واشنطن – تعددت الأسباب لتزايد الجهود الدولية لإنقاذ الاقتصاد الأميركي من أزماته الاقتصادية المتتالية، التي تعصف به من حين إلى آخر. فعلى المستوى العربي، كان من المفترض أن تستفيد الدول الخليجية من السيولة التي تُوفرها إيرادات النفط الكبيرة ولا تتأثر بانخفاضات السوق الأميركية؛ لأنه يفترض أن يكون اتجاه الأسواق العربية صعودياً؛ لأن البورصات تعكس الوضع الاقتصادي.
ورغم استفادة الدول العربية بصورة مباشرة من زيادة الإيرادات النفطية بشكل متنامٍ، إلا أن هذه الزيادة في الإيرادات قابلها ارتفاع كبير في فاتورة الواردات؛ نتيجة الارتفاعات المتوالية في أسعار السلع والخدمات؛ كنتيجة مباشرة لانخفاض قيمه الدولار عالمياً، الأمر الذي رفع من قيمه الواردات من الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وباقي دول جنوب شرق آسيا.
وأدى انخفاض قيمه الدولار إلى انخفاض قيمة الاستثمارات العربية في أسواق المال والبنوك الأميركية، وخصوصاً إذا علمنا أن الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة هي الأكبر بنسبه 70 بالمئة من إجمالي الاستثمارات العربية.
ولذا كان من الطبيعي أن تتحرك الدول العربية لبذل الجهد لمحاولة إنقاذ الاقتصاد الأميركي من عثرته؛ إنقاذاً لاستثماراتها من ناحية، وإنقاذاً لاحتياطاتها في البنوك المركزية، وتخفيضاً لارتفاعات الأسعار العالمية للسلع والخدمات.
ومن هذا المنطلق هبَّت المؤسسات الاقتصادية العربية لمد يد العون للبنوك الأميركية المتعثرة مالياً، والمتأثرة بشدة بأزمة الرهن العقاري عن طريق الاستثمار بالمليارات في هذه البنوك.
واتساقاً مع هذا أعلن المستثمر السعودي الأبرز ورجل الأعمال الوليد بن طلال رسمياً عن نيته شراء أوراق مالية قابلة للتحويل إلى أسهم يعتزم سيتي غروب بيعها في طرح خاص بقيمة 12,5 مليار دولار، وذلك سعياً منه لإنقاذ البنك المتعثر مالياً بصورة واضحة، والذي يمتلك منه 3,6 بالمئة.
و«سيتي غروب» هو واحد من أكبر البنوك الأميركية من حيث الأصول، ومُني بخسائر في الربع الأخير من العام الماضي بلغت 9,83 مليار دولار.
وكذلك هبت الكويت، عبر الهيئة العامة الكويتية التي تعود ملكيتها للدولة، بالتعاون مع سنغافورة لنجدة البنك الأميركي سيتي بنك، حيث تعهدت الدولتان بإمداد البنك بمبلغ 12,5 مليار دولار.
وتؤكد مجموعة ميريل لينش صحة التقارير التي كانت تناقلتها وسائل الإعلام حول قرب استقبالها لسيولة على شكل استثمارات من صناديق عربية وعالمية، في مقدمتها الكويت بقيمه 6,6 مليار دولار على شكل استثمارات.
وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت مجموعة «سيتي بنك» أن جهاز أبو ظبي للاستثمار استحوذ على حصة تبلغ 4,9 بالمئة من أسهم المجموعة بقيمة 7,5 مليارات دولار، في صفقة قد تُساعد المصرف المتعثر على جمع السيولة التي يحتاجها بشدة للخروج من الأزمة التي تعترضه بسبب خسائر الرهن العقاري.
أما على الصعيد الأوروبي، فرغم استفادة أوروبا من ارتفاع قيمة اليورو مقابل الدولار لمستويات قياسية عن طريق الارتفاع في قيمة الصادرات وخصوصاً مع الدول المتعاملة بالدولار، والانخفاض في فاتورة الواردات نتيجة لانخفاض أسعارها، إلا أن الأثر السلبي لانخفاض قيمة الدولار كان أقوى؛ حيث ارتفاع سعر اليورو أدى لانخفاض كبير في حجم الصادرات الأوروبية؛ نتيجة لارتفاع سعرها مقوماً بالدولار.
وهناك خطة مشتركة بين البنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الأميركي وبنوك مركزية أخرى سيتم من خلالها ضخ المليارات من الدولارات في الأسواق المالية؛ لتوفير السيولة والتخفيف من آثار أزمة القروض العقارية الأميركية.
وعلى الصعيد الأميركي، ومع بداية أزمة الرهن العقاري الأميركي عام 2007 تدخل البنك المركزي الأميركي أكثر من مرة لتهدئة أسواق المال عن طريق ضخ أموال في القطاع المصرفي تجاوزت حدود 300 مليار دولار خلال فتره ستة أشهر، وذلك في محاولة للتنشيط الاقتصادي.
كما اتجه البنك المركزي إلى استخدام الأدوات المالية الأخرى للتأثير على الأوضاع الاقتصادية المتردية، فقام البنك بتخفيض سعر الخصم بين البنوك أكثر من مرة، ثم قام بتخفيض أسعار الفائدة ست مرات منذ أيلول (سبتمبر) 2007، وهي إجراءات رفعت كثيراً من نسبة التضخم، وجعلت الدولار يهوي إلى أدنى مستوياته أمام اليورو الأوروبي، وجعلت الاقتصاد الأميركي ينحدر بشكل متسارع نحو الركود.
كما أعلن البنك المركزي الأميركي وبنوك مركزية أخرى عن خطة لضخ 200 مليار دولار في أسواق المال؛ لمساعدتها في التغلب على تداعيات أزمة قروض الرهن العقاري خلال الأيام القادمة.
وبنظرة متفحصة إلى الأدوات التي اتبعها البنك المركزي الأميركي لمواجهة العجز نجد أن هناك خللاً كبيراً في استعمال السياسة المالية لمواجهة الأزمة؛ فمشكلة الاقتصاد الأميركي لا تُعالج بتخفيضات متتالية في أسعار الفائدة، لأن الخلل فيه هيكلي وليس دورياً.
لذا أصبح الأميركيون يعيشون بأكثر مما ينتجون ويكسبون، ويساعدهم على ذلك أمران : الأول، هو قيام بقية دول العالم بشراء سندات دين الحكومة الأميركية بمليارات الدولارات.
والثاني، هو احتفاظ البنوك المركزية حول العالم بمئات المليارات الدولارات ذات القيمة المتراجعة.
ولا يمكن أن يستمر العالم في إنقاذ الاقتصاد الأميركي لمجرد أنه أكبر اقتصاد، أو لأن انهياره سيجر معه بقية دول العالم لركود كبير.
فالتغيير المتوالي لأسعار الفائدة وسعر الخصم في فترات زمنيه بسيطة يُوحى للاستثمار بعدم الاستقرار، وهو ما يفسر عزوف معظم الدول عن الاستثمار في مجال السندات الأميركية أو أسواق المال.
فالاقتصاد الأميركي يحتاج لقرارات قوية صعبة لا تقوى الإدارة الحالية على اتخاذها وخصوصاً في موسم الانتخابات، لا إلى مجرد مسكنات مؤقتة.
Leave a Reply