كُتب هذا المقال لرجل واحد، يمثل نموذجا للعمل المخلص. ولا اريد ان اقع في اسلوب المدح العربي، وسأترك الوقائع تتكلم عن نفسها. والقصة تشبه سيناريو يصلح لفيلم قد ينال اوسكارا او اثنين.
محور القصة: مدير ثانوية «فوردسون» الاستاذ عماد فضل الله؛ المكان: مدينة العرب الاميركيين، ديربورن؛ الموقع: مدرسة فوردسون؛ الزمان: تاريخ لا يرجع بالزمن اكثر من بضع سنوات؛ عنوان القصة: رجل يحاول البناء وآخرون غير مبالين (ولا اريد الوقوع في فخ المثل العليا والقول انها قصة الخير مقابل الشر)؛ المعنيون: كلنا، نحن العرب الاميركيون، ومستقبل ابنائنا وبناتنا. محركو الفتنة: موظفون في المدرسة، متعصبون دينيا، مستعدون ان يستعملوا كل الوسائل، بما فيها الاتهامات العنصرية دينيا، ليبرروا اما تعصبهم الديني او يغطوا على اخطائهم الاخلاقية.
على الجانب الآخر، هناك مجموعة كبيرة جدا من اهالي الطلاب، العرب طبعا، اجتمعوا، بطريقة تدعو للدهشة، وبكل رقي، للدفاع عن عماد فضل الله (الذي لا يحتاج دفاعا اصلا لأن الوقائع معه وليست ضده). مكان الاجتماع: جلسة «المجلس التربوي» الاسبوعية في الطرف الغربي من المدينة، حيث تم نقاش اتهامات وجهت الى المدير.
اما الاتهامات فانقسمت الى نوعين: الاول، اتهامه بصفع صبي في المدرسة (16 عاما) بأن فضل الله وجه له صفعة على وجهه؛ الاتهام الثاني: عماد فضل الله يفصل الموظفين في المدرسة بسبب ديانتهم المسيحية.
وفي هذه المعمعة، دخلت الى الخط نجمة الاتهامات العنصرية «ديبي شليسيل» صاحبة المدونة الشهيرة، ووجهت، كما العادة، تهم الارهاب والتعامل مع «حزب الله» لمدير المدرسة فضل الله. (من يدري؟ قد يكون دليلها على ادانه «فضل الله» ان آخر كلمة في اسم عائلته تتشابه مع اسم «نصر الله»!)
نتيجة التحقيق الذي تم في التهمة الاولى: لم يضرب فضل الله الصبي؛ التهمة الثانية: يراد فتح تحقيق فيها، وسنورد كل حيثيات التهمتين هنا.
اما شخصيات القصة فهي:
الشخصية الاولى هي المدرب المتطوع «تراي هينكاك» وهو داعية مسيحي ينتمي الى كنيسة «جماعة الرب» في ديربورن، اخذ تلميذ من المدرسة الى مشوار بارك على بحيرة، واستعمل معه اسلوبا خبيثا: انزله في الماء ووضع يده على رأسه وجعل شخص ثالث يصوره وهو على هذه الحالة (وضعية التعميد) ثم قال للتلميذ: انت اصبحت الآن مسيحيا، لقد تعمدت.
لم يكن من التلميذ الا ان جاء الى فضل الله وروى ما حصل له. «هينكاك»، ايضا، يوزع مناشير دعوة مسيحية في المدرسة اثناء ساعات الدوام. ولم يكن من فضل الله الا ان استدعى «هينكاك» واخبره انه خرق قانون «فصل الدين عن الدولة» والذي يمنع الدعوة الدينية اثناء الدوام الدراسي. وطلب منه ان لا يدرب في المدرسة بعد ذلك. اكثر من ذلك، في الموقع الخاص بهذا المدرب المتطوع، (قام بالغاء موقعه على الانترنت لاحقا) كتب «هينكاك» بأن «الله بعث به الى مدرسة فوردسون كي يهدي التلاميذ الى دين الله من باب تدريب الفريق الرياضي» وهذه اعترافات قاصمة للظهر وتقدم ادانة قاطعه على نيته.
