يخاف «حزب الله» من فتنة سنية-شيعية لطالما هددته بها السلطة وتوعدته باشعال فتيلها ان هو سار في تحركه الاعتراضي الى نهايته واستعمل الشارع لاسقاط الحكومة وتبديل الامر الواقع. فهم «حزب الله» هذه المعادلة التي حكمت تحركه وضبطته منذ احداث 23 كانون الثاني 2007، حتى مل جمهورد المعارضة حالة الانتظار والترقب التي عاشها منذ احداث الجامعة العربية اوائل العام المنصرم. وكان طرح المعارضة باعتماد قانون انتخابات عام 1960 رسالة واضحة منها بانها سوف تنتظر الى حين الانتخابات النيابية المقبلة صيف 2009، ما يعني بانها لن تمل من حالتي الانتظار واللا فعل اللتين تعيشهما. في نفس الوقت تأكدت قوى «14 اذار» بأن المعارضة و«حزب الله» تحديداً لن يقدما على اي تحرك من شأنه تأجيج الشارع ووقوع ما يخشاه الحزب: الفتنة السنية-الشيعية.
اعتقدت السلطة بأن «حزب الله» لن يواجه قراراتها الاخيرة بالشارع خوفاً من المحظور، ولكن ما غفلته السلطة بأن قراراتها الاخيرة تضرب المقاومة في الصميم وتكشف اسرارها امام اسرائيل، سيما وان الامر متعلق بشبكة الامان التي بنتها المقاومة على طول البلاد وعرضها لحماية كوادرها وتأمين حركة الاتصالات البينية بعيداً عن اسماع الداخل المخترق في جزء منه والمتواطئ في جزء آخر، اضافة الى امر آخر تعمدت السلطة القفز فوقه وهو المس بالتوازنات الطائفية في الادارات متذرعة بأن بديل العميد وفيق شقير سيكون من الطائفة الشيعية، وكأنها تقول بأن النائب باسم السبع يمثل الطائفة الشيعية في السلطة!.
وضعت السلطة «حزب الله» امام خيارين: الخيار الاول هو السكوت عن قرارات الحكومة الاخيرة والاكتفاء بالاحتجاج السياسي والتحرك الشعبي الصوري غير المجدي وغير المفيد. ما معناه ان المقاومة رضخت للتهديد وفتحت الباب امام نزع سلاحها، لان القبول بنزع شبكة اتصالاتها وهي عصب المقاومة وعقلها، سيفتح شهية السلطة في المستقبل لالتهام سلاح المقاومة ومقايضته بالفتنة السنية – الشيعية.
الخيار الثاني هو المواجهة العنيفة في الشارع وافهام السلطة مجتمعة بأن المساس بسلاح المقاومة غير مسموح به، وستسقط كل الحواجز والمحرمات امامه. واذا كان فريق من السنة في لبنان يناصب المقاومة العداء ويتخذ من اسرائيل حليفة ضمنية له، فليتحمل هو المسؤولية عن ما يحصل في بيروت والمناطق. واذا كان المفتي محمد رشيد قباني ارتضى لنفسه باسم السنة ان يسعر الفتنة ويصب الزيت على نارها، فليتحمل هو ومن يتبعه المسؤولية.
اعتمد «حزب الله» الخيار الثاني بمشاركة فعلية من الرئيس نبيه بري سعياً لحماية سلاحه ولاسقاط معادلة الفتنة السنية-الشيعية مقابل سلاح المقاومة.
لم يستعمل حزب الله عصاه الغليظة بوجه السلطة وتيار المستقبل، انما قدم لهما سيناريو مبسط عن ما يمكن ان يحصل اذا تجرأ احد على سلاح المقاومة.
الملفت في كلام النائب سعد الحريري وصله لما يدور في الشارع برزمة حل سياسية تتخطى الاسباب المباشرة لاندلاع الاشتباكات، عبر طرح مبادرة حل تقضي بسحب المسلحين من الشارع مقابل وضع القرارين المتنازع عليهما في عهدة الجيش وانتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية، وهو امر مستعصي منذ اشهر طويلة، ولم تفلح كل الوساطات والمبادرات في ايجاد مخرج لانتخاب رئيس للجمهورية، واذا بالنائب الحريري يريد تحقيق هذا الامر من خلال الابتزاز والاستغلال المباشر لاحداث بيروت. والملفت ايضاً في كلام حضرة النائب الحريري اعتباره ان القرار المتعلق بنزع شبكة اتصالات المقاومة هو لحماية الدولة وغير موجه ضد المقاومة التي اعتبرها افلست في شوارع بيروت، كذلك فان اقالة العميد شقير من عمله في جهاز امن المطار فقد اعتبره الحريري بأنه غير موجه ضد المقاومة وضد الطائفة الشيعية كما لو انه يعرف مصلحة الطائفة اكثر من ابنائها.
اصر الحريري على ان المعارك الدائرة هي سنية – شيعية في مسعى لتأليب السنة وتعبئهم ضد الشيعة، في المقابل كان السيد حسن نصرالله حريص على ابعاد شبح هذه الفتنة مشيراً الى دور رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط في هذه المعارك وفي تسبيبها، وفي نفس الوقت قدم ابسط الحلول المتمثلة في تراجع «حكومة جنبلاط» عن قراريها الاخيرين، ومن تلك يتبين من هو المسؤول عن استمرار المعارك عبر التصلب في الشروط والمكابرة وربط الحل بانتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية.
كسر حزب الله معادلة الفتنة المذهبية مبرهناً بأنه يستطيع السيطرة على معظم مناطق العاصمة بيروت ذات الغالبية السنية من غير ان تقع الفتنة وتستعر، وهو بذلك اخرج نفسه من دائرة الابتزاز والتهديد الذي كانت تمارسه عليه السلطة، معلناً قواعد جديدة للعبة سوف تظهر خطوطها العريضة في الايام القليلة المقبلة، واهمها ان اوان التهميش واللامبالاة قد ولى وعلى قوى السلطة من الآن وصاعداً ان تتعامل مع الامر الواقع الجديد.
Leave a Reply