قانون الانتخاب كان العقدة فحلت بعدم كسر الحريري بيروتياً
اتفاق الدوحة فرضه تغيير موازين القوى داخلياً وعربياً ودولياً
توصل اللبنانيون الى ما كان يجب ان يتوصلوا اليه قبل سنة ونصف السنة، عندما طالبت المعارضة الوطنية اللبنانية، بالمشاركة في الحكومة من خلال اعطائها الثلث الضامن، الذي اختل داخل حكومة فؤاد السنيورة، بانتقال الوزراء الذين كانوا محسوبين على الرئيس اميل لحود الى موقع قوى 14 شباط، التي باتت تملك اكثرية الثلثين في الحكومة، مما دفع بوزراء حركة «امل» و«حزب الله» الى الاستقالة احتجاجاً، بعد ان بدأ التراجع عن البيان الوزاري فيما خص المقاومة لجهة حمايتها وضمان وجود سلاحها لتحرير ما تبقى من ارض محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، حيث شعرت المقاومة انها باتت مستهدفة، وكرس العدوان الاسرائيلي في صيف 2006، توقعاتها.
رفضت الموالاة منح المعارضة الثلث الضامن، ولم تكن انتخابات رئاسة الجمهورية مطروحة، وكذلك قانون الانتخاب، الذي عقد الرئيس نبيه بري طاولتي حوار وتشاور بشأن المواضيع الخلافية ولم يوفق بحل لهما، بسبب تعنت الفريق الحاكم الذي كان يستند الى دعم خارجي اميركي واوروبي وعربي وتحديداً سعودي ومصري واردني، مما دفع بالمعارضة الى اعتماد التظاهر ومن ثم الاعتصام، لكن هذا الاسلوب السلمي لم ينفع بزحزحة قوى السلطة في ان تقبل بالمشاركة من خلال صيغة حكومية تقوم على 19 للموالاة و11 للمعارضة، فتدخلت جامعة الدول العربية وطرح امينها العام عمرو موسى صيغة من 19+10 ووزير ملك يسمى من ضمن سلة اسماء ويكون حيادياً بين الطرفين، ولما اقترب الطرفان من الاتفاق، تدخلت الادارة الاميركية لمنعه، وقام موسى بجولات مكوكية انتهت الى الاخفاق، بعد ان ظهر انحيازه الى الفريق الحاكم، مما انعكس تشنجاً سياسياً واحداثا امنية في الشارع، كان اخطرها اندلاع اشتباكات مسلحة في منطقة الطريق الجديدة والجامعة العربية واحياء بيروتية اخرى في 25 كانون الثاني من عام 2007، كادت ان تفجر صراعاً مذهبياً بين السنة والشيعة، كما وقعت اشكالات امنية بين «القوات اللبنانية» من جهة و«التيار الوطني الحر» و«تيار المردة» من جهة اخرى في مناطق المتن الشمالي وكسروان وجبيل والبترون، وقد توقفت بسبب تدخل سعودي- ايراني، دون تقديم اي حل سوى منع الانفجار الامني، واستمرار الحوار الذي رعته فرنسا بعد فوز نيكولا ساركوزي برئاستها فارسل وزير خارجيته برنار كوشنير وموفده برنار كوسران لتأمين انعقاد طاولة حوار في سان كلو التي توصلت الى بنود اتفاق في تموز 2007 حول حكومة وحدة وطنية على اساس نسب تمثيل الكتل النيابية لكل من الفريقين، وحاولت فرنسا ترجمة هذا الحوار في مبادرة من خلال اتصالات مع كل من دمشق وطهران لمساعدتها في الحل، وتوصلت الى ذلك، على قاعدة تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون تمثيل الموالاة فيها بنسبة 55 بالمئة والمعارضة 54 بالمئة اي 17-13، لكن تدخل الادارة الاميركية عبر مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد وولش عطل هذه المبادرة، وكان تم التوافق على العماد ميشال سليمان مرشحاً توافقياً، بعد ان انتهى عهد الرئيس اميل لحود وحصل الفراغ في رئاسة الجمهورية، حيث لم تتمكن قوى 14 شباط من انتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائداً واحداً، لانها لم تتمكن من تأمين 65 نائباً، بسبب رفض بعض النواب الموالين المشاركة في مثل هذه الجلسة، كما ان مثل هذه المغامرة لم يؤمن لها البطريرك نصرالله صفير الغطاء المسيحي، لانها كانت ستفجر لبنان من خلال انتخاب رئيس ثان للجمهورية، بعد ان كان تم التوصل الى اتفاق بعدم ذهاب المعارضة الى تأليف حكومة ثانية عشية ترك الرئيس لحود للقصر الجمهوري، على ان تبقى الامور على حالها من «ستاتيكو» توصلا من خلال الحوار الى حل للازمة، حيث كان الرئيس بري يدعو الى جلسات لانتخاب رئيس للجمهورية ويؤجلها وبلغت 81 جلسة، بسبب رفض الموالاة الموافقة على حكومة وحدة وطنية فيها الثلث الضامن للمعارضة مع قانون انتخاب على اساس قانون 1960، وكانت تصر على الانتخاب فوراً وترك معالجة هذه الامور الى الرئيس الجديد للجمهورية.
