستقبل الاسلام في العالم وذلك في مبنى «ميشيغن ليغ» في ان اربر، حاضر فيها كل من المفكر الاسلامي نصر حامد ابو زيد، صاحب كرسي ابن رشد في «جامعة اوتريخت» واستاذ الدراسات الاسلامية في «جامعة ليدن» في هولندا؛ والبروفسور رالف وليامز، استاذ الادب الانكليزي والمتخصص في الدراسات الانجيلية في جامعة ميشيغن؛ والبروفيسور شيرمين جاكسون دكتور مادة الفلسفة والمتخصص في اللغة العربية في جامعة ميشيغن.
وبدأ الدكتور ابو زيد الندوة في كلمة حول مستقبل الفكر والمجتمعات الاسلامية. واعتبر ان استشراف مستقبل الاسلام ليس الا محاولة لـ«قراءة للمسيرة التي من الممكن ان يصل اليها الفكر الاسلامي» متخذا منهجا تحليليا لواقع التفكير الاسلامي في العالم الاسلامي ومقارنته بالمجتمعات الاسلامية في الغرب الاوروبي والاميركي.
ورأى ابو زيد ان المسلمين في اوروبا، بشكل عام، مهتمون بكيفية الحفاظ على هويتهم الاسلامية وممارسة حياتهم وتنشئة اطفالهم طبقا للارث الاسلامي في محاولة لعدم «تعارض ذلك مع النظم العلمانية للدول التي يعيشون فيها». وان ثمة محاولات جادة من قبل الفقهاء «لتقديم الحلول عبر فقه الاقليات الذي يعالج المشاكل التي تواجه الاقليات المسلمة في المجتمعات غير الاسلامية». وان المسلمين في الدول الغربية بدأوا يدركون «اهمية المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية في الدول الاوروبية ليدخلوا في النسيج الوطني للدول ولا يكونوا اقليات معزولة».
واعتبر ان هذه المجتمعات الاوروبية لا تخل «من مجموعات تطرح الفكر المتشدد» للتصور الاسلامي، لكنهم لا يعكسون اغلبية المسملين في اوروبا غير ان مشكلتهم «انهم الاكثر ظهورا في الاعلام».
في المقابل عرض ابوزيد لواقع المسلمين في العالم الاسلامي ورأى ان القضايا التي تشغلهم مختلفة عن تلك التي تشغل المسلمين في اوروبا، واهم القضايا التي كانت ومازالت مطروحة بقوة هي مدى «موافقة التراث الاسلامي لمعطيات الحداثة».
وقال ابو زيد ان «مثل هذا الجدل يخفي في داخله اشكاليات اكثر مفصلية كقضية الاسلام السياسي، القانون الاسلامي، مسألة الديمقراطية، حقوق الانسان، وحقوق الاقليات وغيرها» معربا عن ان المراقب لذلك النقاش قد يخرج بتوقعات متفائلة تصب في صالح انتصار الحداثة او يصل الى مواقف متشائمة ترجح ترسيخ النظرة السلفية المتشددة وذلك بحسب الزاوية الذي ينظر اليها.
اما النظرة التفاؤلية فرآها تنعكس عبر كتابات تطرح اسئلة جدية حول مدى قدسية الشريعة ومدى نهائية صلاحيتها لحكم كل جوانب سلوك المجتمع وهي كتابات ليست بالجديدة، ابتدأت من العصور الاولى للتاريخ الاسلامي عبر العلماء الكلاسيكيين وهي ايضا ليست ظاهرة مستجدة مرتبطة بالحداثة كما يحاول البعض ان يوحي ليوصم تلك المحاولات لإعادة قراءة النص المقدس بالتغريب وبالتالي يسهل رفضها على اعتبار انها عدوان على الارث الثقافي الديني.
واما النظرة التشاؤمية فهي ان تسود النظرة المتشددة لقراءة النص الديني ممن يكرس بشكل لا يقبل النقاش قدسية الشريعة ومعاملتها على انها الصيغة النهائية والتعامل معها حرفيا. تلك القراءة انتجت او ساهمت في انتاج حركات الاسلام السياسي. وهي حركات بدأت تفقد مكانها في الساحة الداخلية للشرق الاوسط، في مقابل نشاط اعلى على المستوى العالمي، ذلك النشاط الذي انتج ظاهرة الإرهاب الاسلامي. والملفت ان تلك الحركات المتشددة استطاعت بايديولوجيتها التغلغل في النسيج الاجتماعي للمسلم العادي.
