شاعت كافة الجرائد الدولية وغيرها من وسائل الاعلام باللقاء اللذي تم بين الرئيس السوري د. بشار الأسد ونظيره اللبناني الجنرال ميشيل سليمان في باريس بمناسبة أول مؤتمر لإتحاد دول المتوسط، وأفادت تلك الوسائل إن إجتماعه قد إنتهى بإتفاق على فتح سفارة سورية في بيروت وسفارة لبنانية في دمشق.
حسنٌ! سيرتاح اللبنانيون لهذا الخبر الباهر لأن سوريا لأول مرة منذ تاريخ إنشاء الجمهورية اللبنانية تعترف بسيادتها وإستقلالها حسب رأي بعض المتشككين في الأمر.
إنما جلية الأمر هو عكس ذلك فإن سوريا تعترف بلبنان بموجب الأعراف القانونية الدولية ومن عدة نواحي تتبين واضحاً للقارئ فيما يلي:
أولاً: سوريا ولبنان يتفاعلان على مستويات دولية كمؤترات وجلسات الجامعة العربية والامم المتحدة والمؤتمر الذي ذكرناه أعلاه في مطلع هذا المقال.
ثانياً: أنشأت سوريا مراكزها الجمركية والأمنية تجاه المراكز اللبنانية على الخطوط الفاصلة الرسمية بين البلدين.
ثالثاً: سوريا تتعامل مع لبنان تجارياً وفقاً لإتفاقات وأنظمة متبادلة أبرمت بينهما .
ومن أجدر وأبرز الأمثلة التي تبرهن حقيقة الاعتراف السوري بلبنان هو آلية أو كيفية التدخل السوري العسكري اثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في عام 5791. فإن الحكومة السورية قبل إرسالها قوات الردع أبت إلا أن تحوز أولاً على طلب من الرئيس سليمان فرنجية وقرار الجامعة العربية والأمم المتحدة ولا مجال للطعن في الموافقة الأميركية من وراء الكواليس.
فإذاً لماذا يخشى اللبنانيون مما يزعمون بمطامع ومآرب سوريا؟
صحيح أن سوريا وجدت من الصعوبة تقسيم الاقليم السوري الطبيعي على أيدي الدول الاستعمارية المنتصرة إثر الحرب العالمية الإولى وماتلاها من إتفاقات هدفها تشريح الاقليم الى شرائح قد تتكون فيها قوميات وثنية وطائفية تسهل عملية الهيمنة عليها ولاشك أن هذا الأمر أثٌر على حكومات الجمهورية العربية السورية المتعاقبة التي مافتئت حتى هذا اليوم ترسخ مفهوم التجانس مابين كل سكان المنطقة ولاسيما مابين لبنان وسوريا.
وبالرغم من إعتراض السوريين على تصدع الاقليم السوري الجيوغرافي في شهر أيار من عام 1916 من جراء غدر الدول الاستعمارية، تبنت الحكومات السورية المتتالية خلال الايام اللاحقة سياسات تناغمت في أروقة المؤسسات ذات الاختصاص في العلاقات بين الدول المستقلة رغماً عن تحفظاتها وآلامها الرنانة الباقية بالطبع بعد استئصال الجزء اللبناني من بدنها.
حالياً نشهد عهداً جديداً في العلاقات السورية اللبنانية أخشاه أن يحدث بين البلدين الشقيقين على جميع الأصعدة الدبلوماسية تحولاً الى احتكاكات رسمية بحتة في فترات متباعدة تتسم بمراسم غير لائقة واعوجاجات شكلية تناسب دولا قلما تتفاعل ونادراً تتعارف.
أما تكلفة هذا المسعى فهو شيء آخر .
يتصرف اللبنانيون وكأن القروض الباهظة التي تبلغ اليوم 34 مليار دولار المفروضة على الدولة ليست إلا عاملا مغموا يقبع على صدور المقرضين وليس على رقبة المواطن اللبناني.
وسوريا التي لاتتمتع إلا بكميات ضئيلة من النفط وآبارها ربما أخليت حسب تقارير الخبراء الذين يتوقعون نهاية الضخ في عام 2010 اذا أصابت دراساتهم الجيولوجية ستتعرض الى إنفاق المزيد من ميزانيتها في سبيل فتح وادارة سفارة جديدة في عاصمة تبعد عن دمشق ساعة ونيف بسوق سيارة.
والذي سيقع ضحية هذا المشروع هو الرجل أو الامرأة الذي يشغل منصب القنصل العام في أي من البلدين سيما وأن الشعبين اللبناني والسوري أشتهرا بمحبتهما للدعائب الماجنة وسخريات لاترحم.
طلاب الجامعة الاميركية في بيروت سيتسابقون على صياغة أطرف نكات وأكثرها تجريحاً على حساب القنصل السوري والعكس بالعكس في دمشق.
فلنسأل: ماذا يفعل القنصل السوري في بيروت؟ ماهي واجباته؟
منح التأشيرات غير وارد بسبب حق كل مواطن لبناني أن يعبر الحدود السورية حاملاً مجرد الهوية اللبنانية أو جواز سفر لبناني فلا حاجة هناك لتأشيرات؟ وماتبقى من مهام تقليدية لكل قناصل العالم هي توفير معلومات عن مجالات تجارية في البلد أو الاحوال الشخصية وغيرها من معلومات تتساهل لكل لبناني أن يكتسبها بسرعة ودقة بمجرد «شمة هواء الى الشام».
قَبِل الرئيس سليمان دعوة الرئيس الاسد لزيارة دمشق خلال الايام القليلة المقبلة من تاريخ هذا المقال الوجيز. وهذا ليس أول أجتماع يجتمع رئيسا الدولتين. وكل مرة يلتقيان هي مناسبة دبلوماسية صرفة تثبت جلياً اعتراف كلاهما بشرعية وسيادة الآخر.
اذاً السيد وليد جنبلاط على سبيل المثال دام إصراراً على ضرورة تدشين سفارتين واحدة لبنانية والآخرى سورية فليتقدم بمبلغ من خزانة المختارة لتمويل هذا المشروع المذهل ولأجلٍ غير مسُمى كي يعفي الشعبين تكاليف سفارتين لاحاجة لهما ولا مبرر.
Leave a Reply