لا يلزم ان تكون متابعاً للمسلسل التركي الطويل، المدبلج باللهجة الشامية، «نور»، لكي تعرف ما يدور فيه من «احداث». يكفي ان تصغي الى الاحاديث النسوية العربية لتكوّن فكرة عن اسباب صعود نجم هذا المسلسل الذي يبدو بلا نهاية، في عالم النساء العربيات.
الثابت ان شعبية «نور» وبطله «مهند» الممثل التركي الوسيم لم تشمل صنف الرجال العرب بعكس مسلسل «باب الحارة» السوري الذي احتل احاديث الرجال في موسميه الماضيين. والتدقيق البسيط في المقارنة بين المسلسلين يظهر ان الرجال العرب في ضفة ونساءهم على ضفة اخرى من الاهتمام بالدراما الاجتماعية ونوعية «المواضيع» التي تحاول معالجتها او عرضها.
ففيما سلط «باب الحارة» الاضواء على «عزم الرجال» في المجتمعات الشرقية واحتفل بمفاهيم «الشجاعة» و«الشهامة» و«قوامة الرجل على المرأة في مختلف مناحي وتفاصيل الحياة اليومية، يبدو ان مسلسل «نور» يكرس مساحة واسعة لرومانسية حالمة يبثها مسلسل «نور» على لسان بطله «مهند» الممثل التركي الذي يبدو انه قد حطم اسطورة الممثل العربي والعالمي عمر الشريف في اذهان النساء العربيات في زمن قياسي، تستحق عليه الدراما التركية التي تغزو الشاشة العربية «جائزة السعفة الذهبية» في الاستحواذ على قلوب وعقول النساء!.
ويستفاد من الاحاديث التي تشغل المجتمعات النسائية العربية هذه الآونة ان المتابعة الشغوفة لمسلسل «نور» المدبلج والاهتمام به تجاوز منذ البدايات الحبكة المعقدة للمسلسل الذي تدور احداثه في بيئة ارستقراطية تركية تتشابك فيها مفاهيم الولاء للعائلة والتضحية الفردية الى تركيز الانتباه على جمل ومفردات بعينها تبحث عنها المرأة العربية والشرقية عموماً وتفتقدها في «عالم رجالها» ومحورها الكلام «الجميل» و»المعسول« المحمول على رومانسية افتقدها المجتمع النسائي العربي منذ عهده بالافلام المصرية القديمة بـ«الابيض والاسود» والتي غالباً ما كانت تخون اماني النساء وتعرضهن لمحن وعذابات عاطفية تستدر الكثير من دموع المشاهدات.
في واحد من المشاهد التي رأيتها بـ«ام العين» وبصدفة التجوال على المحطات الفضائية كوني لست من المتابعين لمسلسل «نور» لاسباب لها علاقة بالانشغال اكثر مما تعود الى الاهمال والعياذ بالله، سمعت مهند يخاطب زوجته (او حبيبته لا ادري؟) وهو يقدم لها باقة من الورود: «اقدم لك هذه الباقة رغم احساسي بأن كل ورود العالم لا تعادل لحظة لقائي بك..». ذكرني هذا المشهد بـ«الاسباب الموجبة» التي فرضت ولا تزال تعلق النساء العربيات بهذه الشخصية العاطفية المجبولة من طينة درامية رومانسية حالمة. وفكرت: اذا كانت هذه الجملة الغزلية على لسان مهند هي واحدة من كتائب الجمل التي يزخر بها المسلسل «فما خفي كان اعظم»، وقلت في سري اذا عرف السبب بطل العجب. فكم من رجال العرب يلاقي الزوجة او حتى الحبيبة، في هذا الزمن العربي الرديء على المستويات العاطفية قبل السياسية، بهذا الكلام الذي تزخر به لغة الضاد ولا يلزم الا ان يتناولة الرجال من متون قصائد الحب العذري.. او «الاباحي». وتذكرت ايضاً خبراً نشره احد المواقع الاخبارية الالكترونية عن زوجة اردنية جلست بالقرب من زوجها وهما يشاهدان احداث المسلسل التركي عندما