ان اهم شئ تقوم عليه هذه الحياة هو العمل المنظم والمتقن. والعمل في ذاته حركة، والحركة دليل الحياة، والسكون دليل الموت. فلا يمكن ان تستقيم الحياة بغير عمل، ولا يمكن ان تنتظم حياتنا بغير عمل. والعمل هو من وصايا الله جل جلاله لعباده بقوله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.
والعمل في الاسلام لا يتناقض مع الدين طالما انه قائم على ما احل الله عمله، والعمل ليس حجر عثرة في طريق المؤمنين، ولا الدين والعبادة عائقين امام المرء للقيام بالعمل، والآية التالية خير استناد: {فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله}.
والعمل يقوم على اسس ثلاث: رب العمل، العامل والعقد. ومجموع هذه الاطراف ضمن ملكية محددة يشكل مؤسسة. وبما ان العقد قد يكون كتابيا وقد يكون شفهيا، فلا يمكن تحديد اسسه لانه يرتبط بحصيلة ما تم الاتفاق عليه من قبل الطرفين الاساسيين المتبقيين، اي رب العمل والعامل. وكذا ما يطلق عليه تسمية علاقة رب العمل والعامل.
عند دخولي اي متجر او مؤسسة، اول ما يلفت انتباهي كيفية التعامل الحاصلة بين المدير والموظف. ففي الكثير من المتاجر الاميركية والمؤسسات على اختلاف انواعها والخدمات التي تقدمها، لا تزال طبيعة هذه العلاقة قائمة على اسس رب العمل والعامل، وليس الرئيس والمرؤوس.
ولكم اسف ان الشكل الاخير لا اصادفه الا في المحلات والمؤسسات العربية. فالعامل او الموظف مخير بين الانصياع للاوامر كما هي، او الصرف وترك عمله.
وناهيك ما نوع هذه الاوامر التي تشكل الكثير من الاحراج للعامل، والذين ولا يمكننا ان نغفل عن هذه النقطة، ان معظم العاملين هم من طلاب الجامعات الذين يودون شق طريقهم بانفسهم، معتمدين على مجهودهم الخاص، دون اللجوء لاحد. والسؤال هنا: لم التغاضي عن مشاعر العامل سواء كان طالبا، تلميذا، رب اسرة، اميا، بسيطا… لماذا التصغير من قيمته الانسانية وحقه الطبيعي بالاعتزاز بعمله بشتى انواعه؟
هل نسي رب العمل ما كان عمله في السابق، ام هل نسي المشقات التي واجهها لتحقيق ما لديه؟.. لم لا يستذكر كيف كان يود ان يعامله مديره ويطبق الامر على موظفيه؟ لم لا يقرب المسافة الفاصلة بينه وبين العاملين؟ الا يدرك ان من ابرز وسائل تحسين الانتاج السلعي او الخدماتي هو عامل الرضا لدى العامل عن عمله وفي مكان عمله؟
سيدي المدير، المالك، رب العمل، الرئيس.. اختر ما شئت من الالقاب التي تنتشي لها اسماعك وتطرب لها سجيتك، اود ان اخاطب روح العامل التي لا تزال ساكنة في داخلك، مهمشة كل التهميش شخصك الحالي، فهو لا يعني الكثير، لسبب بسيط جدا، ذلك ان كل ما يبهر العين يكسر الفؤاد.. والدنيا ومتاعها لو دامت لغيرك لما جاءت اليك.
لنعيد الماضي قليلا، وادرك انه مؤلم جدا للكثيرين، لكن لا بد من ذلك للبدء بمخاطبتي. سيدي، اتذكر سنيك الاولى فى عملك الاول وانت كنت لا تزال فتى ارعن، اتذكر جوعك الاول وعطشك ونعاسك اثناء عملك. اتذكر عودتك ليلا الى المنزل مرهقا، وبرغم ارهاقك وتعبك لا تستسلم للنوم لانك لم تقم بواجباتك المدرسية بعد، ولم تستعد لامتحاناتك الدراسية الحاسمة لاختيار هويتك المستقبلية لا سيما المهنية منها..
ما دمت تذكر كل هذا، لم لا تذكر ما كانت امانيك انذاك . الم تتمنى يوما ان يربت رب عملك على كتفك تقديرا لمجهودك، الم تتمنى كلمة تشد من عزيمتك وتحثك على المضي انشط بعملك.
وماذا سنخسر من ابتسامة او ربت كتف او كلمة الله يعطيك العافية لمن يقدم جهده وتعبه في مؤسستك ومتجرك ومطعمك.. والله لا يدخل الفقر مكانا وفيه نفس راضية قانعة. فاكثر من هذه الانفس لديك في ملكيتك، ولا تجعل العامل منكسر النفس اثناء تلقيه لاتعابه ولا تجعله يبادر باي كلمة شكر قبلك. اشكره انت على تعبه ووفائه واتقانه لعمله، واجعله على يقين انه يستحق كل دولار يتقاضاه منك.
استذكر هنا المرحوم جدي الذي افنى حياته في سبيل ابنائه واسرته وكان المثال الاعلى في عمله. لكنه وبفضل حبه لعمله ورغبته الشديدة بالاستمرار بمزاولة عمله ، اضحى من المقربين جدا لرب العمل، وهو شخصية بارزة في الساحة اللبنانية. اصبحت العلاقة بينهما اخوية للغاية، فكان جدي يحل مكانه اثناء غيابه ، ويعالج شؤونه اذا ضاقت السبل عليه، امين على اهله في مرضه وحريص على العمل كعمله الخاص، ولما لا، اليس هذا باب رزقه الوحيد ومصدر قوته وقوت عياله؟
لا اذكر يوما سمعت جدي يتذمر من الريس ولا يشتكي مطلقا. كان متلهفا لعمله، يؤدي واجباته واكثر. ولطالما تخللت المخاطرات سبيله اثناء القيام بعمله، وتشهد على ذلك اعمدة الميناء في الجية، وتفتقده منشات خلدة البحرية. ويوم تشييعه، لم نفاجئ اطلاقا عند حضور الريس لمواكبته الى مرقده الاخير. فنعم العامل ونعم الريس. ولطالما قال صديق لي القول التالي: وكوني في الناس كالنحل في الطير.
اذن سيدي، كن بدورك في ملكيتك ومؤسستك اب واخ وصديق للعاملين لديك، لان كل هذا يصب مجددا في مصلحتك ويزيد من مكسبك، ليس من الضروري المادي، لا بل المعنوي ايضا والثوابي.
Leave a Reply