من السذاجة التعويل على تشكيل الحكومة المزمعة واعتبارها الحد الفاصل بين ما كان قائماً قبلها وبين ما اصبح مستجداً بعدها. فالمسألة لا تعدو سوى بضعة نقاط بقيت ناقصة سجلتها المعارضة على قوى السلطة في دفتر الازمة اللبنانية المفتوح منذ صدور القرار 1559 والتجديد للرئيس العماد اميل لحود في أواخر عام 2004. هذه النقاط التي لم تكتمل بعد بانتظار ولادة حكومة العهد الاول العتيدة حيث ترجمتها تكون بالثلث القاتل لفعالية السلطة وسيطرتها على مرافق الدولة الحيوية، اضافة الى كسر شوكة فريق 14 آذار وتحديداً الفريق المسيحي المتمثل بسمير جعجع والرئيس الاسبق امين الجميل ومتفرقات «قرنة شهوان». إلا ان اكتمال تحقيق النقاط هذا لا يعفيها من النقصان، لان الاخير متأصل في اساس اتفاق الدوحة لاعتبار وحيد اوحد هو عدم اقرار التقسيمات الادارية التي نص عليها اتفاق الدوحة بعد جلسة القسم مباشرة التي تلت انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، الامر الذي شكل مناخاً مؤاتياً لقوى السلطة لان تلعب لعبة تضييق الخناق على الجنرال عون كونه المعني الاول والاب الحقيقي لقانون الاقضية الانتخابي الذي اقره اتفاق الدوحة، ليصبح الجنرال الاول امام خيارين، اما القبول بحصة هزيلة في الحكومة من اجل الحفاظ على مكسب قانون القضاء، واما رفض الحصة المطروحة وبالتالي لا حكومة ولا قانون انتخاب جديد.
وقد نجح الرئيس المكلف فؤاد السنيورة بداية في عصر الخلافات على الحقائب الحكومية وصولاً الى حصرها في حلقة ضيقة بطلاها الجنرالان الميشالان المتصارعان على وزارة الدفاع، في معركة استباقية خفية تدور رحاها في منطقتين مسيحيتين حيويتين، المتن بين كل من الميشالين ايضاً، الجنرال السبعيني والنائب المتني المخضرم ميشال المر. وفي جبيل بين الجنرالين المرقطين: الاول زعيماً وممثلاً لاكثرية القواعد المسيحية، والثاني رئيساً مسيحياً بلا قواعد، ويفتقر للتمثيل الشعبي، ويسعى بطريقة ما لتشكيل هالة جماهيرية تحيط به وتعطيه شرعية شعبية تغطي وجوده في سدة بعبدا. ولكن الجنرال الثاني تنبه الى خطورة خوض مواجهة مبكرة مع قائده السابق وهو الذي يعرفه عن كثب ويعرف عناده في السياسة، فأتت التفاتة الرئيس سليمان تجاه الجنرال لتعطيه رسالة طمأنة مفادها بأن بعبدا لن تتجرأ على نفوذ الرابية ولن تنازعها ملكها، ولو ان هذا لا يكفي لطمأنة العماد عون، فإن الموقف الذي اتخذه اركان المعارضة في دعم الرابية والوقوف وراء مطالبها كان العنصر الاكثر طمأنة، وكما انه كان العنصر الاكثر تأثيراً الذي دفع بعبدا للتطلع ناحية الرابية مجدداً والوقوف عند خاطرها.
إلا ان ذلك لا يعني زوال الخطر الذي يمثله رئيس الجمهورية على نفوذ الجنرال عون في المرحلة اللاحقة، لان الرئيس الحالي تحكمه توازنات المرحلة التي حملته الى قصر الرئاسة، وهي بالطبع لن تبقى هي بعد انتخابات 2009، ومن المؤكد ان الرئيس سليمان لن يقبل بحصة هزيلة مؤلفة من حقيبتين ووزير دولة. اضف الى ذلك ان الجنرال عون هو الهدف الوحيد المتوفر لقوى السلطة لاسباب تتعلق بالواقع الجيوسياسي للطائفة المسيحية الذي لم يزل يسمح بالتبدلات في مزاج الناخب وفقاً لاداء المسؤولين، خلافاً لما هي الحال عند «حزب الله» وحركة «امل» حيث كانت عملية الاستقطاب تتم حصرياً فيما بينهما قبل ان يلتئم شملهما في القفص الذهبي الذي تحول الى فيتو مسدس موجه الى رأس كل حكومة كانت في الماضي وستكون في المستقبل. لذا فقد فتح هذا الواقع شهية السلطة على محاربة العماد عون واضعافه قدر المستطاع، فوضعت لذلك سيناريو متخيلاً يقوم على الهجوم على عون من قبل مسيحي السلطة حتى يرد الانتخابات المقبلة منهكاً متعباً وقد اثقلته الجراح الداخلية، فتتشرذم مملكة الرابية تحت ازيز المليارات السياسية المغدقة بسخاء على «حمل السلطة الوديع» سمير جعجع وعلى امينها النجيب سليل الكتائب وعلى ايتام «قرنة شهوان» من الغابرين. فيتناهشها المنتظرون بتوق لرؤية الانهيار المذهل والكبير لمملكة ظلت عصية حتى اللحظة على كل انواع الضغوط والابتزاز والاغراءات…
للسلطة ان تتخيل السيناريو الذي يروق لها، ولها ان تخلد الى النوم على وقع دغدغاته، ولها كل «الحق» ان تبحر بعيداً في خيالها حتى الشطط في ظل قانون الغاب الذي يحكم افعالها ومؤداه ان الاسد عندما يشيخ يصبح مسخرة الكلاب…
Leave a Reply