بادرته بالسؤال: لماذا لا تقبلني كما يقبل مهند زوجته. وبدلاً من القبلة على الطريقة التركية عاجلها الزوج الذي ثارت فيه الغيرة، بلكمة على الطريقة العربية! وما دمنا في الحديث عن ردود فعل الرجال الشرقيين على المطالب الرومانسية لنسائهم، لا بأس لو استعدت معكم من باب تطرية الاجواء تلك النكتة اللبنانية من قاموس «ابو العبد». تقول النكتة: ان مجموعة من النساء احداهن فرنسية وثانية اميركية وثالثة بريطانية ورابعة عربية اجتمعن ذات يوم للتداول في انجع الوسائل لاخضاع ازواجهن لرغباتهن ومطالبهن ولترويضهم على طاعتهن، وفي ختام المداولات خرجن بـ«خطة» تقضي بأن يمتنعن عن تقديم الخدمات لازواجهن على مختلف انواعها ولفترة محددة، وبعد فترة اختبار دامت اسابيع عدة عدن الى اللقاء لتقييم نتائج الخطة وتقويمها. قالت الفرنسية: في اليوم الاول لم ار شيئاً.. في اليوم الثاني لم أرَ شيئاً، وفي اليوم الثالث حضر زوجي الى غرفة النوم حاملاً لي الفطور الى سريري ومقدماً لي وردة حمراء على الطبق. قالت الاميركية: في اليوم الاول لم ار شيئاً.. في اليوم الثاني لم ار شيئاً، وفي اليوم الثالث حضر زوجي الى المنزل حاملاً لي مفاجأة تمثلت برحلة الى جزر هاواي..
قالت البريطانية: في اليوم الاول لم ار شيئاً.. في اليوم الثاني لم ار شيئاً، وفي اليوم الثالث حضر زوجي حاملاً لي هدية «ذهبية» ملفوفة بورق السيلوفان مع دعوة لحضور مسرحية لهامليت.. وجاء دور الزوجة العربية «ام العبد» فقالت: في اليوم الاول لم ار شيئاً.. في اليوم الثاني لم ار شيئاً.. وفي اليوم الثالث بدأت ارى قليلاً من خلال عيني اليسرى!
لست ادري اذاما كانت الاردنية قد تعافت من لكمة الزوج الغيور، لكن الثابت كما تفيد اخبار المجتمعات العربية، ان الكثير من الزوجات تلقين لكمات على وجوههن بسبب «نور» ومهنده والكثير من البيوت «الآمنة» قد اصابها الخراب جراء «موجة التتريك» العاطفية التي تبثها محطة «ام. بي. سي» عبر مسلسل «نور» والمسلسل الآخر «سنوات الضياع». ويخشى ان تستفحل هذه الموجة بالتوازي مع الجهود التركية السلمية لحزب العدالة والتنمية« الذي انقذته المحكمة التركية العليا مؤخراً من ورطة الحظر، فتدخل المجتمعات السياسية العربية (الذكورية) مرحلة «التتريك السياسي» لملء الفراغ السياسي العربي بعد الفراغ العاطفي الذي يتكفل بملئه حالياً مسلسلا «نور» و«سنوات الضياع» وان يكون العرب نساء ورجالاً قد اضاعوا سنوات اعمارهم في مشاهدة مسلسلات من نوع «باب الحارة» و«طاش ما طاش» و«صلاح الدين» و«الملك فاروق». ناهيك عن «مسلسلات» الصراع الفتحاوي الحمساوي في فلسطين والبيان الوزاري في لبنان واشكالية المقاومة وشرعيتها والملف النووي الايراني وحروب النفط والكيانات العرقية والمذهبية التي تستعد للاحتفاء بقيامها على ارض العرب.
اما الفضاء فيبقى متروكاً لمهند ويحيى لكي يملأا فضاء نساء العرب الخاوي طالما ان رجالهن قد اجتازوا منذ عهدهم بابن الفارض زمن عذابات الحب ولم يعد صوت هذا المسكين يعلو فوق صوت المعركة!
الم يقل فيلسوفهم ابن رشد ان احد اهم اسباب خروجهم من «جنة الاندلس» هو تدهور اوضاع المرأة في ذلك الزمن؟ لو كان ابن رشد حيا ليرى اين صرنا!.
