ضباط هددوا بالإستقالة وتراجعوا مع عدم وجود غطاء سياسي لهم
العماد سليمان تعلم من تجارب قادة جيش سبقوه وربح الرهان
خرج الجيش اللبناني من الأزمة السياسية والدستورية، قوياً ومتماسكاً، وتمكن من ان يحفظ وحدته، التي كادت ان تتهدد، اذ نجح قائده العماد ميشال سليمان في ان يبعده عن التجاذبات السياسية والصراعات الداخلية، فتمكن من ان يحفظ الامن ويمنع انزلاق البلاد نحو الحرب الاهلية، فشكل نقطة لقاء لكل الاطراف السياسية التي اجتمعت على ان يفصل بينها، اذا ما وقعت اشتباكات بين احزابها، وهذا ما حصل في الحوادث الامنية، التي اندلعت في اكثر من منطقة، منذ انفجار الأزمة، وخروج المعارضة الى الشارع واعتماد التظاهر والاعتصام.
وقد تعلم العماد سليمان من تجارب اسلافه من قادة الجيش، لا سيما اللواء فؤاد شهاب الذي منع زج الجيش في ازمتين سياستين الاولى عندما تحركت المعارضة في ايلول 2591 في عصيان مدني لإسقاط الرئيس بشارة الخوري، مما اضطر الاخير الى تقديم استقالته وتعيين شهاب رئيساً للحكومة للإشراف على انتخابات رئاسية، وانتخب كميل شمعون مرشح المعارضة رئيسا للجمهورية، الذي حاول ادخال الجيش في عام 1958 ضد المعارضة، لكن شهاب رفض طلبه ، مما اضطر شمعون الى التراجع عن فكرة التجديد له لولاية ثانية.
هذه التجربة كانت ماثلة امام العماد سليمان وقبله العماد اميل لحود الذي شهد ايضا كيف انهار الجيش وتشرذم عندما استخدمه الرئيس امين الجميّل ضد معارضيه، فرفض ايضاً توريطه من جديد، لكنه كان يشدد على ضرورة ان يكون الجيش وطنياً وله عقيدة وطنية، فيؤمن الاجماع عليه، ويتراجع التشكيك فيه، كما حصل في السبعينات والثمانينات عندما تم اضعاف الجيش الذي رفض فريق سياسي لبناني تسليحه وتدريبه في مواجهة اسرائيل، تحت عنوان «ان قوة لبنان في ضعفه» وهذا شعار رفعه بيار الجميّل، مما وضع طرف لبناني آخر ضد الجيش الذي كان يطالب بتسليحه، وهذا ما افقده دوره في الحفاظ على وحدته ومن ثم تكليفه حفظ الامن ومنع انفجار الصراع المسلح الداخلي.
لقد درس العماد سليمان واقع الجيش جيداً، فلم يتركه على الحياد او وضعه في الثكنات، مع اشتعال حرب اهلية فيه، بل ابلغ السياسيين، ان خلافاتكم السياسية يجب ان لا تخرج الى الشارع، لان استخدامه، ستكون له انعكاسات سلبية على المؤسسة العسكرية التي يجب الحفاظ عليها، لتضمن بقاء المؤسسات الدستورية الاخرى، واستمرار الوضع طبيعياً، ريثما يتم التوصل الى حل سياسي، حيث استطاع قائد الجيش من ان يصل الى هذا الهدف، عندما طالبه المسؤولون والقياديون ان يتدخل لوقف اشتباكات في جامعة بيروت العربية والمدينة الرياضية ومحيطهما وبعض شوارع بيروت، كما منع حصول اشكالات امنية في اكثر من منطقة، وكان امتحانه الكبير في مخيم نهر البارد، في مواجهة تنظيم «فتح الاسلام» المعروف بإنتمائه الى القاعدة، وتمكن من القضاء على هذا التنظيم الاسلامي الاصولي، الذي تبين ان له وجود في مناطق عديدة من لبنان، فتم تفكيك شبكات له، و قد فشلت محاولة زجه في صراع مع المقاومة وجمهورها في احداث الشياح مار مخايل وتم تجاوز هذه الحوادث، من خلال القضاء والثقة الموضوعة بالجيش وقائده الذي لم يتراجع عن دعمه للمقاومة التي تكن له كل التقدير بعد ان تعمدت بالدم المواجهة المشتركة بينهما ضد العدو الاسرائيلي، حيث سقط للجيش عشرات الشهداء والجرحى وتدمير مراكزله اثناء العدوان الاسرائيلي صيف 2006، وهو ما زاد من الثقة الشعبية فيه، وعزز ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، لانه على مسافة واحدة من الجميع.
