السنيورة سعى لشطب المقاومة لتحييد لبنان عن الصراع مع اسرائيل
المقاومة ربحت كل الجولات بما فيها مناقشة البيان الوزاري
كشفت مناقشات البيان الوزاري للحكومة اللبنانية عن عمق الخلاف السياسي بين الموالاة والمعارضة، التي لم تنجح حكومة الوحدة الوطنية في ازالة التباين بينهما، حول مسائل اساسية وهي سلاح المقاومة، العلاقة اللبنانية-السورية، ادارة الدولة، المشروع الاقتصادي، الوجود الفلسطيني المسلح والمدني، موقع لبنان من المحاور العربية والاقليمية والدولية.
هذه العناوين التي شكلت مادة لنقاش البيان الوزاري في جلسات الثقة للحكومة التي كانت مطمئنة انها ستنالها بعدد كبير من النواب بلغ المئة، لانها تمثل كل الكتل النيابية، ومن شذ عن حجب الثقة، فلأسباب سياسية وانتخابية وشخصية احياناً لانه لم يتم توزيره كما هي حال النائب محمد كبارة الذي وعد نفسه ووعده سعد الحريري ان يكون بديلاً عن الوزير محمد الصفدي عضو «التكتل الطرابلسي» الذي ينتمي اليه كبارة، وكلك النائب ميشال فرعون الذي كان من الوزراء الثوابت فأزيح لمصلحة وزير سماه فؤاد السنيورة.
واستفاد النواب من نقل الجلسات مباشرة تلفزيونياً، ليطلوا على ناخبيهم ويخاطبوهم، وهذا كان حال معظم الذين تعاقبوا على الكلام، بعد ان حرموا حوالي العامين واكثر من ذلك بسبب الازمة السياسية والدستورية التي عصفت بلبنان وشلت عمل المؤسسات من رئاسة جمهورية وحكومة ومجلس نواب.
ويتبين من استغلال النواب لجلسات مناقشة البيان الوزاري، انهم لم يخرجوا عن اطار التعبئة السياسية والتحريض المذهبي واللجوء الى نكء الجراح، باثارة احداث ايار الماضي في بيروت، مما اضطر الرئيس نبيه بري الى دعوة النواب للهدوء والاستفادة من اجواء الاتفاق السياسي الذي كرس تشكيل الحكومة التي جمعت كل الاطراف.
وكان لافتاً ان نواب «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» ومن كانوا في لقاء «قرنة شهوان»، هم من ارادوا التذكير بالحوادث الاليمة، واتخاذها ذريعة للهجوم على المقاومة وسلاحها، بذريعة انها استخدمته في الداخل، وذلك للتعويض على خسارتهم السياسية والعسكرية، وتغيير المعادلة الداخلية، واعادة توزيع للقوى بعد ان تمكنت المعارضة من تحقيق مطالبها، بالحصول على الثلث الضامن داخل الحكومة وتسمية وزرائها، وانتخاب رئيس جمهورية توافقي، وتضمين البيان الوزاري عبارة «من حق لبنان جيشاً ومقاومة وشعباً» تحرير الارض والدفاع عنها، وقد جاء هذا التغيير، ليسقط من يد قوى 41 شباط، انهم قادرون على اخراج المقاومة ودورها الحاضر والمستقبل من البيان الوزاري، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، فجاءت مناقشة البيان، لتعطيهم فسحة ليقولوا ما عندهم و«يفشوا خلقهم»، وهذا ما حصل، ولكن النائب علي عمار، عضو «كتلة الوفاء للمقاومة»، كان لهم بالمرصاد فلم يترك تهجمهم على «حزب الله» يمر دون رد واحياناً بكلام قاس ليستوي بما قيل من تجريح بالمقاومة وسلاحها، والذي يصب في اتجاه واحد، وهو الغاء المقاومة من الوجود، تحت ذريعة انها «دولة ضمن الدولة»، او ان تكون تحت «كنف الدولة» لحصر قرار الحرب والسلم فيها.
