«قادة» من الجالية يجتمعون، يتناقشون، ثم يقفون على حياد «مشبوه»
التقوا لتبادل الآراء في اجتماع مغلق عن الصحافة. كان واجبهم ان يتخذوا قرارات لمصلحة المحلات العربية الاميركية الصغيرة في مواجهة تنّين السوق الحرة «وول مارت». لكنهم كل ما فعلوه كان فقط ان وقفوا على حياد (وهي الحكمة العربية الازلية). وصرحوا بأن انتظار رؤية النتائج التي ستتحقق على ارض الواقع افضل لاتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة الوضع.كان الاجتماع، الذي جرى الاثنين الماضي، في احدى قاعات مبنى «سيفيك سنتر». وكان المفترض ان يحضره افراد من «قيادات الجالية» التي عادة ما تحضر وتتناطح اذا كان ثمة خطابة او ربابة او كاميرا حية. الا ان احدا من الجالية العربية لم يهتم. وكل من حضر من الجالية هما ممثلان عن مؤسستين عربيتين اميركيتين عريقتين. وكانت النتيجة التي خرج المتداولون بها، بمن فيهم ممثلي المؤسستين العربيتين، هي انهم لا يعرفون بعد ما هو تأثير وجود فرع كبير لـ«وول مارت» في مدينة صغيرة كـ ديربورن على المحلات العربية الصغيرة وبالتالي علينا الانتظار حتى نرى ماذا سيحصل!ولكن وبما ان الدارس لـ«كُورس» ابتدائي في الاقتصاد، 101، يعرف ان وجود عملاق مالي من حجم «وول مارت» لن يكون الا كارثيا على اصحاب المحلات الصغيرة لما له من قوة تنافسية، وبما ان «وول مارت» لها تاريخ «مشرف» في معاملة العمال في مصانعها في كمبوديا وكوستاريكا (وهذا بُعد انساني، الارجح انه لا يعني العرب!)، وبما ان تاريخ حلولها في المدن الصغيرة معروف بالتجربة على اصحاب المحلات المجاورة: فإننا نستطيع ان نترجم القرار الذي خرج به المجتمعون في هذا الاجتماع الى لغة واضحة واكثر بساطة: دعونا ننتظر حتى تنتهي «وول مارت» من ابتلاع كل زبائن المحلات الصغيرة في مدينة ديربورن وتقضي على المحلات هذه وتفلس اصحابها وبعدها نجتمع لإقامة مجالس العزاء والبكاء والعويل (كما هي العادة) وآجركم الله. (وربما يقام تقليد سنوي للتذكير بالكارثة، لتتوارثها الاجيال، مع نصب تذكاري على شارع فورد).ولقد جرى اجتماع آخر اقامه كل من «منتدى حقوق العمال» و«سوِيت فري كميونيتي»، في نفس اليوم، للتعريف بمخاطر «وول مارت» على المدن التي تحل فيها. وكالعادة لم يحضر من العرب الاميركيين احد. وعلقت غنوة دباجة التي شاركت في اقامة الاجتماع قائلة: «هذا أمر معيب، هذا اجتماع تثقيفي يخص العرب قبل غيرهم لأنهم معنيين بمخاطر وول مارت اذ ان معظم المحلات الصغيرة في المدينة التي ستواجه المنافسة مملوكة لعرب اميركيين». لكن ما هو تأثير «وول مارت»؟ او فلنسميه «عامل وول مارت» لأن تأثير هذه الشركة يكاد يصبح حديث كل اصحاب المحلات الصغيرة على طول الولايات المتحدة: في كل مدينة تفتح فيها الشركة فرعا لها تبتلع المحلات الصغيرة من حولها بسبب ما لها من قوة تنافسية لايستطيع اصحاب محلات السمانة والبقالة مجاراتها. وتعتبر «وول مارت» الشركة الاكبر عالميا في رقم العوائد المالية السنوية التي تحققها. كما انها تعد اكبر شركة في العالم من حيث عدد العمال. وهي اكبر محلات الـ«غروسيري» في الولايات المتحدة اذ تسيطر على 20 بالمئة من سوق البيع بالمفرق. وفي كل مدينة تسللت اليها الشركة وبنت فيها مستعمراتها التجارية حدثت فيها تغيرات. ففي «جامعة ولاية ايوا» قام احد خبراء الاقتصاد البروفيسور كينيث ستون بدراسة تأثير حلول الشركة في مدن ذات حجم صغير ومتوسط ووجد ان المدن هذه تفقد حوالي نصف قدرة محلاتها الصغيرة خلال عشر سنوات من افتتاح الشركة افرعها.الا ان دراسات اخرى وجدت ان التأثير الذي تخلفه «وول مارت» وراءها ليس الا اثرا عاديا يصاحب الشركات الكبيرة كما حدث عندما بدأت «المولات» تفتح افرعها وتنافس محلات الثياب الصغيرة في المدن.والاعتراض الاخير رغم انه يبدو منطقيا الا انه يتناسى ان المولات هي شركات عديدة تتنافس فيما بينها اما في حالة «وول مارت» فهي شركة واحدة تقوم ببناء امبراطوريتها التجارية على ارض المحلات الصغيرة عبر التسلل رويدا رويدا الى المدن الصغيرة حيث تنعدم القدرة على مقاومة تحركاتها. وتأثير «وول مارت» سيكون ابلغ سوءا من تأثير الشركة العملاقة «مايكروسوفت» التي اصبحت تمتلك، بسبب غياب المنافسة، قوة احتكارية عالية تجعلها قادرة على التحكم بسعر السوق.وفي مدينة ديربورن، تقوم «وول مارت» بعرض منتجات عربية في فرعها الجديد الذي افتتح منذ اسابيع، وهي تستطيع ان تتحكم بالاسعار فتخفضها لما لها من قوة تنافسية. ورغم التطمينات التي يروجها المعنيين بالشركة بأنها سوف تتعاون قدر المستطاع مع اصحاب المحلات الصغيرة الا ان كل ذلك ليس الا لغوا.فماذا علينا ان نفعل؟ بكل بساطة، وبدون فلسفات وتحليلات: على الجالية العربية الاميركية ان تتسوق في محلات المدينة المملوكة للافراد. فبضع دولارات زائدة يدفعها العربي الاميركي في المحل الصغير لن تكسره ولكنها ستساهم في الحفاظ على اعمال اصحاب هذه المحلات. وليس معنى ذلك ان لا نتسوق الا في المحلات المملوكة لعرب بل في كل محل مملوك لافراد من المدينة ونحن بذلك ندعم اصحاب هذه المحلات. لكن المفارقة الحقيقية هي ان القيادات عادة ما تعمل لمصلحة ابناء الجالية، فلماذا لم تتحرك المؤسسات الاجتماعية التي تصمّ آذاننا، دوما، بصراخها عن الخدمات التي تقدمها (مع ان معظمها ليست مجانية): السر هو ان بعضها حصل على دعم مالي بأشكال مختلفة وتحت مسميات متعددة حتى يتم اسكاتها. فمرحى لسلطان المال واهلا وسهلا بكم في عاصمة العرب الاميركيين، ديربورن.
Leave a Reply