تفجير باص العسكريين شبيه بتفجيري عين علق المتهمة بهما «فتح الاسلام»
حذّر «تيار المستقبل» من الأصولية والثأر لبيروت فـي طرابلس
هل يعيد النائب وليد جنبلاط اعادة تموضعه السياسي، بعد التطورات التي حصلت اثر احداث ايار الماضي في بيروت والجبل ومناطق اخرى؟
هذا السؤال طرح بعد الخطاب السياسي المنخفض اللهجة والنبرة والقسوة، والذي كان يذهب به الى حد التجريح واستخدام عبارات نابية وتطاوله على القادة الكبار، اذ ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي عمم على نوابه وقيادات حزبه بضرورة اعتماد خطاب معتدل ومنفتح، تجاوباً مع التحولات التي حصلت مؤخراً، وادت الى تحقيق المعارضة لمطالبها، وتراجع المشروع الاميركي في لبنان، وعدم استخدام الادارة الاميركية للقوة لحماية حلفائها واصدقائها اثناء تعرضهم لضربة عسكرية من جانب قوى المعارضة وتحديداً «حزب الله»، حيث يؤكد لزواره في مجالسه الخاصة، انه لم يكن يثق يوماً بان الاميركيين سيدافعون عنا، وهم كانوا يتركون من يتعامل معهم في اللحظات الحرجة، لذلك سعيت مرات عديدة للخروج من الارتهان لاميركا، وقد حاولت ان افتح ابواباً مع دمشق ومع المعارضة، فلم اوفق ربما لانني بالغت برهاني ان النظام في سوريا سيسقط، وان المقاومة ستفقد دورها في لبنان، وان حلفاء سوريا وايران سيتضعضعون ويتفككون، وتتمكن قوى 14 شباط من ان تحكم، لكن كل هذه الامور لم تحصل، لا بل ان المعارضة اصبحت اقوى، وقوى 14 شباط تتفكك وشعاراتها تتمزق، هذا ما يقوله جنبلاط في مجالسه، لكنه يؤكد انه لن يخرج بسرعة من حلفائه وتحديداً سعد الحريري، وسيحاول اعادة صياغة خطاب اكثر عروبة وملتزم بقضية فلسطين، لان البديل هو خطاب طائفي ومذهبي.
ومعنى كلام جنبلاط، انه سيبقى على تحالفه مع رئيس «تيار المستقبل»، لاسباب سياسية ولارتباطه بالسعودية التي لا يمكنه الخروج منها الان لأسباب مادية، ولمعرفة التطورات العربية والاقليمية، وماذا سيحصل في ايران وملفها النووي، وعلاقاتها بالغرب، وهل من ضربة عسكرية لها؟
لذلك يقرأ رئيس اللقاء الديمقراطي التحولات التي تحصل في المنطقة، وما جرى في لبنان خلال الاشهر الاخيرة، وعودة التوازن الوطني الى الحكومة بدخول المعارضة اليها بالثلث الضامن والحقائب التي طلبتها، وبالوزراء الذين سمتهم، واصبح «فيتو 41 شباط» ضعيفاً وغير مؤثر، وان كل المناورات وحالات الرفض التي كانت تقوم بها، وقراراتها الدموية المكلفة، فانها تعود الى الرضوخ لمطالب المعارضة.
لذلك قرر جنبلاط اعادة التموضع داخل 41 شباط ولكن بخطاب مختلف عن السابق، وهو سيصطدم بممانعة حلفائه المسيحيين وتحديداً قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي كان يتغزل بمواقف وتصريحات جنبلاط خلال السنوات الثلاث الماضية، عندما يهاجم العروبة، ويتحدث عن حياد لبنان وفك ارتباطه بالقضية الفلسطينية، والتأكيد على اللبنانية، فكان جعجع يقول: «عندما اسمع وليد جنبلاط كأني أسمع الشيخ بيار الجميل مؤسس حزب الكتائب».
اما اليوم، فان مواقف جنبلاط بدأت تقلق جعجع الذي لا يعرف سبب «تكويعه»، وقد وصلت اليه معلومات عن انه لا يرغب في ان يكون على لوائحه في الجبل مرشح «للقوات اللبنانية»، اضافة الى انه بدأت تصل الى معراب من المختارة، انتقادات عن «بهلوانيات» جعجع، وادعاءاته وتوقعاته التي كانت تصيب جمهور 41 شباط بالإحباط، فلم يقول شيئاً وصدق وعده فيه، مما افقده صدقيته.
لذلك فان جنبلاط يحاول ان يبقى في المرحلة الحالية ضمن قوى 41 شباط ولو بالشكل، وقد فقدت الكثير من تنسيقها وقللت من لقاءاتها وبدأت تعصف بها الخلافات التي كشفها تشكيل الحكومة الاخيرة واستبعاد وزراء وتعيين اخرين، وكذلك سيكون وضعها مع اقتراب الانتخابات.
