أربعون بالمئة من مساحة الضفة الغربية قضمتها إسرائيل منذ حرب 1967، فكيف لدولة فلسطينية أن تقوم في أواخر هذا العام؟ بحسب وعود كاذبة أطلقها الرئيس الأميركي، في آخر سنة له في البيت الأبيض بعد أن أضاع سبع سنوات، لم يلتفت خلالها إلى قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وترك المسألة يعالجها وزراء دفاع صهاينة على طريقتهم الدموية.فالقدس التي هي بمثابة القلب النابض لفلسطين، خنقها الإحتلال بمجموعة مستوطنات كبرى، لن يهجرها أصحابها لا في مفاوضات سلام ولا حتى في حرب كبرى، والأراضي «الميري» غير المسجلة رسميا بإسم فلسطينين سيطرت عليها الدولة العبرية باعتبارها في نظرهم أرضا موعودة إسترجعها ملاكها الأصليون، وشبكات الطرق السريعة من أقصى شمال الضفة حتى جنوبها، والشوارع الإلتفافية للتواصل مع المستوطنات قضت على مساحات شاسعة فيها، والمناطق المغلقة الممنوع على الفلسطينيين الإقتراب منها، ونقاط سيطرة الجيش التي وصل عديدها إلى 580 نقطة، جعلت من كامل الضفة صفحة كالغربال، ناهيك عن عشرات المستوطنات حول المدن والقرى، وجدار الفصل العنصري. كل ذلك يجعل من إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة مسألة مستحيلة، خاصة إذا ما أضفنا إلى ما تقدّم سعي الإحتلال على مدى عقود، لتدمير ما يمكن أن نسميه إقتصادا فلسطينيا، في ظل ضرب البنى التحتية والحصار المفروض على قطاع غزة منذ مدة طويلة، ما جعل الحياة في الأرض المحتلة يعتريها بؤس لأكثر من ثلثي سكانها، فهؤلاء جلّهم لاجئون وعماد معيشتهم منظمة «الأونروا» الدولية، التي نشرت إحصائيات مؤخرا جاء فيها «أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المتلقين لمعوناتها بلغ 4,5 مليون نسمة منتشرين في غزة والضفة والأردن ولبنان وسوريا، في حين أن هذا العدد لم يصل إلى مليون عام 1950عقب النكبة».بعد أسابيع أو شهور قليلة يصل بوش إلى الأرض المحتلة للمشاركة في إحتفالات إسرائيل بعيد تأسيس دولتها الستين، وهو لو لم يكن يشعر بقطرة من حياء لدعى رئيس السلطة وزعماء العرب «المعتدلين» لمشاركته في هذا الإحتفال، وهو لذلك أرسل وزيرة خارجيته رايس للإشراف عن قرب على أعمال مؤتمر القمة العربية الذي عقد مؤخرا في دمشق، وأرسل تطمينات بأنه لم ينس وعوده للفلسطينيين بإقامة دولة لهم آخر العام، فجاءت قرارات القمة متواكبة مع سراب.لكن الفلسطينيين على أي حال، من فرط ما ألفوه من أكاذيب دولية وأميركية وعربية على مدى السنوات الستين الفائتة، ينتظرون آخر العام 2008 وأياديهم على الزناد، فإذا لم يتحقق لهم ما وعدوا به، فإنهم سينتفضون مرة أخرى، وستكون إنتفاضة غير التي سبقتها، ستكون جولة فاصلة في هذا الصراع المرير، ستسيل فيه دماء غزيرة من الطرفين، وتنتقل عدوى العنف إلى مسارح عربية وعالمية، وتنتشر الفوضى في الشرق الأوسط لتهدّد أنظمة إقليمية ومصالح غربية.تلك حالة حذّر من الوصول إليها محمود عباس في قمة دمشق، وحذر منها أعوانه من على الشاشات الفضائية، ومن بينهم صائب عريقات رئيس الوفد الفلسطيني لمفاوضات السلام، وهو الأكثر قربا من نبض القادة الإسرائيليين وتوجهاتهم، هذا الرجل اعرب عن تشاؤمه تجاه تلك المفاوضات وأنها لن تفضي إلى سلام ولا لدولة فلسطينية في أفق منظور.إذن فالتوتر والتصعيد هما سمة المرحلة القادمة في المنطقة، ضمن مثلث ناري تمتد أضلاعه من البصرة التي شهدت مؤخرا معارك طاحنة كادت فيها الحكومة العراقية وجيشها وشرطتها أن تنهار، أمام حجافل جيش المهدي وعديده 60 ألف رجل مستعدين للقتال حتى الموت، في سبيل تحرير العراق ووحدته وكرامة أهاليه، ومثل هذا العدد أو يزيد رجال أشداء يقفون على خط النار مع إسرائيل في الجنوب اللبناني، قهروا بالأمس جيشا هو الأقوى في الشرق الأوسط، فيما يسيطر على غزة وقطاعها حركة مقاومة باسلة، برغم ضعف إمكانياتها، تشكّل ضلعا في مثلث كأنه سهم في أعناق الخصوم والأعداء.تلك هي المعادلة في المشرق العربي: إحتلال أميركي وإسرائيلي لأراض عربية، ونهب لثرواتهم وإذلال لشعوبهم، تقابله مقاومة شريفة ومشروعة تدعمها إيران وسوريا، خط لا يعجب أنظمة عربية متحالفة مع الولايات المتحدة وتتوق لإقامة علاقات «سلام» مع إسرائيل، تحفظ لها عروشها على حساب العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين، فأين هو المنطق في هكذا معادلة، بل أين هي الهندسة والجبر والحساب؟
Leave a Reply