جميل جداً أن تخترع الجماهير، أينما كانت، وخصوصاً هنا في ديار الإغتراب. مناسباتها الخاصة فتزاول خلالها طقوس الفرح والمرح واللهو البريء أو غير البريء أحياناً. والتهام الطعام وتناول المشروبات الخفيفة والثقيلة. والرقص على سماع الغناء، وليس من الواجب أن يكون الغناء والرقص جيداً كي يحصل التجاوب والإنجذاب والمشاركة في تلك المهرجانات أو الحفلات. وهذه الظواهر تحض عليها وسائل الإعلام والإعلانات التي تحاصر الإنسان كيفما يمم نظره. والمهرجان العربي، بدون شك، هو من إحدى المناسبات التي ينتظرها الجميع هنا ومن ولايات أخرى، ليجتمعوا وتكون فرصة جميلة للإلتقاء والتجمع العائلي، فيفرح الكبار ويمرح الصغار، ويقضون ثلاثة أيام كأيام العيد زمان.
تميّز المهرجان العربي الثالث عشر هذه السنة، بالحضور الكثيف، حسب ما رأيت، نظرة عابرة على تلك الجموع الغفيرة، تتساءل أين العرب؟ وما هو الجامع المشترك لهذه المجموعات التي تمشي ذهاباً وإياباً، وحداناً وزرافات؟ ولا تخطيء العين رؤية الكرنفالات من الأزياء والألبسة التي لا تفصح عن إنتماء لابسيها.
جموع من الشباب والشابات، تتسائل هل هؤلاء الأمل الآتي لمستقبل ترجوه مشرقاً وليس كأيامك الكالحة التي تعيشها. وآسف أن أقول أن هؤلاء الشبيبة الذين يجب أن يكون لهم الغدُ، هناك تضييق عليهم وسلبهم الحق في المشاركة في أي نشاط يجرى هنا. اللهم إلا بعض الأنشطة الرياضية البسيطة. فانصرفت هذه الطاقات الشابة لتحصيل المعيشة واللهو. صار اللهو هو المجال الوحيد الذي تهدر به طاقاتها المكبوتة. في غياب أي رافدٍ يكون موجهاً وضابطاً ومصوباً للمشاركة البناءة لتطوير الحياة العامة وخدمة جاليتهم وجعل المهرجان العربي وجهاً مشرقاً للإلتقاء وسماع الآخرين ونقل صورتنا العربية التي كانت مشرقة، عبر السلوك الشفاف والتصرفات الذكية، وارتداء الملابس العربية الجميلة خصوصاً في أيام المهرجان تحديداً، وهذا مسؤوليته علينا نحن الكبار في السن من الجالية ولا لوم على أحبتنا الشباب الصغار الذين يتبعون الموضة الغربية من لبس وقص شعر وتصرفات فارغة خالية من الذوق والحس الجماعي. والقابل للإشتعال والتماسك بالأيدي والشتم بعضهم بعضاً عند أقل تصادم أو إحتكاك.
الناظر والحاضر للمهرجان العربي، بصره لا يخطيء، كرنفالا من البشر والناس ألوان وأشكال وأحجام عديدة فساتين وعباءات بعضها يغطي الجسد كله حتى الوجه بسوادٍ قاتم ولم أجد جوابا عندما سألتني حفيدتي الصغيرة: ماذا يعني هذا الشيء الغارق في السواد؟ ولماذا جاء للمهرجان؟ وجلس للإستماع للموسيقى والغناء؟
على النقيض من ذلك هناك بعض الأجساد شبه عارية، ولا شك حفيدتي تساءلت: هل أقفلت مصانع الأقمشة والثياب؟ هذه الأجساد تعلوها وجوه مصبوغة بألوان وخطوط وشعور «من شعر» بتصاميم وقصات غريبة. واللوم على التلفزينات والفضائيات التي وأكثرها يقدم المواد السطحية ويحث على اللهو والتسلية وتعطيل حاسة التفكير وفي غياب الضابط والمثل الصحيح فإن معظم أولادنا لا يلامون إذا كانوا على هذا النحو المسطح من التصرفات ويكون الهاتف النقال سلواهم. والحقيقة التي لا يخطئها البصر مشاهدة بعض الصبايا والشبان الذين تشعر بالفخر من كلامهم وتصرفاتهم. وتشعر بالحب والغبطة لأهاليهم وتتمنى لو أن لديهم فيروساً ليعدي جميع أقرانهم من الشابات والشبان.
يتميز المهرجان كل سنة بالإقبال على الألحان والغناء، سواء العربي أو الأجنبي، إيقاعات الألحان لا شك إنها تحرّك الجسد وحواس الإشتهاء والغرائز المكبوتة من حزن ومرح ودعابة، ويتم التجاوب مع تلك الإيقاعات الرتيبة المتكررة والدعابات المبسطة التي يسهل فهمها على الأجيال الشابة والقادمة من خلفيات أثنية متعددة، فيسهل التمتع بها من دون الحاجة لذكاء خارق. يرافق ذلك ميل للغرق في الثقافة الإستهلاكية، واللحاق بالأزياء الغريبة العجيبة.
الإكثار من التهام الطعام خلال المهرجان جزءاً متمماً للغناء والموسيقى النشاز فتتسع بطون الرجال بشكل خاص مما يوحي للمشاهد بأن نسبة الحبل تبدو أكثر إرتفاعا بين الرجال منها بين النساء، كما لو أنهم يعيشون في الشهر التاسع بإستمرار ومن دون ولادة.
لا يستطيع أحد الإنكار بأن المهرجان هو فرصة للتنفس والخروج قليلاً من جو العمل الخانق والضغط اليومي واللهاث وراء متطلبات العيش. والأولاد الصغار هم الفرحون وهم المدللون في المهرجان. وهذا عمرهم وسنواتهم الجميلة قبل إدراك صعوبة الحياة وتحدياتها.
وشكراً لحفيدتي الصغيرة التي لولاها لما تركني الوقت أقتطع منه كل يوم الساعات لحضور المهرجان، ولا شك إن هناك العديد من الناس المجهولين الذين بكل طاقاتهم وأوقاتهم يعملون طوال السنة لإنجاح المهرجان وعدم حصول أي خناقات وإصطدامات بين جاليات قادمة من بلاد عديدة وتحمل معتقدات وتوجهات مختلفة متضادة. فلا شك أن الشكر لهم ولا شك أن الشكر للبلدية التي تساهم بأقصى خدماتها وتجعل الألعاب والأجواء يسودها الإطمئنان والأمان رغم إن كل شيء مدفوع ثمنه سلفاً ولصديقتي التي لا يعجبها العجب عندما تساءلت: هل العرب لا يجمعهم إلا الأكل والطرب؟
أقول: عندما تفقد الجالية المصداقية في السلوك والعزيمة وتشعر بالعجز العربي العام للتغيير وفي غياب روّاد عظماء سواء هنا أو في الوطن: لا عجب في سلوك سبل التسلية والطرب سواء من العجم أو العرب وقليل وجود العرب في مهرجان العرب!!
Leave a Reply