ومع تعثر المبادرات والحلول، لا سيما المبادرة العربية الاخيرة التي قامت على سلة متكاملة من ثلاثة بنود تقوم على انتخاب الرئيس فوراً وتشكيل حكومة وحدة وطنية وقانون انتخاب على اساس القضاء، بدأ التشنج السياسي على الارض يتصاعد ويرافقه توتر امني مع تهديد كل فريق بانه سيلجأ الى اجراءات تصعيدية، حتى جاء قرار الحكومة المتعلق بشبكة اتصالات المقاومة ليفجر الوضع السياسي والامني، وقد خرجت بذلك عن الاتفاق بين الموالاة والمعارضة، ان تقوم الحكومة بتصريف الاعمال فقط، وان لا تلجأ الى قرارات مصيرية، تمس الوحدة الوطنية وقضايا استراتيجية تتعلق بسلاح المقاومة.
فجّر قرار الحكومة الوضع على الارض، والذي كانت تهرب منه المعارضة، وتحديداً المقاومة، لانها لا تريد ان تزج سلاحها في الداخل كما كان يؤكد دائماً قائدها السيد حسن نصرالله، الا انها اضطرت الى استخدامه دفاعاً عنه وحماية له، بعد ان ظهر ان هناك قراراً اميركياً بضرورة نزع سلاح المقاومة وتنفيذ القرار 1559، واذا لم تتمكن الحكومة من ذلك فان تيري رود لارسن هدد بتدويل الازمة، ووضع القرار تحت الفصل السابع والاستعانة بقوات دولية وعربية، وهو ما طالب بها سمير جعجع، الذي كان عائداً من زيارة للولايات المتحدة الاميركية وتلقى تعليمات من ادارتها بتحريك موضوع سلاح المقاومة.
قامت المعارضة بقيادة «حزب الله» بعملية جراحية، وانتشاراً مسلحاً، لردع الحكومة والضغط عليها للتراجع عن قرارها، وهذا ما حصل، وكان المدخل الى استعجال الحوار الذي كان رفضه الفريق الحاكم بعد ان جدد الرئيس بري الدعوة اليه «لاعلان نوايا» حول حكومة وحدة وطنية وقانون انتخاب، حتى ان المعارضة قبلت بالتنازل عن الثلث الضامن في الحكومة لصالح قانون انتخاب على اساس قانون 1960، لكن الموالاة رفضت الحوار، واعلن النائب سعد الحريري ان 13 ايار وكان موعد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، انه في هذا اليوم سيتم الانتخاب ولو من طرف واحد، حيث كان جعجع يصر على ذلك، لكن المعارضة التي قامت بانتفاضة شعبية دفاعاً عن المقاومة، ولجأت الى العصيان المدني بقطع الطرقات الى المطار والمرفأ وبعض احياء العاصمة لتحقيق مطالبها، ووقعت العاصمة بيروت في قبضة المعارضة، وحصلت تحركات في الجبل، فرضت على النائب وليد جنبلاط بعد رئيس «تيار المستقبل» الى تسليم المكاتب ونزع الاسلحة منها، واعلنا الاستسلام بعد ان تمت محاصرتهما في مقري اقامتهما، وباتت السراي معزولة، واعلن رئيس الحكومة تراجعه عن قرار الحكومة، في الوقت الذي كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يطالب بالتسوية ويقدم التنازلات ويدعو انصاره الى تسليم السلاح والهدوء، حيث تبين له ان اميركا التي اتصل رئيسها جورج بوش بالسنيورة لن تستطيع انقاذ حلفائها، وان المدمرة «يو اس كول» لن تكون افضل من «نيو جرسي» التي جاءت عام 1982 لانقاذ امين الجميل وتمكينه من ان يحكم ففشلت وانسحبت، وهذه المرحلة يعرفها جنبلاط الذي يتذكر كيف اسقطت المعارضة وكان هو منها انذاك الحكم الفئوي الكتائبي وفرضت تشكيل حكومة وحدة وطنية، فعاد عن تشدده بعد ان كان يرفع شعار «يا قاتل او