كانت ولا زالت المعركة الإنتخابية على كرسي الرئاسة الأميركية بين الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي، ولم تشهد المعارك الإنتخابية صراعاً بين أقطاب الحزب الواحد مثل الذي نشهده الآن بين هيلااري كلينتون وباراك أوباما، فإذا كانت المعارك الإنتخابية لها دلالات تتعدى مصالح الشعب الأميركي، وهي مرسومة بشكل دقيق على أيدي الشركات النفطية الكبرى وتمولها رساميل المهيمنين على صناعة السياسة الأميركية الخارجية، لكن هذه المعركة دلالاتها ربما أختلفت عن معظم الإنتخابات وإن تشابهت مع بعضها التي كانت نهايتها الحسم بقطع الطريق على من يختاره الشعب، ولو رجعنا قليلاً ودرسنا ما كتب عن مسرحيات الرؤساء الذين تم اغتيالهم وهم في قمة صعودهم، وفي نفس العمر تقريباً أوائل الأربعينات. وهو ما جعل كثيرين يتوجسون أن يحدث نفس الشيء لباراك أوباما. وفي كل من الاغتيالات الأربعة، ظل الرأي العام الأميركي حائراً حول تفسير الظاهرة، وعما إذا كان كل اغتيال هو عمل فردي من شخص مخبول أو موتور أو مُتعصب، أم أن وراءه جماعة أو جهاز أو طرف داخلي، أو حتى خارجي أكبر. وفي هذا الصدد هناك أميركيون يتنافسون مع العرب في اعتناق نظرية المؤامرة.. ويُقال، أنه بين الثلاثمائة مليون أميركي، يوجد على الأقل مليون لا يستسيغون أن يحكم بلادهم رئيس أسود، كما لم يستسيغوا أن يحكم رئيس كاثوليكي.العرب وعقدة كل جديدربما يتفق تفكير الساسة العرب مع شعوبهم تجاه الصورة النمطية المرسومة في الذهن العربي منذ خمسة عقود عن سياسة الإدارة الأميركية الخارجية وخاصة مع القضايا الإسلامية والعربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ومواقفها العدوانية من إيران وأفغانستان وسوريا ولبنان والعراق والسودان، بالإضافة سياساتها المعلنة ضد الإتجاهات الإسلامية ووصفها بالإرهاب والتضيق عليها وتجميد أصدتها المالية، كل ذلك سبب العقدة في أي إحتمال للتغيير، ومن البديهي أن المثقفون العرب ومن ورائهم السياسيون يعلمون جيداً عن حجم التعقيدات التي تدير وتسيّر عربة الإنتخابات الأميركية، تلك التعقيدات هي التي تمسك بالملف الخارجي الذي يربط أميركا بالعالم، ومنها دول الشرق الأوسط الغنية بالمواد الخام من المعادن، ولا بد من الإقرار بأن صاحب التاج الذي يدخل البيت الأبيض لن يفلت من أيديهم وأن نجاح أي مرشح مرهون بقبولهم ورضاهم، مع كل ذلك ماذا يترتب على العرب أن يفعلوه؟العرب وعقدة اللوبي الصهيونيإن حقيقة قوة النفوذ اليهودي ليست خفية بل هي معلنة وأن طبيعة العلاقات والإرتباط وتسيير الإنتخابات الأميركية علاقة مصير ولا يمكن لأي مرشح على مستوى الرئاسة أو الكونغرس أن يتجاوز أو يتنكر لهذه الجماعة، أكد هنري سيغمان الباحث في مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة والمدير التنفيذي السابق للكونغرس اليهودي الأميركي خلال حوار مع هشام ملحم في حلقة «عبر المحيط» بتاريخ 4002-5-12 أن الأهمية التي يكتسبها الصوت اليهودي في الانتخابات الأميركية لا ترجع إلى العدد، بل إلى الدور الفاعل الذي يلعبونه في عملية الانتخابات كمتبرعين للحزبين الديمقراطي والجمهوري، وكلاعبين رئيسيين في الحياة السياسية والاجتماعية الأميركية. وناقشت هذه الحلقة تفصيليا الاتجاهات السياسية والأيديولوجية في أوساط اليهود الأميركيين وانعكاساتها على علاقتهم بالحزبين الجمهوري والديمقراطي، وجدلية علاقة المنظمات اليهودية بإسرائيل، كما ناقشت الفكرة القائلة بأن بروز تيار المحافظين الجدد يعدُّ مؤشرا بتحول تاريخي في مواقف اليهود باتجاه اليمين، فالعلاقة تقتضي تبادل المصالح فهم بحاجة للاموال للانفاق على حملاتهم الانتخابية وبحاجة للدعاية والاعلام الصهيوني الواسع الانتشار والتحكم في المجتمع والسياسة الاميركية وبالمقابل فان المرشحين عموما لا ينفكون عن تقديم الوعود بالالتزام بتقديم الدعم والتأييد للكيان الصهيوني في حال وصولهم الى المكتب البيضاوي. كما ان من يتولى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة ليس مطلق اليدين في اتخاذ ما يشاء من مواقف وسياسات فهناك مجموعة من الاعتبارات تتحكم في السياسة الاميركية الداخلية والخارجية ممثل المصالح العامة ومجموعة اللوبيات الضاغطة بدأ من اصغر شركة حتى مصانع السلاح وشركات البترول وغيرها من الشركات العملاقة، هذه العقدة جعلت العرب لا يراهنون على أي مرشح ولا يؤمنون بسنن التغيير.