رفض السعودية تحديد موعد لبري رسالة انها لن تفرط بلبنان بعد العراق
جنبلاط يقبل بالحوار للتسوية والحريري يخشى قانون الانتخابات النيابية
لا يبدو ان الحوار الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري، سيسلك طريقه، وبالتالي فان جلسة انتخاب رئيس للجمهورية المحددة في 13 ايار الحالي، سيكون مصيرها التأجيل، كمثيلاتها الجلسات الـ18 التي ارجأها رئيس مجلس النواب، لعدم اكتمال النصاب القانوني بالشكل، اي التئام اكثرية ثلثي اعضاء مجلس النواب، ولان الاتفاق السياسي لم يحصل حول التمثيل في الحكومة، وعلى قانون الانتخاب الذي سينتج السلطة المقبلة بعد الانتخابات النيابية في العام 2009، ويبقى الخلاف قائماً ما لم تحصل حلحلة حوله، وهو امر مستبعد مع تشبث كل طرف في الموالاة والمعارضة بموقفه، وبتنا امام «جدل بيزنطي»، حول من قبل من «البيضة ام الدجاجة»، بحيث المطروح هو من قبل رئاسة الجمهورية اولاً ام الاتفاق السياسي على الحكومة وقانون الانتخاب، وهو الخلاف نفسه الذي وقع مع بدء الازمة، المحكمة الدولية قبل حكومة الوحدة الوطنية، ام الثانية قبل الاولى، وهذا يعني ان الثقة مفقودة بين الطرفين، وهو ما اكتشفه واكد عليه الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.
فهذه الثقة المفقودة لها عنوان واحد هو من يملك القرار داخل المؤسسات الدستورية، وتحديداً الحكومة التي هي بموجب الدستور السلطة الاجرائية المنوط بها الحكم في لبنان.
وقد تعثرت كل المبادرات والحلول، لان كل فريق من الفريقين المتصارعين، يخشى ان يمسك خصمه بالقرار، ويضعه في يد اطراف خارجية، فتتهم الموالاة المعارضة بانها تسعى الى اعادة النفوذ السوري الى لبنان، ومعه الحضور الايراني، في حين ترى المعارضة ان الفريق الحاكم يعمل لوضع لبنان تحت الوصاية الاميركية والارتباط بالمشروع الاميركي، وهو ما يؤكده الدعم الذي يلقاه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من الرئيس الاميركي جورج بوش.
هذه هي خلاصة الصراع الذي انتقل من رئاسة الجمهورية التي لم تعد تشكل نقطة خلاف بعد التوافق على قائد الجيش العماد ميشال سليمان كمرشح اجماع، يلقى دعماً عربياً ودولياً، واشادة به من سوريا ورئيسها بشار الاسد، فان الازمة انتقلت الى قانون الانتخاب، مع تخطي عقبة مطالب المعارضة لجهة الثلث الضامن داخل الحكومة، التي قد تكون حكومة انتقالية في سنة الانتخابات النيابية.
فالمقايضة المطروحة هي رئاسة الجمهورية مقابل قانون الانتخاب الذي يخشى الحريري ان يكون اولا على حسابه وحجمه النيابي، ثم على مستوى بقاء الاغلبية النيابية الحالية التي تعطيه فرصة ان يصبح رئيسا للحكومة، وهو الحل الذي يرى الرئيس بري انه يجب التحاور عليه، والوصول الى اتفاق «اعلان نوايا»، لفتح الطريق امام انتخابات رئيس للجمهورية.
واقتراح الرئيس بري لقي تجاوباً من قبل النائب وليد جنبلاط، الذي يدعو الى تقديم تنازلات من الطرفين، وان الفرصة مؤاتية لتحقيق تسوية، تنطلق من التفاهمات التي حصلت على طاولة الحوار في النصف الاول من عام 2006، والتي اكدت على ترسيم الحدود مع سوريا واقامة علاقات دبلوماسية معها، واقفال ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتنظيمه داخلها من خلال حوار لبناني- فلسطيني، وهذه مكتسبات ينظر اليها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بايجابية وان تكن ما زالت نظرية، ويعتبرها خطوات متقدمة نحو حل الازمة التي يبقى سلاح المقاومة كنقطة للحوار من ضمن استراتيجية دفاعية كان البحث فيها قد بدأ وتقدم واوقفه العدوان الاسرائيلي في صيف 2006.
لذلك تشجع رئيس «اللقاء الديمقراطي» للحوار، واندفع باتجاهه، لان قانون الانتخاب على اساس القضاء هو مطلب الموالاة، فلا يجوز تعطيل الحوار حوله، بل يجب القبول به، وهو لا يمانع في اقراره طالما ان كل القوانين التي اقرت بعد اتفاق الطائف منذ العام 1992، كانت تأتي في جبل لبنان لصالحه على اساس القضاء، في وقت كانت تجري على اساس المحافظة في الدوائر الاخرى كما نص اتفاق الطائف.