مقتول» في الرد على القبول باعطاء المعارضة حقها في المشاركة بالحكومة، الى الموافقة على التنازل للمعارضة، وقرر المشاركة في طاولة حوار تعقد في الدوحة بعد ان تم تشكيل لجنة وزارية عربية برئاسة رئيس وزراء قطر الشيخ حامد بن جاسم، الذي تدخل بقوة لانجاح المبادرة العربية التي تعثرت مع عمرو موسى الذي فقد صدقيته لدى المعارضة، فحضرت اللجنة الى بيروت بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب، وتم فتح طريق المطار لها، في وقت كانت الحكومة تلغي قرارها ضد المقاومة، وتوصلت اللجنة العربية الى برنامج للحوار في العاصمة القطرية، اذيع من فندق فينيسيا في بيروت، وبعد 42 ساعة على وجودها في لبنان، واصطحبت معها فريقي الصراع في طائرة واحدة، ليتحاورا في الدوحة على بندي الخلاف وهما الحكومة وقانون الانتخاب. ولم توظف المعارضة نتائج تحركها على الارض، بالرغم من انه حرك الحوار، كما شجع العرب على ان يتوافقوا لانهاء الازمة التي بدأت تهدد بانفجار فتنة مذهبية وحرب اهلية ستتطاير شراراتها الى الدول العربية، وقد تتحول الى حرب اقليمية مع التحريض الاميركي لما يسمى الدول العربية المعتدلة ضد ايران، وان الصراع هو مع تمددها في العالم العربي لتحقيق حلم الامبراطورية الفارسية، ونمو الطائفة الشيعية وتوسعها وتحول مواطنين الى هذا المذهب.
وحاولت الموالاة تعطيل توظيف ما حققته المعارضة في بيروت، وقامت بحملة اعلامية وسياسية بان السنة في لبنان مهددون، وان وجودهم بخطر، وهناك محاولة لالغائهم سياسياً من قبل «حزب الله» لفرض سيطرة ايران على لبنان، وهو ما تصدت له السعودية مباشرة، عبر وزير خارجيتها سعود الفيصل الذي سعى الى تعطيل عمل اللجنة العربية وقلب اولويات عملها الى انتخاب رئيس الجمهورية دون البحث في تشكيل الحكومة التي عليها ان تبحث في تعديل الدستور لمنع تغيير هوية لبنان القومية، والهيمنة عليه، والمقصود ايران وحلفائها وتحديداً «حزب الله»، وهو ما شجع الموالاة على التشدد في الحوار وعدم التنازل، بعد ان كان متوقعاً ان يدوم الحوار ليوم او يومين فقط، لكن القرار السعودي والموقف الذي اعلنه الرئيس الاميركي بالمواجهة مع «حزب الله» ومساندة حكومة السنيورة ودعمها عسكرياً، اخرّ التوصل الى حل سريع في قطر، وكاد الحوار ان ينفجر منذ الساعة الاولى لبدئه، عندما طرح جعجع موضوع سلاح المقاومة، وهوبند غير مدرج على جدول الاعمال، وكذلك سعى الرئيس امين الجميّل لبحث موضوع سلاح المقاومة ومعه النائب سعد الحريري الذي تحدث هو والسنيورة عن الامن في بيروت، فلم يتجاوب مدير الحوار الشيخ جاسم مع مطلب هؤلاء،لان هذا الموضوع لم يأت في نص اعلان فينيسيا، فطوي لأنه متروك لحوار يترأسه رئيس الجمهورية بعد تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ومع فشل الموالاة في تعطيل الحوار او فرض شروطها، وبعد ثلاثة ايام من اللقاءات والمفاوضات، بدأ التنازل من قبلها ، فوافقت على الثلث الضامن للمعارضة في حكومة وحدة وطنية، وطالبت ان تتنازل لهم المعارضة عن قانون الانتخاب لانه هو من سينتج السلطة في الانتخابات النيابية عام 2009. رفضت المعارضة المقايضة، حيث شعر