ويشير ابو زيد الى مهمة الاصلاحيين. فالمفكرون الاسلاميون الاصلاحيون يقترحون مقاربة جديدة للشريعة. الا ان هؤلاء قد يكونوا وصلوا الى طريق مسدود في مشروعهم حيث اصبحت الكثير من الاسئلة المفصلية محرمة من قبيل طرح طرائق تفسير جديدة للقرآن تتوافق مع المناهج الحديثة في قراءة النصوص المقدسة: «رغم استطاعة الاصلاحيين الوصول الى مراحل ساءلوا فيها مكانة السنة النبوية وكيفية التعامل معها وامكانية اهمال السنة غير المتوافقة مع العقل وامكانية عدم دقة نقلها الا ان مساءلة النص القرآني بقي غائبا عن هذا النقاش وما زال من ضمن الاسئلة المحرمة».
ويؤكد الدكتور ان هذه الاسئلة ليست بالحديثة فهي قد اثيرت عبر تاريخ الفكر الاسلامي.
واستعرض ابو زيد الوضع الاسلامي السياسي في الشرق الاوسط. ففي ايران هناك نزاع ما بين المحافظين الذين ينادون بتطبيق الشريعة على كل مجالات الدولة والحفاظ على فكرة ولاية الفقية كأعلى سلطة قانونية وبين الليبراليين الذين يطالبون بتركيبة الجمهورية الحديثة والتي يمثل فيها القانون السلطة العليا. اما في تركيا فالتوتر حاصل ما بين المطالب العلمانية للانضمام للاتحاد الاوروبي وبين عدم القدرة على تلبية الشروط الاوروبية.
وفرق ابو زيد ما بين الدول العربية ذات الابعاد المختلفة في تعاملها مع الشريعة ففي السعودية لا يوجد دستور والشريعة هي القانون الاوحد في البلاد، اما في مصر فهناك دستور وقانون منذ بداية القرن التاسع عشر. كما ان الشريعة ليست غائبة في معظم الدساتير العربية حيث تشكل اما مصدرا من مصادر التشريع او المصدر الوحيد له.
وفي مصر مثلا ما زالت تثار اسئلة ذات بعد ديني واثر مدني من قبيل اشكالية المواطنة وهل ان الدولة تعتبر دولة مسلمة، وما درجة مواطنية المصري القبطي تبعا لذلك.
ويصف ابو زيد هذا التوتر الداخلي في العالم الاسلامي بأنه «ليس جديدا بل هو بقدم التفاعل والاحتكاك ما بين العالم الاسلامي والعالم الاوروبي. فالحداثة عندما تقتحم العالم العربي مع المستعمر الاوروبي وتضع رحالها مع جحافل القوى الداخلة وبالقوة فإنها تصبح صنوا للمستعمر نفسه ويصعب بالتالي التعاطي معها كفكرة بمعزل عن الظروف التي صاحبتها تاريخيا.. لذلك اعتبرت الحداثة مرادفة للتغريب وضد الاسلام وحاول بالتالي الكثير من المفكرين من ايران وافغانستان وتركيا والهند ومصر وسوريا الفصل ما بين الفكرتين منذ بدايات القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين ووصلوا الى طريق مسدود بسبب ان بعض الاسئلة المفصلية في مسيرة الاصلاح والتجديد بقيت محرمة. كما ان الكثير منهم اضطهد بسبب طرح تلك الاسئلة او التجرؤ على المجاهرة بها. وكانت النتيجة عبر التاريخ تتوافق مع الظروف السياسية القائمة: ان كانت مآتية وغير عدائية لافكار المجددين وجد الاخيرون قدرة على نشر افكارهم وان لم تكن مآتية انهزموا».
الا ان السياسة الخارجية الجديدة للاميركيين لعبت دورا في اجفال العالم الاسلامي اكثر من ذي قبل. اذ يشرح ابو زيد كيف «لعبت المصالح الاقتصادية والسياسية للدول المستعمرة دورا كبيرا في تدعيم السلطة السياسية في الدول المسلمة وفي حفظ مصالحها. وهذه العوامل لم تعط الفرصة للمجتمعات العربية كي تُنضج آلياتها الداخلية لتنتج فكرا تجديديا بمعزل عن الضغط الخارجي. الدعم الخارجي كان دوما متواجدا ويتدخل بقوة لتغيير مسير التحركات».
ويقول ابو زيد انه «وبعد الحادي عشر من سبتمبر وبعد غزو افغانستان والعراق اصبحت هذه الظروف اصعب. والسؤال ما اذا كان المسلمون قادرين على الاستعانة بعواملهم الداخلية والحركة بحرية لانتاج فكر ذاتي يبقى معلقا ويصبح اكثر فاكثر مأزقا يحتاج الى الكثير من التفكير… والآن يمنح التهديد الاميركي لإيران، مثلا، ولبرنامجها النووي دفعة قوية وبيئة مؤاتية للمحافظين الايرانيين ليمسكوا دفة البلاد ويوجهوها بعيدا عن رغبات الليبراليين».