وقد فهم فريق 14 شباط او اطرافاً منه، بعد ان بدأ النائب وليد جنبلاط تمييز نفسه عنه، بمواقف ايجابية من المقاومة ومن العودة الى العروبة والتذكير بفلسطين، بان عقارب الساعة لن تعود الى الوراء، وان محاولة بعض مسيحيي هذا الفريق استخدام موضوع سلاح المقاومة، والدفاع عن الدولة، لاغراض انتخابية ومحاصرة العماد ميشال عون و«تيار الوطني الحر» وحلفائه في «تكتل الاصلاح والتغيير»، لم تعد تنفع، لان المسيحيين في لبنان، بدأوا يعون الخطر الصهيوني، وهم باتوا يدركون ان المشاريع الاميركية في المنطقة كانت على حساب تهجيرهم من العراق ولبنان وفلسطين، وقد كشف العماد عون مؤخراً عن الاهداف الاميركية، واعلن انه يقف ضدها، وقد استجاب المسيحيون مع لخطابه السياسي الذي يصب في اطار الدفاع عن وحدة لبنان وسيادته، لان تهجير المسيحيين يقع من ضمن مخطط التقسيم لصالح الدولة الدينية اسرائيل.
فلم تعد شعاراتز التغريبس والتحالف مع الغرب، التي كانت سائدة لفترة بين بعض اقطاب المسيحيين واحزابهم، تجذب المسيحي في لبنان، الذي كان الغرب بالنسبة له ليس هجرة فقط بل انتماء ثقافي وحضاري وديني، اما اليوم فان الظروف تغيرت، ولم يعد الغرب حليفاً او ملجأ للمسيحي، الذي فتحت امامه الدول العربية الابواب للعمل وكذلك الدول الافريقية والاسيوية وهي دول اسلامية، مما يؤشر الى ان التفكير المسيحي، بدأ يتجه نحو التفاعل مع محيطه العربي، وهذا ما اكد عليه «الارشاد الرسولي»، للحفاظ على المسيحيين في الشرق، وان النهضة العربية وحركة التحرر العربي من الاستعمار العثماني، وحفظ العروبة، قام بها رواد مسيحيون.
لذلك فان خطاب عون كما ثوابت «تيار المردة» برئاسة الوزير سليمان فرنجية، الى شخصيات مسيحية وطنية، كلها تؤكد ان خيار المسيحيين قد حسم في لبنان، فلم تعد «الانعزالية» واللعب على الغرائز الطائفية، تفعل فعلها كثيراً في صفوف المسيحيين الذين تراكمت لديهم ثقافة التفاهم مع الاخر، والقبول بالمقاومة تقاتل اسرائيل، وهذه النقلة نوعية احدثها «التيار الوطني الحر» خلال السنوات الثلاث الماضية، في ورقة التفاهم التي وقعها مع «حزب الله» والتي اصبحت مادة للحوار الداخلي، ومنطلقاً للوصول الى تفاهم وطني شامل حولها، بعد ان اخذ منها الحوار الذي جرى في مجلس النواب قبل سنتين الكثير من البنود، وهي ستكون بالتأكيد على طاولة الحوار التي دعا اليها الرئيس ميشال سليمان في القصر الجمهوري.
لم يعد الحديث عن سلاح المقاومة في الاتجاه السلبي مادة تفيد الذين يطرحون هذا الموضوع في اطار خدمة اهداف اميركية او اسرائيلية، لان اللبنانيين شهدوا ما حققته المقاومة من انتصارات وسجلت خلالها تحرير الارض والاسرى، وهي تتطلع الى تحرير ما تبقى من ارض محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ومياه مسلوبة وارض مقضومة عير ترسيم الخط الازرق.
فالمقاومة ربحت كل الجولات الان، وهي كانت تدرك ان اصعب الجولات هي تلك التي فرض عليها ان تخوضها في الداخل، مع اطراف ارتضت ان تكون ادوات في مشروع اميركي، باعتراف من قادة في 41 شباط ومنهم وليد جنبلاط وسعد الحريري وسمير جعجع بالاضافة الى السنيورة الذي هو رأٍ حربة في هذا المشروع كما يتهمه خصومه، ويشيرون بذلك الى رفضه تضمين البيان الوزاري موضوع المقاومة، لان ثمة تعهد قطعه للادارة الاميركية، ان لا يتم تشريع المقاومة، او اعطاء غطاء رسمي لها، وقد برر ذلك امام زواره، انه في حال اشار البيان الوزاري الى المقاومة، وقامت الاخيرة بعملية ما، فستتحمل الدولة المسؤولية وتصبح مؤسساتها ومرافئها عرضة للاستهداف، وهو يذكر كيف تم تحييد بيروت اثناء العدوان الاسرائيلي صيف 6002، في تلميح منه ان الدولة خلال اتصالاتها الدبلوماسية وعلاقاتها الدولية يمكنها تحييد لبنان عن المواجهة مع اسرائيل، وان المقاومة بقدر ما حققت انجازات لكن الخسائر التي تكبدها الشعب اللبناني من جراء اعمال المقاومة، لم يعد في استطاعته تحملها، ولا بدّ من ان تنتهي المقاومة عند الحدود التي وصل اليها القرار 1071، وان تنخرط في الدولة، وهي ممثلة في مجلس النواب والحكومة، وان تشارك عبر هذه المؤسسات، وان لا يعود ثمة وجود لها كتنظيم عسكري، بل كحزب سياسي هو «حزب الله».
