القاهرة – دخلت الحكومة المصرية دوامة رهيبة من رفع الاسعار تضعها في مواجهة خطر انفجار اجتماعي وتضخم خارج عن السيطرة. فيما أعلن سائقو الحافلات الخاصة إضرابا عاما عن العمل وأصحاب المخابز يهددون بالإضراب، وحكومة نظيف تدخل «مدار الرعب».
فلتمويل زيادة رواتب الموظفين بنسبة 30 بالمئة التي قررها الرئيس حسني مبارك اقر البرلمان الاثنين الماضي سلة اجراءات برفع اسعار الوقود والتبغ بنسبة تتراوح بين 30 و50 بالمئة. وهو ما انعكس فورا على الشارع حيث نفذ سائقو الحافلات الصغيرة اضرابا عاما عن العمل مطالبين بزيادة تعريفات الركوب بعد يوم من زيادات في الاسعار أقرها البرلمان وشملت أسعار البنزين والسولار.
وبدورهم هدد أصحاب مخابز انهم سيضربون عن العمل اذا لم تعوضهم الحكومة عن الزيادة في أسعار السولار الذي تعمل به مخابزهم.
الا ان الاقتصاديين يرون ان قرار الرئيس المصري المفاجىء الذي يهدف الى امتصاص موجة الاستياء الشعبي والتهديد بالاضراب في الرابع من الشهر الحالي يوم عيد مولده الثمانين، يهدد بزيادة التضخم الذي يبدو بالفعل خارجا عن السيطرة مع بلوغه 15,8 في اذار (مارس) بسبب ارتفاع اسعار المواد الغذائية.
وارتفاع اسعار الحبوب ولا سيما القمح هو الذي اغرق مصر التي تستورد 55 بالمئة من احتياجاتها من الحبوب، في ازمة كبيرة لها اثار اجتماعية خطيرة.
واعتبر برنامج الاغذية العالمي ان «سلة» السلع الغذائية للاسرة المصرية المتوسطة التي تشكل 40 بالمئة من مؤشر الاسعار ارتفعت بنسبة 50 بالمئة منذ مطلع العام. واججت ازمة نقص الخبز المدعوم حالة الغليان الشعبي في هذا البلد الذي يعاني من عدم مساواة رهيبة حيث يعيش 44 بالمئة من سكانه البالغ عددهم نحو 80 مليون تحت عتبة الفقر او قريبا منها اي مع دولارين في اليوم.
واذا كانت الازمة لم تتحول بعد الى «اضطرابات جوع»، كما حدث في اماكن اخرى، فان اعمال شغب ويومين من التظاهرات العنيفة في مدينة المحلة الكبرى، حيث يوجد اكبر مجمع لصناعة النسيج، كشفت مدى الكلفة الاجتماعية.
في المقابل تفاخرت حكومة احمد نظيف المكونة من تكنوقراط ورجال اعمال باعلان نتائج الاصلاحات الليبرالية المشجعة مثل ارتفاع معدل النمو الى 7 بالمئة والاستثمارات السنوية بنسبة 38 بالمئة.
ولخفض العجز العام الذي بلغ 7 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي قررت الحكومة ان ترفع تدريجا الدعم المكلف الموروث من العهد الناصري والذي يذهب ثلثاه الى الوقود.
وفي مواجهة ازمة الخبز لم يكن امامها خيار سوى زيادة دعم هذه السلعة الاساسية بالنسبة للمصريين الذين يعدون من اكبر مستهليكه في العالم مع 400غرام يوميا للفرد.
ومع وقف تصدير الارز قررت ايضا في نيسان (ابريل) الماضي اعفاء ضريبيا شبه تام لواردات 111 منتجا اساسيا تبدأ من الحليب الى الاسمنت.
وفي الوقت الذي يتصاعد فيه الاستياء من نظام الرئيس مبارك الذي يحكم البلاد منذ 27عاما يبدو ان الهدف من زيادة الرواتب التي اعلنت في اول ايار (مايو) كان احداث صدمة نفسية اكثر منها اقتصادية.
ويرى الخبراء ان الكلفة السنوية لهذا الاجراء في ميزانية الدولة لا تتعدى 11 مليار جنيه اي ملياري دولار. الا ان الخبراء يتساءلون عما اذا كانت ستؤدي الى زيادة لرواتب العاملين في القطاع الخاص.
ويقول غي بوبيه مدير بنك «ان.اس.جي.بي» الذي يعد من اكبر البنوك المصرية الخاصة «لا، لاننا لا نستطيع المقارنة بين شرطي يتقاضى 200 جنيه شهريا وبين موظف شاب في بنك يبدأ بتقاضي 2500 جنيه».
واضاف ان «ارتفاع الاسعار غير محتمل بالنسبة للطبقات الشعبية والحكومة اضطرت للخضوع من دون تعريض استراتيجيتها الاقتصادية الجيدة للخطر».
وفي مواجهة ارتفاع النفقات العامة يتوقع ان تجلب سلسلة قرارات رفع الاسعار التي اعتمدت الاثنين حوالى ستة مليارات جنيه (1,1 مليار دولار) الى خزينة الدولة.
وبموجب هذه القرارات سترفع اسعار الوقود بحوالى 40 بالمئة والسجائر المحلية بنسبة 10 بالمئة.
وتهدف هذه الاجراءات الى تخفيف حجم الدعم الذي يتوقع ان يزيد بنسبة الضعف للعام المالي 2008/2009 ليرتفع من 64,3 مليار جنيه الى 128,4 مليار (23 مليار دولار) اي 16 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي.
وقال احمد السيد الباحث الاقتصادي في مركز دراسات الاهرام معلقا «هذا سيزيد التضخم. انهم يأخذون بالشمال ما اعطوه باليمين لمحدودي ومتوسطي الدخل باليمين».
ووافق مجلس الشعب الاثنين الماضي على زيادات حادة في أسعار الوقود والسجائر ورسوم تراخيص السيارات اقترحها الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم لتدبير اعتمادات لزيادة في مرتبات العمال والموظفين أعلنها الرئيس حسني مبارك الاربعاء.
وقال رئيس الوزراء أحمد نظيف بعد موافقة البرلمان على رفع الاسعار ان الزيادات التي ستتقرر في تعريفات ركوب الحافلات الصغيرة ستكون ضئيلة للغاية. وكان نظيف يدافع عن زيادات الاسعار التي قال سياسيون ومواطنون ان الفقراء سيتحملون أعباءها.
ويقول السائقون ان زيادات أسعار السولار الذي تعمل به الحافلات الصغيرة تكلف الواحد منهم حوالي 50 جنيها (9,4 دولار) يوميا.
وكثير من السائقين يشترون الحافلات الصغيرة بالاجل ويسددون أقساطا شهرية كبيرة لبائعيها.
Leave a Reply