لذلك ان «مستقبل الفكر الاسلامي لا يمكن ان ينظر اليه بمعزل عن التغيرات والتفاعلات على المستوى الدولي السياسي من قبل الولايات المتحدة».
ويشبه ابو زيد الاصلاح في العالم الاسلامي بإمرأة في حالة مخاض لولادة ذلك «الاصلاح» الا ان هذا المخاض للأسف يتم تحت اضواء شديدة وصخب كبير وتحت مرآى العالم. بينما بالمقابل، وتاريخيا، كانت اوروبا اقدر على المساعدة في ولادة هذا المولود تحت ظروف اهدأ وجلبة اقل.
لكن السؤال الاهم يبقى مطروحا وهو انه الى اي مدى سيتم اعتبار الحداثة سما غربيا مدسوسا في دسم الثقافة الواردة؟ والى اي مدى يستطيع المسلمون ان يعيدوا طرح الاسئلة القديمة في جو من الحرية الفكرية ليتمكن المفكرون من انتاج فكر اصلاحي؟ وفي اي طريق ستذهب السياسات الاميركية في المنطقة؟ كلها اسئلة ستبقى معلقة من منظور البروفيسور ابو زيد.
اما البروفسور رالف ويليامز فقد دار حديثة حول مناهج قراءات النصوص الدينية وكيفية قراءة النص الديني قراءة صحيحة في عصور متأخرة عن تنزيل النص. واستعرض تجربة الانجيل ابتداء من القديس اوغسطينوس وقال ان طرق التفسير الحديثة للنص المقدس قدمت كأنها مسألة حداثية في وقت هي ابتدأت منذ اوغسطين الذي طرح اسئلة مهمة عن كيفية مقاربة النص المقدس في غياب صاحب النص: «حاول اوغسطين الوصول الى التفسير الصحيح للنص. طرح السؤال التالي في مواجهته لسفر التكوين في العهد القديم (جينيسيس)، كيف يعرف ماذا يعني النص؟..»
ورأى البروفيسور وليامز ان اشكاليات تفسير النص الديني يستدعي فهم النص بلغته الاصلية وهذا يطرح اشكالية اخرى وهي المعنى الجزئي للنص مع المعنى الكلي الذي يتسق مع الرسالة المتضمنة للنص الديني.
وضرب وليامز امثلة عن الآية التوراتية التي تنص على ان «السن بالسن والعين بالعين» ورأى ان هذا لا يعني بالضرورة الصيغة التي يجب ان تتبع دائما انما قد تكون التعبير الاصلح لذلك الزمن للتدليل على معنى العدالة.
ورأى ان هناك الكثير من القضايا التي في الانجيل والتوراة اذا اخذت بحرفيتها لا تتوافق مع روح الرسالة المسيحية كموقف الانجيل من المرأة وموقفه من العبودية حيث لا يتخذ الانجيل موقفا محرما لها ويتضمن موقفا سيئا من المرأة.
وقال وليامز «ان المعنى المتكامل الذي يتوافق مع كامل روح النص امر مختلف: ان العبارة لا تدل قطعا على السلوك الحرفي الذي من الممكن ان تتخذه الجماعة في مواجهة الفعل الذي يستدعي ردة الفعل بقدر ما يدل على فكرة ان هناك ردة فعل يجب ان تتخذ ولكن ليس حرفيا اذ من الممكن ان يكون هناك بدائل تتوافق مع تغير المعطيات في المجتمع. فصحيح ان معنى العبارة يشير الى قلع العين كعقاب مقابل قلع العين كفعل اعتدائي بالنسبة الى الناس الذين ارسل اليهم هذا النص ولكن المعنى المتضمن والمتوافق مع مجمل النص المقدس هو العقاب.. هناك مقولة شهيرة في المسيحية بأن اذا ارتكبت يدك معصية اقطعها واذا رأت عينك اثما اقتلعها فأفضل ان تبعث في الآخرة دون يد خاطئة او عين عاصية من ان تستقر في الجحيم بتلك اليد او تلك العين. او ذلك الذي خصى نفسه تكفيرا عن خطيئة جنسية ارتكبها».
كل هذه التفسيرات الموجودة في الكتب المقدسة يجب الا تقارب بشكل حرفي والا تناقضت مع روح الرسالة الدينية.
وتطرق وليامز الى الاصولية المسيحية وقال «ان الطرق المختلفة للتفسير قد لا توصل الى التفسير الصحيح ولكن ذلك لا يمنع ان نطرح تفسيرا جيدا.. اما ان يصل الامر الى الاقتتال وإسالة الدماء بسبب التفسيرات المختلفة للنص المقدس فهذا يدل دون شك ان هناك مشكلة ما.. وكذلك الامر في الواقع الاسلامي».
Leave a Reply