وقد نجح جنبلاط في اقناع حلفائه في قوى السلطة، ان يتجاوبوا مع دعوة بري للحوار، الا ان رفع النائب سعد الحريري لمطلب انتخاب رئيس الجمهورية اولاً، مهما كانت نتائج الحوار والحصول على ضمانة بهذا الشأن من المعارضة قبل الذهاب الى الحوار، وان تكون جلسة 13 ايار مميزة ويتم فيها انتخاب رئيس الجمهورية، اي مقايضة حضور جلسات الحوار بانتخابات رئاسة الجمهورية، حيث رأى الرئيس بري في موقف الحريري شرطاً تعجيزياً، ورفضاً مسبقاً للحوار، وقد اطاح بالتفاؤل الذي ساد من ان ثمة حلا منتظراً، ترافق مع اشارات ايجابية نقلها الرئيس نبيه بري من سوريا، انها لا تمانع باي توافق لبناني، وان لا مشكلة لديها بانتخاب العماد سليمان الذي ذكاه الرئيس بشار الاسد وتمنى على الرئيس بري ان يعلن ذلك باسمه من امام قصر الشعب في سوريا، كتأكيد ان دمشق لا تضع شروطاً او عراقيل امام الانتخابات الرئاسية في لبنان، بعكس ما يروج خصوم سوريا ويتهمونها بتعطيلها وقد تم ربط حضور القمة العربية بانجاز الاستحقاق الرئاسي، الذي لم يحصل فتم تخفيض الحضور السعودي والمصري والاردني الى مستوى مندوب الجامعة العربية، بعد ان كان الرهان ان لا تعقد بسبب هذا الاستحقاق، لكن هذه المحاولة لم تنجح، وفشلت الادارة الاميركية في ذلك ومعها حلفاؤها.
فلا مشكلة سورية بانتخاب العماد سليمان، وكذلك ليس عند المعارضة اي اعتراض عليه، لان الازمة تتخطى رئاسة الجمهورية الى الحكومة، ومن بعدها قانون الانتخاب، وهو ما تتهرب الموالاة في البحث بهما، كما تقول اوساط المعارضة، لان من مصلحتها بقاء حكومة السنيورة وهو ما عبرت عنه وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس التي حبذت بقاء الفراغ الرئاسي، كما ان الرئيس بوش يواصل اتصالاته بالسنيورة مؤكداً دعمه لاستمرار حكومته، وانه سيعمل لحمايتها ومنعها من السقوط، لانها تعبر عن مصالح اميركا وحلفائها العرب، حيث اكد الرئيس المصري حسني مبارك، ان ازمة لبنان طويلة، ولا انتخابات رئاسية قبل العام 2009، في وقت اعلن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ان بلاده تدعو اللبنانيين للتوحد لمواجهة الهيمنة الجديدة الساعية الى وضعه كحلقة في نفوذ اقليمي يناقض الخيار القومي والعربي، والمقصود هو ايران التي تتهمها كل من مصر والسعودية والاردن بانها تعمل الى اقامة «هلال شيعي» يمتد من ايران عبر العراق مروراً بسوريا وصولاً الى لبنان، وستقف هذه الدول ضده، ويأخذون على الادارة الاميركية، انها في حربها على العراق ساهمت في تقوية الوجود السياسي الايراني فيه، وان حكومة نوري المالكي تابعة لايران، ولا يمكن لهذه الدول ان تقبل بسيطرة شيعية على حكم في دولة، كان في عهدة السنة.
هذا هو المنطق السائد الذي يجري تحويله الى صراع مذهبي سني-شيعي او قومي بين عربي وفارسي، وهو سبب الخلاف السعودي-السوري، حيث تريد المملكة ان تبتعد سوريا عن ايران وتعود الى حضنها العربي، لانها في موقعها المتحالف مع «الدولة الفارسية»، فانها تمد لها جسر عبور الى الدول العربية وتحديداً في المشرق العربي، وتحويل هوية هذه البلدان وتحولها الى الشيعة، او الارتباط بالمشروع الايراني الذي يتجه نحو ان يصبح «امبراطورية فارسية».
فالسعودية التي تعتبر انها خسرت العراق واصبح خاضعاً للنفوذ الايراني، الذي قد يمتد الى المنطقة الشرقية من المملكة حيث الوجود الشيعي الكثيف الجالس على آ بار النفط، فتخشى العائلة الحاكمة لآل سعود، ان تفقد هذه الثروة وتقع تحت سيطرة حلفاء لإيران، مع الخطر الذي يتهدد السعودية من خطر تفتيتها، وهو المشروع الاميركي المرسوم لتقسيم المنطقة والجزيرة العربية من ضمنها.
والتصلب الذي تنتهجه الموالاة في لبنان، تجاه الحل، ورفض القبول بمشاركة المعارضة في السلطة، يعود الى ان السعودية قلقة من خسارة لبنان، الذي تعتبر انها ورثته من سوريا بعد خروجها منه، ووصول «تيار المستقبل» الى السلطة من خلال كتلة نيابية كبيرة تضم حوالي 40 نائباً، والامساك بالشارع السني، وتركيب مؤسسات للدولة، تدين بالولاء لقوى 14 شباط.
