لم يعتد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ان «يوفر» خصومه من انتقاداته اللاذعة المشفوعة دائماً بالامثلة والشواهد من «حواضر البيت الجنوبي». والرئيس بري «القليل الكلام» في العادة، يخرج كلامه حين ينضج اوانه، مدوياً ويحدث اصداء تتلقفها الساحة السياسية اللبنانية من اربع اركانها، وتبقى تتفاعل فيها الى ان يحين موعد كلام جديد.
بالامس سمعنا ان الرئيس بري وضب حقائبه وركب الطائرة الى بلاد الاسبان وذلك في عزّ ازمة التأليف الحكومي المستعصية والتي نبّه من ان استطالتها ستجلب على البلاد المزيد من التوتر والخسارة في الامن والاقتصاد واوجه الحياة المعيشية للمواطنين كافة.
يعرف الرئيس بري ان مضيفيه الاسبان يعيشون هذه الآونة فرحة الانتصار بتحقيق فريقهم الوطني لكرة القدم بطولة الامم الاوروبية بعد انتظار طال اربعة واربعين عاماً، وهو لذلك لم يذهب الى بلاد «الاندلس» لتنغيص فرحة اهلها بمشاكل اللبنانيين وانقساماتهم، رغم ان الاسبان ليسوا بعيدين عن هذه المشاكل وهم يعيشونها من خلال تواجد كتيبتهم ضمن قوات الطوارئ الدولية في منطقة الجنوب اللبناني منذ نحو سنتين وهي الكتيبة التي دفعت اغلى ثمن حتى الآن عندما استهدفت العام الماضي بانفجار هائل اسقط في صفوفها ستة قتلى وعدداً من الجرحى.
سفر رئيس مجلس النواب اللبناني في هذه الآونة، يؤشر الى ان جهوده الحثيثة «والجبارة» لاخراج ازمة التأليف الحكومي من عنق الزجاجة لم تفلح، وربما اراد بري ان يستعيض عن الكلام هذه المرة بالحركة للتعبير عن امتعاضه مما آلت اليه الازمة الحكومية التي باتت تعرف بـ«أزمة الحقائب» وتنحصر في معالجة مطالب الحليف المسيحي الابرز الجنرال ميشال عون الذي لم تقنعه حتى الآن مجموعة من الصيغ «الخلاقة» لاشراكه في الحكومة العتيدة ومن بينها صيغة تخلّى الرئيس بري بموجبها، على ما يقال، عن حقيبة الخارجية لصالح وزير شيعي يسميه الجنرال عون، واخرى عرض عليه بموجبها منصب نائب رئيس مجلس الوزراء مع حقيبة الاتصالات التي اطلق عليها بري اسم «امرأة القيصر» غير ان الجنرال لم تغره هذه «الامرأة» فطلب «هدية» معها وزارة الاشغال لانه يريد «زفتاً» يعبد طرق بعض المناطق المسيحية لمرشحيه الى الانتخابات النيابية المقبلة.
لقد بات الجنرال عون الابن المدلل للمعارضة وخصوصاً لنواتها الاساسية «حزب الله» الذي لا يشاء كسر خاطره اوردّ اي من طلباته مهما علا سقفها وتبدلت وتقلبت وهي التي اشتدت تقلباً منذ اتفاق الدوحة الذي اطاح بآخر امل للجنرال في الوصول الى قصر بعبدا.
غير ان الحليف الابرز «لحزب الله»، الرئيس نبيه بري يبدو محرجاً من تطلب الجنرال وهجمته على الحقائب الوزرارية واغلب الظن ان بري المستاء من عقدة الجنرال غير القابلة للحل رغم كل العروض التي قدمت له كان سيتوجه اليه لولا ماء في فيه: «اذا كان حليفك عسل لا تلعقه كله».
لكن بري فضل، على الارجح، الابتعاد الى ديار الاسبان حاملاً حقيبة السفر احتجاجاً على «ازمة الحقائب» ولمشاركة الاسبان فرحتهم بالنصر الكروي الذي وحد صفوف جماهيرهم المنقسمة بين الاندية المتنافسة على امل ان يعود وقد اقتنع من لم يرد الاقتناع ان «امرأة القيصر» هي نصيبه من هذه الدنيا الفانية وان «الزفت الاسود» لن يقدم او يؤخر في بلد باتت اوضاعه كلها «زفتاً بزفت» وفق التعبير اللبناني.
لاستياء الرئيس نبيه بري «علامات»، وقد تكون الزيارة الاسبانية هي احداها.
اما الجنرال فغضبه من «مشروع الحرب» فؤاد السنيورة بدأ يتحول الى عتاب ناعم لـ«الذي نحب ونحترم».
لا يلام الرئيس بري ولو طار الى كوبا!
Leave a Reply