الفريق الحاكم، ان عدم القبول بمطالب المعارضة اليوم، فان خسائره ستكبر، فهو خسر مرشحه لرئاسة الجمهورية، ولم يتمكن من ان يحكم عبر حكومة السنيورة التي فقدت سلطتها على الارض، وقد تلقى النائب جنبلاط رسالة تحرك المعارضة بانها جاءت في لحظة اقليمية ودولية، وفهم ان اميركا تبيع حلفائها في مثل هذه اللحظة، حيث اشتم ان المشروع الاميركي يتراجع، ويتقدم المحور السوري-الايراني، وان هذا التحول بدأ مع انعقاد القمة العربية في دمشق، ومباشرة تركيا وساطة بين سوريا واسرائيل، وتراجع الدور السعودي الذي صدمها موقف صديقها الرئيس الاميركي جورج بوش في الكنيست الاسرائيلي حول تأييده الكامل لإسرائيل الذي اعلن يهوديتها ووقوفها الى جانب «شعبها المختار» اضافة الى معلومات وردت من العراق عن احتمال حصول صفقة اميركية في العراق مع ايران حول حل ميليشيا السيد مقتدى الصدر وتحقيق انتصار اميركي في الموصل.
كل هذه الاشارات الخارجية، قرأها جنبلاط انها لغير صالحه وحلفائه ، لا بل بدأ يقول في مجالسه، توقعوا عودة الجيش السوري، في وقت بدأ الحريري كلمته في الحوار، بتهديد المعارضة بتنظيم القاعدة بقيادة ايمن الظواهري، في اشارة منه الى ضعف تياره السياسي وسقوطه السريع وانهيار شعبيته. كل هذه العوامل فرضت على الموالاة ان تقبل بشروط المعارضة، بعد ان تلقت رسالة من السعودية انها لا تستطيع ان تفعل شيئاً، وان اميركا مشغولة في ازماتها الداخلية وفي مستنقع العراق.
فحكومة الوحدة الوطنية، التي اصبحت امراً واقعاً، فان الحديث بدأ على من سيرأسها بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، حيث سيبدأ فوراً استشارات نيابية ملزمة، اذ ان الاغلبية ستسمي شخصاً منها، وان سعد الحريري يبرز اسمه في الطليعة، فاذا لم يوافق فقد يعود السنيورة، لكن المعارضة تضع «فيتو» عليه، لكنها قد تقبل به لأن عمر الحكومة سيكون اقل من سنة، وعملها هو الاشراف على الانتخابات، كما يطرح اسم الوزير محمد الصفدي اضافة الى اسم الوزير بهيج طبارة.
اما قانون الانتخاب، فقد نجحت المعارضة في فرض ما كان قدمه الوزير السابق سليمان فرنجية اي العودة الى قانون 1960 من دون تعديل في التوزيع الاداري، ليعيد حقوق المسيحيين الانتخابية وهو ما دافع عنها العماد عون في الدوحة ونجح في تحقيق اهدافه، الا ان عقدة بيروت تقدمت على ما عداها، لان سعد الحريري شعر انه بخسارته مقاعدها النيابية، قد يفقد مع حلفائه الاغلبية النيابية وكذلك رئاسة الحكومة، فأصر على تقسيم بيروت وفق مصالحه الانتخابية وحلفائه، لكن المعارضة لم تقبل معه، وجرى التوزيع عادلاً بين الحريري والمعارضة، حيث اعطي عشرة مقاعد في الدائرة الثالثة التي فيها اكثرية سنية؟، كي لا يظهر شعور وان ثمة من يريد الغاءه سياسياً، وهو ما لم تفعله المعارضة التي اعلنت انها لا تريد اتفاقاً فيه غالب ومغلوب، وهي تطالب بالمشاركة فقط.
وهكذا انتهت الأزمة بعد 81 شهراً، بتحقيق المعارضة مطالبها، وخسارة الموالاة رهاناتها لا سيما الاميركية، وعاد التوازن الداخلي، وبالتوافق وان كان الثمن كان عالياً بسقوط اكثر من مئة شهيد وعشرات الجرحى واضرار مادية.
Leave a Reply