مفعول القرار 1559 باقامة جدار بين لبنان وسوريا سقط
اطمئنان سوري بان الحكم فـي لبنان يتجه نحو التوازن ولن يكون معادياً
بعد اللقاء الثنائي الذي جمع الرئيسان اللبناني العماد ميشال سليمان والسوري الدكتور بشار الاسد والرباعي مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وامير قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني على هامش مؤتمر «الاتحاد من اجل المتوسط» في باريس، فان الطريق فتحت لعودة العلاقات الطبيعية بين بيروت ودمشق، بعد ان عطلتها او حاولت قطعها قوى 14 شباط التي قررت نقل لبنان من العلاقات المميزة مع سوريا، ومعاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق بينهما، الى المحور المعادي لها، بالانخراط في المشروع الاميركي للمنطقة وهو «الشرق الاوسط الجديد».
هذه المحاولة التي بدأت في صيف 2004، عندما تم اصدار القرار 1559 عن مجلس الامن باقتراح تقدمت به كل من اميركا وفرنسا التي كانت برئاسة جاك شيراك، وطالب بسحب سوريا قواتها من لبنان، حيث اعطى هذا القرار دعماً لفريق «لقاء بريستول» الذي وقف مع القرار لانه رفض التمديد للرئيس اميل لحود تحت ذريعة تعديل الدستور، وهو التعديل نفسه الذي حصل للرئيس الياس الهراوي ومثله لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية ولكن بفذلكة دستورية، وهي انقضاء المهل وفق المادة 78 من الدستور.
ولاخراج سوريا من لبنان كانت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي لم يتوصل التحقيق الدولي حتى الان الى اصدار قرار اتهامي حولها بل توصيف لما حصل واصدار تقارير اجرائية حول عمل لجنة التحقيق الدولية.
تم استغلال عملية اغتيال الحريري ضد سوريا التي قررت سحب قواتها، بعد ان ادرك رئيسها بشار الاسد حجم المؤامرة عليها، لانها لم ترضخ للشروط الاميركية وتنفذها سواء في العراق بمساندة الاحتلال، او في لبنان بنزع سلاح المقاومة، او في فلسطين بعدم دعم المقاومة فيها وابقاء مكاتب فصائلها ومنظماتها مفتوحة في دمشق.
لقد انحنت سوريا امام العاصفة الاميركية التي هبت على العراق، ولكنها لم تسقط امامها، واستطاعت ان تتمايل مع الريح دون ان تصيبها، وقررت الادارة الاميركية ان تواجه سوريا من لبنان، عبر ما سمي بـ«ثورة الارز»، واعتمادها كنموذج ينتقل الى دمشق واطلاق «ثورة الياسمين» و«ربيع دمشق»، والاتكال على رموز داخل النظام السوري قد يشكلون «حصان طروادة» لاشعال ثورة في سوريا تفرض على القيادة السورية تغيير سلوكها والاستجابة للشروط الاميركية، او اسقاط النظام، وهذا ما دفع بوليد جنبلاط الى رفع سقف العداء لسوريا ورئيسها ظناً منه ان النظام يتجه نحو السقوط، لكن رهانه فشل، وانهار خصوم الحكم في سوريا من هم في موقع المسؤولية او من معارضيه.
صمدت سوريا داخلياً، ولم يؤثر عليها انسحاب جيشها من لبنان، الذي كان الهدف منه، هو تحريضه على قيادته، لكنه التف حولها، بعدما انكر من حماهم الجيش السوري ومنع تقسيم لبنان ووقوعه تحت الاحتلال الاسرائيلي، دور سوريا وقواتها في لبنان، فربح الرئيس الاسد المعركة ولم يمكن بعض الاطراف السياسية اللبنانية من ان تمس بكرامة جيشه.
صمدت القيادة في سوريا بوجه الضغوط الاميركية، فلم تنفع قرارات محاولات عزلها عربياً ودولياً، كما لم تنجح محاولات التهويل بالمحكمة الدولية بشأن اغتيال الحريري ضدها، فقدمت دمشق كل التسهيلات وساعدت التحقيق واعلن الرئيس الاسد انه لن يوفر الغطاء لاي سوري يثبت تورطه، فتم تعطيل ورقة المحكمة بعد «ثورة الياسمين» واجراءات العزل وقرارات مجلس الامن وضغوطات جورج بوش السياسية والاقتصادية.
لم تتراجع سوريا عن موقفها الرافض للاحتلال الاميركي للعراق، واثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006 قدمت الدعم للمقاومة باعتراف قيادتها، واستمرت في احتضان حركات المقاومة في فلسطين، وهذا ما اغضب اميركا وحلفائها الغربيين، وتبين لهم ان سوريا اصبحت اقوى بعد انتصار المقاومة في لبنان، وباتت تملك اوراقا اكثر في فلسطين، وهي معبر الحل في العراق كما جاء في تقرير لجنة بايكر-هاملتون.