الشخصية الثانية هي مدرب الفريق الرياضي «دجيري»، الذي لم يستمع الى الاوامر الادارية التي اصدرها له فضل الله بمنع المدرب المتطوع «هينكاك» بالتدريب والاختلاط بالطلاب. ولقد اعترف «دجيري» ان مدير المدرسة عماد فضل الله طلب منه مرارا عدم السماح لـ«هينكاك» بالتدريب ولم ينصت له، رغم انه قانونا مُلزم باتباع اوامره. و«دجيري» بهذا يكون قد خرق القانون من جهتين: الاولى انه لم يستمع الى اوامر المدير الادارية، والثانية انه ساعد او سهل الطريق لـ«هينكاك» ليتابع خرقه لقانون «فصل الدين عن الدولة». فما كان من فضل الله الا ان قال له بأنه لن يبقى في موقع مدرب الفريق للعام القادم. «دجيري» ايضا، ويا للمصادفة، من اتباع نفس الكنيسة.
الشخصية الثالثة هي استاذ في المدرسة «كيلفين ماكورميك»، كان تحرش بتلميذين جنسيا، بعد ان اخذهما ليبيتا عنده في منزله. وبعد وصول الخبر الى مدير المدرسة وفتح تحقيق جنائي في المسألة قام فضل الله بتوقيف «ماكورميك» عن العمل حتى تظهر نتائج التحقيق (مع بقاء مرتبه ساريا)، ثم استقال «ماكورميك» بعد ان صدر حكم بإدانته. ولقد علمت «صدى الوطن» ان للاستاذ فضل الله دور كبير في مقاضاة هذا الاستاذ، على الاخص وان التحقيقات كادت ان تقف لعدم وجود الادلة الكافية. الا ان اصرار فضل الله على اظهار الحقيقة دفع التحقيقات قدما واوصل المحققين الى ادلة ادانت «ماكورميك». و«ماكورميك»، ويا للمصادفة التي سينذهل لها قانون الصدفة نفسه، هو داعية مسيحي ايضا وينتمي الى نفس الكنيسة، كنسية «جماعة الرب» في ديربورن.
وللذي يراقب دون ان يعلم التفاصيل، لا يستطيع الا ان يشك بأن معاملة ثلاثة اساتذة مسيحيين من نفس الكنيسة بهذا الشكل من قبل فضل الله، وهو مسلم وعربي (وهنا تكمن كلمة السر) لا يمكن الا ان يكون موقفا دينيا ضد هؤلاء. لكن لنقلب العبارة بالعكس، لماذا لا يكون التصرف السيء لهؤلاء الثلاثة الذين ينتمون الى كنيسة واحدة له علاقة بشيء ما مرتبط بهذه الكنيسة.
على كل، هنا دخلت الى الحلبة بطلة الاتهامات «ديبي شليسيل»: اتهمته بأنه اسلامي ومرتبط بالـ«ارهاب العالمي» المتمثل بـ«حزب الله». طبعا عند «شليسيل» ثأر من فضل الله، فهي في السابق كالت له الاتهامات بسبب مساندته للتلاميذ الثلاثة الذين اتهموا في اوهايو بالارهاب بسبب كمية من الهواتف الخليوية كانت بحوزتهم وتبين لاحقا انهم غير مذنبين، في ذلك الوقت، لم يخفي فضل الله نفسه خلف اصبعه كما يفعل الكثيرون ويحاولون ان يلتزموا الصمت مخافة ان يطالهم بعض الاتهامات. بل وقف وساند تلامذته وتبين انه على حق. كان ذلك صفعة لـ شليسيل تريد ردها له. وتحاول ردها الآن بكيل الاتهامات له.