ففي المملكة العربية السعودية التي تنتمي اليها شاشة «ام. بي. سي» لا يزال يحظر على المرأة قيادة السيارة، والمرأة لا يمكنها الجلوس في مكان عام او «خاص» دون «محرم» وكلنا سمع بقصة المرأة السعودية التي حكم عليها بالجلد لانها «انفردت» بلقاء رجل دون رغبة منها ولم تنفع نداءات زوجها في تخليصها من العقوبة. فأي انفصام هذا الذي تأتي به الشاشة السعودية عندما تجرؤ على عرض مسلسل «نور» وفيه ما فيه من اشكاليات «اخلاقية» بالنسبة إليهم في حين يحكى ان مسلسل «سنوات الضياع» قد منع في المملكة منعاً باتاً لانه «يحرض على الرذيلة».
النساء العربيات وخصوصاً الخليجيات يقضين حيزاً مهما من حياتهن اليومية هذه الآونة برفقة مهند الذي اضحى فارس احلام المرأة العربية من المحيط الى الخليج. لكي لا نقول عبر المحيط. وصولاً الى قارات الاغتراب. لكن المرأة العربية في المغترب محظوظة لان غيرة زوجها عليها لا تصل الى حدود العنف بسبب توافر رقم الطوارئ (911) من جهة، ومن جهة اخرى لان الازواج (ليس كلهم) منشغلون بما هو اهم من تعاليم »نور« عن انجع السبل لارضاء رغبات زوجاتهن بكلام من القاموس العاطفي التركي المدبلج باللهجة الشامية الرطبة والسلسة.
في الماضي القريب لجأ بعض التجار الى تسمية محالهم باسم «باب الحارة» فرأينا مثلاً «مطعم باب الحارة» وبطاقة اتصال «باب الحارة» ولولا بقية من غيره وحياء لرأينا اسم مهند وصوره يغزوان السوق واظن ان مطعماً يحمل اسم مهند وبطاقة اتصال تحمل اسمه وصورته فكرة جيدة للراغبين في زيادة مداخيلهم في هذه الازمة الاقتصادية الخانقة فجمهور النساء هو العمود الفقري لعمليات التسوق، والغاية تبرر الوسيلة، وما دام مهند يحتل الصالونات وغرف النوم فما المانع من اكتساحه لاماكن التسوق؟
ولقد راودتني «فكرة تجارية» شيطانية من نوع اخر طالما ان بضاعتي هي الكتابة ولا دخل لي بعالم المطاعم وبيع بطاقات الاتصال، ان اشرع في تأليف كتاب اتخذ له عنواناً: «الخطو المسدد في الطريق الى مهند» واكتسح به سوق المكتبات الراكد منذ زمن طويل وذلك على طريقة الشاعر مسكين الدارمي وصيحته الشهيرة «قل للمليحة في الخمار الاسود».. وأكملها محرّفا: «ماذا فعلت بـ«عابد» و«مهند»؟».
واحتفظ بحقوق الطبع والتأليف خصوصاً اننا في بلاد تحمي الملكية الفكرية، لم لا؟
غير انني احذر من تسول له نفسه سرقة هذه الفكرة وتنفيذها قبلي، لانني عدت وفكرت بأنني لن اكون قادراً على التفرغ لهذا النوع من «الحكي الفاضي» قبل ان تستقر اوضاع العالم على صورة ما من الآن وحتى الانتخابات الاميركية المقبلة. فمرجل العالم يغلي بتطورات واحتمالات مرعبة لهذا الكوكب من حروب نفط وملفات نوويةالى حروب الطبيعة الغاضبة على بني البشر.
ولكن بين هذه وتلك اعد جماهير العاشقات لمسلسل «نور» و«سنوات الضياع» ان لا اضيع جهداً في نصيحة اترابي من الجنس الخشن لتخصيص بضع دقائق في اليوم لاجل التغزل بنسائهن وفي تشجيعهم على متابعة مسلسل «نور» و«سنوات الضياع» لاكتساب مهارة اللطف مع النساء وبهن لان هذا حق من حقوقهن، ولا ضير لو بدأت المتابعة من الحلقة 120 او 150 لان مهند حاضر على طول المسلسل لتلقين «الأميين» من رجالنا دروساً في أدب الغزل ولطف التعامل مع «القوارير» والرفق بهن.
وتأكيدا لحسن نواياي أطلب حالا من كل زوج مقتدر أن ينظم قصيدة غزل لزوجته ومن غير المقتدر تدبير أموره بما تيسر من النثر في أقرب فرصة ممكنة، ومن شاء من الرجال ان يصغي فحسناً يفعل ومن لم يشأ «ذنبو على جنبو»!
Leave a Reply