هل الرهان على باراك أوباما رهان رابح؟لا يمكن الحكم بشكل مطلق على الرجل بأنه يريد الخير والصلاح لشعبه وللعالم في وقت واحد، ولكن يمكن الإطمئنان والتفاعل من خلال هذه القرائن والمؤشرات التي رافقت جولته الإنتخابية ومنها:- موقفه الإيجابي من حملة التشويه واتهامه بأصله المسلم، وقد انتقدت صحيفة «الغارديان» البريطانية المرشح الديموقراطي باراك أوباما، بتنكره للإسلام، وكتب ناومي كلاين مقالا قال فيه إن أوباما ضيع فرصة أتاحتها له الصورة التي بدا فيها وهو يلبس عمامة، إذ كان بإمكانه استخدامها للتصدي للإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) المستشرية في الغرب إذا كان فعلا يريد إصلاح العالم. وأضاف كلاين إن ما تسمى «فضيحة» العمامة ليست سوى جزء مما أصبح يعرف بـ«تشويه الإسلامي» الذي يشمل كل شيء بدءا بالتركيز على الجزء الثاني من اسم أوباما «حسين». فحملة التلويح بأن الرجل تعلم في مدرسة إسلامية بإندونيسيا (فرية) وبأنه أقسم على القرآن (فرية أخرى) بل قد يصل الأمر بهم إلى اتهامه بأنه سيوصل مكبرات صوت بالبيت الأبيض للأذان. ورغم أن كلاين يتفق مع أوباما في ضرورة تصحيح تلك المعلومات فإنه يرى أن عليه ألا يتوقف عند ذلك الحد، إذ كان عليه أن يشجب الهجمات الموجهة إليه من هذا القبيل بوصفها دعاية عنصرية في هذه الحالة ضد المسلمين، فخصوصية أوباما من بين سائر المرشحين تتمثل في كونه هو وحده الذي عاش في إندونيسيا وهو وحده الذي لديه جدة أفريقية، وبذلك يستطيع «إصلاح العالم» بعد ما سببته له كرة بوش التدميرية من خراب، معتبراً أن «العمل
الإصلاحي» يبدأ بـ1,4 مليار مسلم توجد لدى غالبيتهم قناعة بأن بوش يشن حربا على عقيدتهم.- موقفه من خطاب القس رايت مستشاره الديني في الكنيسة ومن السجال عن التنافر العرقي في الولايات المتحدة وقد قال كلمته التي كادت أن تودي به الى الخسارة وإذا بها ترفع رصيده الإنتخابي، وقال أوباما في خطابه الذي رفع من درجة التأييد له: «أنا نجل رجل أسود من كينيا وأم بيضاء من كنساس» وهو، حسب قوله، ما يجعله ممثلا معاصرا لقضية أثرت بالغ التأثير في أميركا بل قسمتها على مدى قرون. وزاد أوباما: «لدي أخوة وأخوات وأبناء وبنات أشقاء وعموم وأبناء عمّ ينحدرون من كل عرق ومن كل لون، وهم مشتّتون عبر ثلاث قارات وطوال عمري لن أنسى أبدا أن سيرتي لن تكون ممكنة في أي بلد آخر على الأرض». وقضية الأعراق هي قضية «لا يسع لهذه الأمّة أن تتغاضى عنها في الوقت الحالي» كما أشار أوباما. وأضاف أن السجال الأخير يعكس «التعقيدات التي تكتنف العرق في هذه البلاد وهي ميزة لم نسع فعلا لأن نجد حلا لها، وهي جزء من إتحادنا الذي ما زال يلزمنا أن ننزع عنه كل شائبة».إن شهادات بعض مناوئيه تؤكد الرهان عليه، يقول الحاكم السابق بيل ريتشاردسون، وهو من أصول لاتينية، يصف أوباما بـ«زعيم يظهر مرة في العمر» وأيده، آملا برصّ صفوف الديمقراطيين. ومن شأن ذلك أن يكسب أوباما المزيد من أصوات أميركيين من أصول لاتينية.وقال ريتشاردسون في معرض دعمه لأوباما: «السناتور أوباما بدأ نقاشا في هذا البلد طال انتظاره وهو يرفض سياسة تأليب عرق ضد عرق آخر». وحتى أصوات منتقدة مثل كاتب العامود الصحفي في يومية «واشنطن بوست»، مايكل غيرسون، الذي قال إنه كان على أوباما أن يدحض بصورة أكثر تحديداً «الآراء السامّة» للقس رايت فقد وصف خطاب المرشّح الأسود بأنه خطاب «ممتاز وهام» حول الأعراق في أميركا.متى يستيقظ العرب لمصالحهم؟ إعتاد العرب على جر المئاسي والبكاء على ضياع الفرص، وهم ينتظرون إنتكاسة وخسارة هذا الرجل وينصبون العزاء ويأسفون على ما فاتهم، ولكن «ولاة حين مناص».
Leave a Reply