وقد حاولت اطراف سياسية في 14 شباط، التشهير بموقف الجيش في اثناء احداث بيروت، واتهامه بأنه غض النظر عن تحرك المعارضة التي سيطرت على العاصمة، وقد سعت هذه الاطراف الى التشكيك بحيادية العماد سليمان، واعتباره انه لم يعد مرشحاً توافقياً، لكن هذه المحاولة فشلت، لان الوقائع على الارض اكدت ان الجيش قام بمهمته خير قيام، لأنه في ظروف الحروب الداخلية، فان الوضع يبقى دقيقاً، لان الجيش لا يمكنه معالجة حرب شوارع بين المواطنين ونجح في ان يكون نقطة التواصل بين الطرفين المتنازعين ليفصل بينهما بناءاً لطلبهما، الا ان اخطر ما كان ينتظر الجيش هو تهديده من الداخل، كما حصل في مرحلة السبعينات والثمانينات، بالطلب من ضباط من طوائف ومذاهب معينة، الخروج من المؤسسة العسكرية والاستقالة احتجاجاً على عدم حيادية الجيش في بيروت، وقد تحرك عدد من الضباط من المسلمين السنة يقال ان عددهم حوالي اربعين، بتقديم استقالاتهم، كما تناقلت وسائل اعلام وبعض القوى السياسية، والتي نفتها قيادة الجيش، ونبهت السياسيين عدم المس بوحدة الجيش.
ومن الروايات التي تم تداولها، ان تهديد ضباط بالاستقالة، تم استيعابه، بعد ان تدخل النائب وليد جنبلاط واتصل بالنائب سعد الحريري، وطالبه بالتدخل لمنع حصول هزة داخل الجيش فيدخل لبنان في فوضى امنية وفتنة داخلية.
كما تدخل جنبلاط مع عدد من الضباط الدروز ونبههم من اي تحرك سلبي، رداً على ما جرى في الجبل، وابلغهم انه يعالج الموضوع ولن تتوسع الاشتباكات وانه اتخذ قراراً بعدم الدخول في معارك عسكرية، وسيسلم المكاتب والسلاح الى الجيش لانه المؤسسة التي يجب الحفاظ عليها، لان البديل هو دخول الجيش السوري، حيث انزعج رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي من تصريحات بعض حلفائه في قوى السلطة لا سيما سمير جعجع، وبعض الوزراء في الحكومة وقيادات من «تيار المستقبل» ضد الجيش، وقد طالب قائد «القوات اللبنانية» بإستقدام قوات امن عربية واسلامية، وهو بذلك يؤكد عدم ثقته بالجيش.
ان محاولة فرط الجيش من قبل اطراف السلطة، يصب في الخطة التي نفذتها اميركا في العراق عندما قامت بحل الجيش العراقي بناء لطلب الحاكم الاميركي بول بريمر الذي عاد واعترف بخطئه، مع الانهيار الذي اصاب المؤسسات وانتشار الميليشيات وقيام حروب مذهبية وطائفية وعرقية. لقد فشلت محاولات زج الجيش بالصراعات الداخلية، وفي تهديد وحدته، وهذا ما فتح طريق القصر الجمهوري امام قائده العماد سليمان.
Leave a Reply