ويبدو جنبلاط مستعجلاً اعادة رسم تحالفات جديدة، وهو يمهد لذلك بخطابه «العروبي»، وقد كاشف حليفه سعد الحريري، بخطورة استمرار التحريض المذهبي والطائفي، والذي تستفيد منه القوى الاسلامية الاصولية، على حساب الوجود السني المعتدل الذي يمثله «تيار المستقبل»، ولا بد من ضبط الساحة السنية، واستعادتها الى العروبة والتذكير بفلسطين، قبل ان تذهب الى الجماعات السلفية التكفيرية، حيث بدأ زعيم المختارة يقلق مما يجري في طرابلس وآخرها الانفجار الذي استهدف باصاً ينقل جنوداً لبنانيين، وهو يشبه التفجير الذي استهدف باصين في عين علق قبل عامين، واتمهمت عناصر من «فتح الاسلام» انها كانت وراءه وقبل احداث مخيم نهر البارد، وان تفجير طرابلس تتجه اصابع الاتهام ان «فتح الاسلام» او عناصر اصولية تساندها وموجودة في طرابلس تقف وراءه، وقد بلغه ان اطرافاً في السلطة، واشخاصاً في «تيار المستقبل»، يدعمون المجموعات الاصولية في باب التبانة، وان معركة طرابلس فتحت على خلفية تحقيق نصر عسكري وسياسي، رداً على ما اصاب «تيار المستقبل» في بيروت ومناطق اخرى، وهذا الامر فتح الباب لبروز القوى الاسلامية الاصولية، وبدء امساكها بعاصمة الشمال لاقامة «امارة اسلامية» فيها، وان هذا التوجه، سيعطي ورقة للقوات السورية للدخول مرة جديدة الى لبنان من بوابة الشمال، وتحت عنوان وقف الاعمال العسكرية والاقتتال بين اللبنانيين، ومنع امتداد الصراع المذهبي الى الداخل السوري.
هذه المخاوف الجنبلاطية، بدأت تترجم بخطاب هادئ داخلياً، وبالتركيز على العروبة وفلسطين لتذكير السنة ان هذه قضيتهم، لا الصراع مع الشيعة الذين يقاومون اسرائيل، ويساندون الفلسطينيين، وقد صارح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي المسؤولين السعوديين بخطورة ما آلت اليه الاوضاع، وقد تناسى كما يقول معارضوه انه يتحمل مسؤولية اساسية في الاحداث التي وقعت وكان رأس الحربة ضد المقاومة وسلاحها، وخاض حملة تعبئة سياسية وشعبية ضدها، كما انه هو من فتح معركة السنة والشيعة، عندما اطلق شرارتها من احداث جامعة بيروت العربية في 27 كانون الثاني 2006، بعد الاضراب الشهير للمعارضة في 25 كانون الثاني من العام نفسه، حيث كادت البلاد ان تغرق في حرب اهلية، وقد جدد محاولته في 5 ايار الماضي، عندما اصرّ على الحكومة ان تصدر قراراً حول شبكة اتصالات المقاومة واقالة قائد جهاز امن المطار العميد وفيق شقير، وكانت ردة فعل المقاومة الدفاع عن سلاحها، بعملية عسكرية موضعية في بيروت، استدرك خطرها جنبلاط، واعلن استسلامه وهزيمته وتسليم مكاتبه الحزبية.
فما يحصل في طرابلس من نمو اوصولي سني، على وقع الاشتباكات بين باب التبانة وجبل محسن، ثم احداث البقاع في سعدنايل وتعلبايا بين السنة والشيعة، وضعت جنبلاط في موقع صعب، لان الشوف الذي يضم اقليم الخروب، فيه خلايا نائمة اصولية، وقد وصلته تقارير عن خطورتها وامتدادها في عدد من المناطق وتواصلها مع مخيم عين الحلوة، وهو ما بدأ يقلقه، اضافة الى تواجد عناصر اسلامية اصولية في مناطق بشامون والشويفات وعرمون وديرقوبل، حيث توجد كثافة سكانية سنية، تفوق المئة الف مواطن، يتغلغل «السلفيون» في صفوفهم، وهذه المناطق متداخلة مع البلدات الدرزية، وتشكل بوابة منطقة عالية عند الساحل الذي سكنه الدروز للدفاع عن الثغور بمواجهة الحملات الصليبية، فاذا بهم يفاجأون بوجود قوى اصولية تكفيرية، يعمل بعضها تحت غطاء «تيار المستقبل» ويرفع شعار الدفاع عن السنة والجماعة بمواجهة خطر الرافضة الشيعة.
هذه التطورات تقلق الزعيم الجنبلاطي، الذي بدأ انفتاحاً على خصومه السياسيين داخل الطائفة الدرزية، تحت عنوان وضع ثوابت درزية تؤكد على التزام الدروز بالعروبة والعلاقة مع سوريا والدفاع عن المقاومة في لبنان وفلسطين.
وهذا الخطاب الدرزي، هو خطاب المعارضة الدرزية، التي كانت تنصح بلسان قادتها لاسيما رئيس «تيار التوحيد اللبناني» الوزير السابق وئام وهاب، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، ان يفك رهانه على اميركا، ويعود الى تراث وتاريخ الدروز الوطني والمقاوم للاستعمار واسرائيل، قبل ان يغرق مع المركب الاميركي في لبنان والمنطقة.
فهل بدأ جنبلاط تقبل النصيحة الوهابية، يبدو انه يسير بهذا الاتجاه، لكن تبقى الاقوال بالأفعال؟
Leave a Reply