بعد أيام وبالتحديد في 5 حزيران يحتفي الفلسطينيون بالذكرى 41 للنكسة، تاريخ هزيمة ثلاثة جيوش عربية واحتلال إسرائيل لسيناء وهضبة الجولان والضفة الغربية، في حرب لم تدم أكثر من ستة أيام، في حقيقتها حسمت في ست ساعات، نفذ خلالها سلاح الجو الإسرائيلي ضربة إستباقية للمطارات الحربية في مصر وسوريا دمرّت خلالها المقاتلات العربية وهي جاثمة على الأرض، تلى ذلك قصف جوي للمعسكرات وإرتال الدبابات ومرابض المدفعية للجيوش المصرية والسورية والأردنية، بما في ذلك مئات الدبابات وناقلات الجند العراقية تم مهاجمتها وتمزيقها وهي في طريقها نحو الأردن قادمة لمدّ يد العون للقوات الأردنية، حينها أطلق العاهل الأردني الراحل الملك حسين صيحته عبر إذاعة عمّان إلى جنوده أن «قاتلوا بأسنانكم وأظافركم» والحق يقال أن الجنود الأردنيين حينها دافعوا دفاعا مستميتا عن مدينة القدس وكانت عندئذ تحت السيادة الأردنية، لكن ما نفع القتال بالسلاح الأبيض والسماء مليئة بهدير الطائرات الإسرائيلية والأرض تجتاحها جنازير الدبابات.
من شدة سذاجة الناس أيامها وتسليمهم لذقونهم وعقولهم إلى أنظمة لا تستحق الإحترام، إن كانوا يستمعوا إلى إذاعة «صوت العرب» التي كانت تنطلق من القاهرة، وكان يأتيهم فيها مدويا صوت أحمد سعيد مهددا ومتوعدا الإسرائيليين بإلقائهم في البحر حال دخول الجيوش العربية إلى فلسطين وتحريرها، وكان أن رسم صورة وردية لمجريات الحرب، أوهم الجماهير فيها بأن القوات العربية قاب قوسين أو أدنى من دخول تل أبيب، وان طائرات العدو تتساقط كالذباب، وجنوده جبناء لا يقوون على مجابهة الجنود العرب. في تلك الأثناء كان موشي ديان يرفع العلم الإسرائيلي على أسوار القدس وكانت المدن الفلسطينية ترفع الأعلام البيضاء واحدة تلو أخرى، فيما كان جمال عبد الناصر يحضّر لإستقالة مدوية أعلنها مباشرة عقب النكسة، ليطالبوه بالعدول عنها، وتحميل أوزار الهزيمة كاملة لكبش فداء كان عبد الحكيم عامر، أما السوريون والذين كانوا يخرجوا من إنقلاب عسكري ليدخلوا في آخر، فقد حملت الأحداث حينها حافظ الأسد لسدة الرئاسة التي بقي فيها حتى مات.
شاءت الأقدار في حرب 1967، أن لا يكون الكيان الإسرائيلي قوة عظمى يمتلك عددا كبيرا من السكان، فقد كانت الحدود العربية مفتوحة أمام الجيش الإسرائيلي كان بإمكانه دخول القاهرة وعمان ودمشق وإحتلالها في بضع ساعات، لولا الخشية من عدم القدرة على السيطرة على ملايين العرب.
ثم جاءت بعد النكسة بست سنوات حرب أكتوبر شنها المصريون والسوريون في رمضان المبارك عام 1973 تيّمنا بهذا الشهر الفضيل، وكان الإسرائيليون مشغولين بالإحتفال بعيد الغفران، ولاحت تباشير النصر في تلك الحرب للعرب. حينها كاد الإسرائيليون أن يهاجمهوا العواصم العربية بقنابلهم النووية، لولا أن تدخلت الولايات المتحدة وأقامت جسرا جويا لدعم الكيان الصهيوني ومنع هزيمته وإنهياره، فانقلبت تباشير نصر العرب إلى نذر هزيمة نكرة، وتدخلت أطراف دولية لوقف الحرب، أعلن السادات بعدها خروج مصر من معادلة الصراع، بعد أن تأكد له أن لا حول لبلاده بقتال أميركا، ثم فعلت الاردن ما فعلته مصر فأبرمت إتفاق صلح مع إسرائيل، ولم يبق في خندق الصمود سوى سوريا التي سعت بدورها إلى دعم حركات مقاومة مسلحة في كل من لبنان وفلسطين أثبتت على مدى السنوات الماضية أنها السبيل الأوحد للتحرير، فتحرّر الجنوب اللبناني وتحرّرت غزة، فيما نجم عن الإنتفاضة الفلسطينية الأولى دخول قوات منظمة التحرير إلى الضفة الغربية تبع ذلك مفاوضات بين السلطة والإحتلال لم تفضي إلى حلّ، لتندلع الإنتفاضة الثانية ويموت عرفات وينقسم الفلسطينيون ويقيموا كيانين واحد محاصر في غزة والآخر هزيل ومقطع الأوصال في الضفة.
بالأمس احتفل الفلسطينيون بذكرى النكبة واليوم يحتفلون بذكرى النكسة، وكلاهما ذكريات للإنكسار، فهل يأتي غد يحتفلون به بذكريات للتحرير والنصر؟
ذلك سؤال يبقى في عهدة أمة، إن هي وحدّت كلمتها ونفضت عن جناحيها غبار الذل والإستسلام، ستحقق نصرا، لتروي أجيالها القادمة ملحمة خلود كتلك التي نرويها عن أسلافنا في أزمان عربية مجيدة.
Leave a Reply