كل هذه التطورات اعطت سوريا حجماً عربياً زاد مع انعقاد القمة العربية فيها، وباتت رقماً صعباً في المعادلة الاقليمية، وهي على تواصل مع دول خارج المحور الاميركي مثل الهند والصين وروسيا اضافة الى دول في اميركا اللاتينية وقد رفع هذا الموقع مرتبة سوريا الى دولة اقليمية اساسية ومحورية في المنطقة، فاندفعت نحوها الدول لمحاورتها في حل قضايا في المنطقة ومنها لبنان، حيث تم التسليم بدورها في انها جزء من الحل وليس من المشكلة، فساعدت في انجاز اتفاق الدوحة، وقبله في المبادرة التي اطلقتها فرنسا وحملها وزير خارجيتها برنار كوشنير وكادت ان تنجح لولا التعطيل الاميركي لها، وابقاء لبنان رهينة لتنفيذ شروط الادارة الاميركية، لكن المبادرة الفرنسية جرت ترجمتها في اتفاق الدوحة الذي فتح الطريق لانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ومنع انزلاق لبنان نحو الفتنة والحرب الاهلية، وقد ظهرت بصمات سوريا في هذا الاتفاق بالتنسيق مع قطر، ودور فرنسي غير مرئي، وهو ما اعاد التواصل بين الرئيسين ساركوزي والاسد، وتوجيه دعوة للرئيس السوري لزيارة باريس والمشاركة في قمة «الاتحاد من اجل المتوسط» وذكرى الثورة الفرنسية، ومن العاصمة الفرنسية ابلغ الرئيس السوري نظيره الفرنسي انه لا يمانع باقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان، وهو القرار الذي اتخذ في اثناء انعقاد المجلس لاعلى اللبناني السوري في 5 اذار 2005 وقبل قرار الاسد سحب القوات السورية من لبنان.
وهذ القرار اعاد الرئيس الاسد التأكيد عليه في باريس امام الرئيس العماد سليمان، وانه يجب تفعيل المجلس الاعلى اللبناني-السوري لا الغائه كما طالب جنبلاط، والبحث في الاتفاقات المعقودة بين البلدين.
وترك قرار الرئيس السوري ارتياحاً لبنانياً، وتمت ترجمته بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لان سوريا تريد الاطمئنان الى ان لبنان لن يكون معاديا لها او قاعدة اميركية ولا مقراً للاعتداء عليها، وممراً لعبورالمعادين لنظامها وتهديد امنها الوطني والقومي، وهي باتت تطمئن الى وجود رئيس جمهورية لا يطعن بها، والى حكومة لن تأخذ قرارات ضدها.
بعد هذا الاطمئنان السوري ان خاصرة سوريا في لبنان لن تكون رخوة ضدها، جاء القرار بعودة العلاقات، وحضر وزير الخارجية وليد المعلم الى بيروت، ونقل دعوة للرئيس سليمان لزيارة سوريا، التي سيلبيها مع استقرار وضع الحكومة.
والقمة اللبنانية- السورية، ستضع العلاقات الدبلوماسية في اطارها المؤسساتي ومن خلال القوانين التي تحكم العلاقات بين الدول.
واقامة علاقات دبلوماسية وترسيم الحدود يراها اطراف 14 شباط، وكأنها اعتراف سوريا بلبنان، دون ان يشيروا الى انه سبق لمسؤولين سوريين ان اعترفوا باستقلال لبنان وسيادته، ولكن فات هؤلاء ان الدول تتجه الى فتح الحدود لا الى ترسيمها وتحديدها، وهذه الحدود بين لبنان وسوريا رسمها الاستعمار الفرنسي، في اتفاقية سايكس-بيكو، التي تم من خلالها تقاسم المشرق العربي بين بريطانيا وفرنسا بعد سقوط الامبراطورية العثمانية، حيث مهّد هذا التقسيم الى وعد بلفور وانشاء الكيان الصهيوني على غرار الكيانات الاخرى التي انشأها الاستعمار، والتي تتكرر الان عبر قرارات مجلس الامن الدولي بشأن لبنان ودعت سوريا الى اقامة علاقات دبلوماسية معه، وهو ما يخالف سيادة الدول.
فمفعول القرار 1559 بدأ يتهاوى وكان يهدف الى اقامة جدار بين سوريا ولبنان، ونشر قوات دولية بينهما، وكل ذلك، لمنع التفاعل بين البلدين، ورفع حالة العداء بينهما، حيث ثبت ان تظهير مسألة ترسيم الحدود يتجه الى محاولة الغاء العمق القومي والطبيعي للمقاومة ومحاصرتها.
Leave a Reply