المقاومة اللبنانية علمّت الأنظمة العربية درسا كيف يمكن المحافظة على كرامة الإنسان العربي حيا أو ميتا، حرا أو أسيرا، نظرتها تلك كلفتها حربا خاضتها عام 2006 ضد واحد من أقوى جيوش العالم، خرجت منها منتصرة وفرضت على إسرائيل شروطها بتحرير عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار ورفات شهداء من المقاومة، بما في ذلك رفات المناضلة الفلسطينية دلال المغربي التي استشهدت في الأرض المحتلة بعد أن قادت عملية فدائية مشرفة: اخترقت الحدود الإسرائيلية هي و13 من زملائها الفلسطينيين من الجنوب اللبناني وخطفوا حافلة بما فيها من الجنود الإسرائيليين تمهيدا لإبرام صفقة تبادل أسرى، طافت الحافلة في شوارع شمال فلسطين المحتلة، وكان أفراد المجموعة يطلقون النار على كل من تقع عليه عيونهم من جنود الإحتلال المنتظرين في محطات نقل الركاب، انتشر الخبر في الأوساط العسكرية الإسرائيلية هناك لتتم محاصرة الحافلة بمساعدة من طائرات الهليكوبتر وقوات كبيرة على الأرض، ودارت معركة حامية استشهدت على أثرها دلال المغربي ومجموعتها، لتصبح دلال من ساعتها رمزا من رموز النضال الفلسطيني، استلهمه الشعراء في قصائدهم والكتاب في رواياتهم، ليأتي بعد ذلك بعشرات السنين قائد ثوري كبير بمكانة السيد حسن نصر الله ويحرر رفاتها، لتدفن معززة مكرمة مع الشهداء الأبرار، فلربما يصبح قبرها مزارا لمئات السنين القادمة.
حتى المقاومة الفلسطينية استلهمت درس نظيرتها اللبنانية، أسرت الجندي جلعاد شاليت على ثغور غزة منذ عدة شهور، وراهنت هي الأخرى على تحرير أسرى فلسطينيين مضى عليهم دهرا داخل السجون الإسرائيلية، دفعت ثمنا باهظا من دماء مناضليها ولقمة عيش أطفالها، لتحتفظ بالأسير الإسرائيلي وتحفظ كلمة نطقتها كانت بمثابة «وعد صادق» إستلهمه الفلسطينيون من سيد المقاومة اللبنانية.
وعلى ذكر «الوعد الصادق» فإن جملة ما ينطق به هذا السيد هو بمثابة وعود تم تحقيقها ومن ضمنها تحرير الجنوب وتحرير كافة الأسرى اللبنانيين ووقف مسلسل الهزائم العربية أمام الجيش الإسرائيلي الذي «لا يقهر»، وقطع اليد التي تمتد لسلاح المقاومة وإقامة حكومة وحدة وطنية فيما هناك وعود في طريقها إلى التحقيق ومنها تحرير مزارع شبعا وتحرير القدس.
قد يرى البعض أن تحرير القدس شعار ترفعه المقاومة هو أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة، هذا البعض لا يلام فقد عوّده النظام العربي القائم على الإنكسار والإمتهان والتبعية، لدرجة إعتبار مجرد الصمود في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية «إنتحارا» وهذا ما لمسناه في الأيام الأولى لحرب تموز المجيدة حين دكّت طائرات العدو المطارات اللبنانية والموانيء والجسور والطرقات والمباني فأحالت الضاحية الجنوبية من بيروت إلى أكوام من الركام، وقتلت المئات من المدنيين وشردت الآلاف، كل ذلك في بضعة أيام، ظن حينها قادة وملوك يجلسون على بحور من الذهب الأسود، أن المقاومة اللبنانية ارتكبت خطأ فادحا حين أغضبت عدوا جبارا كإسرائيل، لم يدر هؤلاء أن جبابرة المقاومة وفرسانها قادرون على التصدي لذلك الجيش وإلحاق هزيمة منكرة بإسرائيل كلفتها سمعتها العالمية، وفقد على أثرها وزير دفاعها ورئيس أركانها منصبيهما، الغريب في الأمر أن الإسرائيليين اعترفوا بهزيمتهم فيما أنظمة عربية أنكرت نصر المقاومة، يبدو أنها أنظمة استمرأت الذل والهوان، فكيف لها أن تفكر بتحرير مدينة فاتحها عمر بن الخطاب ومحررها صلاح الدين، أظن أن لا يجروء أحد على تحريرها في المرة القادمة سوى رجل بهكذا مكانة مرموقة.
Leave a Reply