في كل الاستحقاقات الانتخابية النيابية، كان قانون الانتخاب يشكل الازمة، لانه الاساس الذي سيبنى عليه انتاج السلطة.ففي كل العهود الرئاسية، وضعت القوانين الانتخابية، خدمة لمصالح سياسية وحزبية وفئوية، وجرت التحالفات على اساسها، وتم تركيب الحكم على نتائجها. فالأزمة اللبنانية الحالية، انكشفت على حقيقتها وتدور على قانون الانتخاب للإنتخابات المقبلة في العام 2009، ويبدو ان هذا القانون هو الذي سيحدد معيار الاكثرية والاقلية في مجلس النواب القادم، وبدأ شد الحبال حول شكله والدوائر التي ستتفرع عنه.وقد عرف لبنان عدة قوانين انتخابات، منذ الاستقلال، وحتى القانون الاخير، فتم اعتماد المحافظة في الاربعينات، وجرت الانتخابات على اساس المحافظات الخمس، وتم التنافس بين الكتلتين الوطنية والدستورية، ولكن دون اعتماد النسبية، بل الاكثرية، وهذا القانون ساهم في التخفيف من حدة الطائفية، وتم التنافس بين اللوائح على اساس سياسي.لكن مع سقوط العهد الاستقلالي الاول برئاسة بشارة الخوري، الذي خلفه الرئيس كميل شمعون بثورة بيضاء، اعتمد العهد الشمعوني الدوائر الصغرى، ولقي هذا القانون انتقادات قاسية، لانه ادى الى سقوط رموز من المعارضة والى نشوب ازمة داخلية وحرب اهلية.وفي عهد الرئيس فؤاد شهاب، تم وضع قانون انتخاب على اساس القضاء وفق التقسيمات الادارية، مع دمج بعض الاقضية في حاصبيا-مرجعيون، والبقاع الغربي-راشيا، وبعلبك-الهرمل. وقد استحدث هذا القانون لصالح الموالين للعهد الشهابي ولضرب الحالة الشمعونية، فتم ضم اقليم الخروب الى الشوف، لترجيح كفة المسلمين على المسيحيين، ومنع الرئيس شمعون من الترشح في الشوف، وضمت دائرة برج حمود الى المتن الشمالي، لترجيح فوز حزب الكتائب وقسمت بيروت الى ثلاث دوائر على اساس الفرز الطائفي.هذا القانون عزز الطائفية والمناطقية، والبعض اعتبره كان ممهداً للحرب الاهلية، وانه لا يصلح اعتماده، وطالبت الاوراق الاصلاحية التي قدمتها القوى الوطنية والتقدمية، القفز فوق القضاء بإتجاه اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبية، وحسم اتفاق الطائف الموضوع بإعتماد المحافظة التي فسرها البعض على ان لا تكون المحافظات الحالية، بل اعادة توزيع التقسيمات الادارية.لكن الرئيس حسين الحسيني الذي كان وراء اتفاق الطائف ويملك اوراقه ومحاضر اجتماعاته واسراره، يؤكد ان المحافظات المقصودة هي المحافظات الخمس، لانها تعزز الوحدة الوطنية، ولا بأس ان تعتمد فيها النسبية.اما لماذا التراجع عن اتفاق الطائف واعتماد القضاء، فلإرضاء المسيحيين وتحديداً البطريرك صفير الذي يطالب بذلك، وقد تجاوب معه وزير الداخلية سليمان فرنجية في حكومة عمر كرامي عام 2005، بأن اقرت الحكومة قانون 1960، لكن لم يقره مجلس النواب، وتم العمل بقانون عام 2000 تحت ضغط الادارة الاميركية التي طالب رئيسها جورج بوش باجرائها وفق قانون الذي وضعه غازي كنعان، ووافقت عليه قوى ثورة الارز بطلب اميركي ليسجل بوش نصرا انه حقق الديمقراطية في لبنان ، بالرغم من رفض البطريرك صفير له لكن لم يستجب له من قبل ثوار الارز ولامن قبل داعميهم الاميركيين، وقد اوصل هذا القانون الذي صاغه كنعان لحلفائه في لبنان اغلبية نيابية لقوى 14 شباط، التي تحاول ان تتلاعب على القانون على اساس القضاء بإعتماد الاقضية كما هي، لأن «تيار المستقبل» يخسر مقاعد في بيروت ومناطق اخرى وتتناقص كتلته النيابية، وهو لا يناسب «القوات اللبنانية» التي لن تحصد نواباً في بعض المناطق المسيحية.فالأكثرية النيابية الحالية، تحاول ان تبقي على القانون الحالي واجراء الانتخابات على اساسه، لانه يؤمن لها 55 نائباً، وتستطيع كما يقول خصومها شراء بالمال مقاعد اخرى لتستعيد الاغلبية وتتمكن من البقاء في السلطة.فقانون 1960 وفق ما تريده المعارضة ترفضه الموالاة مما يضع صياغة قانون جديد في مهب الريح، وكذلك الانتخابات النيابية التي تقول الادارة الاميركية انها لن تحصل، وقد تؤجل وسيتم التمديد للمجلس الحالي، فهل هذا يعني ان لا قانون انتخابات ولا انتخابات، كانت متحمسة لها واشنطن في العام 2005 وتراجعت عنها خوفا من ان يخسر حلفاؤها السلطة.
Leave a Reply