لذلك لن يعبر الحوار طريقه، وسيتعثر حل الازمة اللبنانية، لان السعودية ترفض التنازل كما الولايات المتحدة عن لبنان، وعندما لم يتم تحديد موعد للرئيس بري لزيارة الرياض، فان الرسالة وصلته بان الحل ممنوع ان يمر عبر دمشق، ووفق شروطها، ولا بدّ ان يسلك طريقاً آخراً، وان يبدأ بإنتخاب رئيس للجمهورية دون شروط، وان تشكل حكومة من الاكثرية، وهو التعبير الواضح عن ان المسؤولين السعوديين، لن يسلموا لبنان مرة جديدة لسوريا، ولن يشاركوها ايضاً في الحل الذي كان يراهن الرئيس بري ان يخرج من اتفاق البلدين وما سماهه «س-س»، لكن امنياته خابت، فعاد الى مقولة «لبننة الحل» عبر «ل-ل»، اي الحل اللبناني-اللبناني، الذي ينطلق من حوار داخلي، لكنه جوبه برفض من الاكثرية التي اتهمته انه يحاول ان يغطي الخلاف اللبناني-السوري او ازمة العلاقات اللبنانية ذ السورية.
وهكذا تسقط مبادرة بري الحوارية في السجال الداخلي، والشروط والشروط المضادة، وتدخل الازمة اللبنانية في «الستاتيكو»، الا اذا طرأت عوامل داخلية وخارجية وحركتها، اما بإتجاه الحل او الانفجار، لانه وبحسب المراقبين لا يمكن ان تبقى الامور مجمدة في ظل ازمات سياسية ودستورية وامنية وضائقة اقتصادية واجتماعية، كلها تسبب في نشوب توترات داخلية، والاتجاه نحو فتنة داخلية، وما يمنع حصولها، هو ان لا قراراً داخلياً بإشعالها وتحديداً من «حزب الله» الحريص على ان لا ينزلق سلاح المقاومة نحو الداخل كما يخطط المتآمرون عليها، واعتبار سلاحها سلاحاً مذهبياً، والمقاومة ميليشيا، وقد سقطت كل محاولات تشويه المقاومة، واظهارها على انها «دولة ضمن الدولة»، واستغلال بعض الممارسات التي تقع في مناطقها، لإستعادة صورة المقاومة الفلسطينية في بداية السبعينات بعد الانفلاش المسلح لها تحت حجة حماية المخيمات من الاعتداءات الاسرائيلية التي كانت مستمرة عليها، اضافة الى عمليات الاغتيال التي استهدفت قادة المقاومة آنذاك، ومن ابرزهم كمال عدوان وكمال ناصر ويوسف النجار.
فالسعودية التي تؤكد دائماً انها مع انتخابات رئاسة الجمهورية، لا تقدم جديداً لحل الازمة التي هي سابقة لحصول الفراغ الرئاسي الذي نتج من الخلاف الداخلي بين اللبنانيين، والذي كان قائما اثناء وجود الرئيس اميل لحود في قصر بعبدا، ولن تحل اذا ملأه العماد ميشال سليمان الذي سيرث ازمة قد لا يستطيع حلها، طالما ان مبادرات عربية ودولية، لم تفلح في تفكيك اوصال الازمة، وفك عقدها وترابطها بين رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة وقانون الانتخاب وصولاً الى العلاقات اللبنانية-السورية.
فالكل يعمل على تقطيع الوقت، امام استحقاقات قادمة، وسوريا التي تجيد اللعب على حافة الهاوية لن تقدم تنازلات للادارة الاميركية الحالية المنهارة، وهي لن تعطيها في العراق ولن تقدم لها شيئاً في فلسطين ولن تساعدها في لبنان، وهذه الملفات تملك سوريا اوراقاً قوية فيها، قد تفاوض عليها ادارة اميريكية جديدة، لا سيما اذا جاءت من الحزب الديمقراطي الذي اعترف بدور سوريا الاقليمي وانها مدخلاً لحل ازمات المنطقة.
كما ان سوريا التي تحاول اسرائيل ان تغريها بمفاوضات حول الجولان والتنازل عنه، لن تذهب سريعاً اليها، اذا لم يكن الحل شاملاً في فلسطين ولبنان، وهي لن تسلكك طريق الحل المنفرد على حساب حق الشعب الفلسطيني، وعلى استرداد اراض لبنانية محتلة، بل هي لن تعقد صفقة تبعدها عن ايران كحليف استراتيجي، لان الدولتين تملكان من اوراق القوة، بما يجعل تأثيرهما قوياً في المنطقة، وهو ما يقلق السعودية التي تفتش دائماً عن دور عربي واسع وحضور اقليمي، فلم تنجح حتى الآن، لان الخيارات التي تتخذها كدولة حليفة للولايات المتحدة لا تعطيها سوى الضعف امام الشعوب العربية وتحديداً الشعب السعودي الذي تستفزه عمليات قتل الاطفال في غزة وتحركه الجرائم التي ترتكبها اسرائيل بحق الفلسطينيين كما اللبنانيين.
Leave a Reply