في المقابل، وهنا تتوافق كل عناصر القصة لتتأهل عن جد الى مرتبة فيلم سينمائي، حدث ان ثارت مشكلة بين تلميذ (16 سنة) ومدرب، علا فيها صوت التلميذ كثيرا وبدأ بقصف المدرب بكلام نابي. فما كان من فضل الله، وهو لم يكن طرفا في المشكلة، الا ان نزل الى الملعب واخذ يهدئ من غضب التلميذ ووضع اصبعين على خده ليدير وجهه ناحيته ويكف عن ترديد الكلام النابي. وسوّيت المشكلة.
وصلت القصة الى علم «هينكاك» (الشخصية الاولى) فبدأ بحبك حبال المكيدة: بعث برسالة الى «المجلس التربوي» مدعيا ان فضل الله صفع الصبي على خده. ودليله ان معلمة كانت مارة بقرب المشكل وسمعت دوي الصفعة! (ارجو الانتباه الى «سمعت») ثم قام هو وآخرون بتعبئة عقل الصبي والتغرير به ليدعي على فضل الله. غير ان الصبي لما وقف بين يدي «المجلس التربوي» لم يدع على فضل الله بل كل ما قاله هو «على هذا التعسف العقلي ان يتوقف» ويظهر ان احدا قد لقنه هذه الجملة. لكن كل الشهود الذين حضروا الحادثة شهدوا ان ليس ثمة صفعة وان فضل الله ليس طرفا بل هو الذي حل المشكلة. واعلن المجلس التربوي بعد انتهاء التحقيق ان ليس ثمة «صفعة».
لكن الاتهامات لم تتوقف، فـ فضل الله، يسلك في ادارته للمدرسة سلوك المسؤول لا عن تعليم التلاميذ فحسب بل عن اخلاقهم ايضا، وبالطبع عندما نتكلم عن اخلاق فلن يطبق فضل الله اخلاق الرومان في المدرسة بل سيطبق اخلاق الثقافة التي ينتمي اليها التلاميذ واهاليهم: من هذه الاخلاق انه يطلب من الصبايا الاحتشام، ومن الشباب يطلب الالتزام باللباس المناسب وعدم المجيء بالـ«مشاية» الى المدرسة. فثارت ثائرة الكارهين له، ولنجاحه، ولحب التلاميذ له، ولموقفه من كل من لا يلتزم بأخلاقيات المهنة، وقيل بأنه يطبق اجندات دينية في المدرسة!!
دينية؟ اين الدين في منع الشباب ان يحضروا الى المدرسة بالـ«شحويطة»؟ (يتساءل احدهم!) على العكس، التقليد الديني يحبذ على لبس «المشاية» (يقول رجل مدافع)، لأن الحذاء عادة غربية (يقول ثالث). على كل، المهزلة ثارت مجددا عندما منع فضل الله معلمة من المضي في دعوة الصبايا الى حفلات تعارف، واتهم مجددا بنفس التهم.
عماد فضل الله لديه منطق سليم وبسيط، وهو ان يرفع من مستوى المدرسة، ويقف ضد كل من لا يريد ان يقوم بواجبه من الاساتذه او ضد كل من يريد ان يحقق مآرب خير اخلاقية. القصة تطول كثيرا وفيها من التفاصيل ما يحتاج الى حلقة ثانية. لكن نختم بمشهد واحد: اهالي وطلبة تجمعوا في اجتماع المجلس التربوي لأول مرة في تاريخ المجلس ولهم هدف واحد: يريدون ان يبقى عماد فضل الله في المدرسة، لأنه لولاه لما ادخل الكثير من الاهل ابناءهم الى هذه المدرسة التى تغير مستواها كثيرا الى الافضل بشهادة كل الذين القوا كلمات في ذلك الاجتماع. وعندما تقول اكثر من ام انها ما كانت لترسل ابنتها او ابنها الى فوردسون لو لم يكن فيها مدير مثل فضل الله فإن هذا يعني الكثير!
Leave a Reply