وهذا الموضوع سيكون على طاولة الحوار، وستتركز السجالات عليه خلال المهلة التي تفصل اللبنانيين عن الانتخابات النيابية، وسيتم رفع الخطاب السياسي لقوى 41 شباط تحت عنوان الوجود المسلح غير الشرعي، وستدخل البلاد في مرحلة من التشنج السياسي، حيث ستربط هذه القوى اجراء الانتخابات بوجود السلاح، وهذا امر قد يؤدي الى تأجيلها، وتحت شعار جمع السلاح وحل كل المظاهر المسلحة، مستفيدين من ما يحصل بين جبل محسن وباب التبانه، وما جرى من معارك في مناطق اخرى، بانه لا يمكن للإنتخابات ان تجرى في ظل السلاح، وهكذا يتم الدخول الى سلاح المقاومة من هذا الباب، بعدما اغلقت الابواب الاخرى وفشلت عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، وسقطت مقولة ان المقاومة ميليشياً.
وفي الوقت الذي اعاد فريق الاغلبية النيابية تظهير موضوع سلاح المقاومة، كانت اسرائيل تقوم بحملة ضد هذا السلاح، الذي تطور خلال العامين الماضيين، وباتت المقاومة تمتلك عشرات الالاف لا سيما الصواريخ من كل الانواع ارض-ارض والتي تصل الى مسافة 300 كلم، وارض جو التي تتصدى للطائرات الحربية الاسرائيلية، وهو ما دفع وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك الى القول ان ثمة ازمة مقبلة بين اسرائيل من جهة ولبنان وسوريا من جهة ثانية، حيث ما زالت الاسلحة تتدفق من سوريا الى «حزب الله»، وتنقل الى جنوب الليطاني ايضاً، على مرأى القوات الدولية كما يقول باراك الذي يعتبر ان القرار 1071 لم يعد يفي بالحاجة، وفي ظله اعادت المقاومة تسليح نفسها وبناء تحصينات لها ومدن، وانها ما زالت تشكل تهديداً لامن اسرائيل ومستوطناتها وعمقها حيث يصل مدى الصواريخ الى المراكز النووية في ديمونا.
فاعلان اسرائيل عن امتلاك «حزب الله» لصواريخ مضادة للطائرات يكشف معنى الحملة على المقاومة وسلاحها من قبل القوى المرتبطة بالمشروع الاميركي، التي بدلاً من ان تنظر الى ان المقاومة وفي ظل عدم وجود جيش لبناني حاضر تسليحاً وتدريباً ليقوم بدوره في التصدي للعدو الاسرائيلي، وان المقاومة ملأت هذا الفراغ وما زالت بسبب غياب الدولة المقاومة والقوية والقادرة، وان حصولها على اسلحة مضادة للطائرات، يعتبر نصر للبنان وقوة اضافية يضمها الى ما حققته المقاومة في دفاعها ضد العدوان الاسرائيلي في البر والبحر واحياناً في الجو ضد الآلة الحربية الاسرائيلية.
فموضوع المقاومة وسلاحها المطروح للحوار، لن يكون الا مادة نقاش حول كيفية الاستفادة من قوتها، في اطار الدفاع عن لبنان، لان ثمة تجربة اكدت نجاحها، لا بد من البناء عليها، لا التراجع عنها، كما يقول قادة المقاومة الذين يريدون من الحوار، ان يتركز حول كيف يمكن تدعيم الجيش بأسلحة ليشكل مع المقاومة قوة للبنان، وكما هو دوره الان في التنسيق القائم بينهما، وما عبارة دور الجيش والمقاومة والشعب في الدفاع عن لبنان التي وردت في البيان الوزاري، الا ترجمة لما هو حاصل فعلياً على الارض، ومترجم بالدم والشهادة كما قال رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وان هذه الاقانيم الثلاثة تتألف منهم الدولة، وبالتالي لا تناقض بين المقاومة والدولة، وهو ما اكتشفه النائب وليد جنبلاط مؤخراً، وبدأ يردده، بعد ان اثبتت المقاومة قدرتها على مواجهة اي عدوان اسرائيلي وتصده وتلحق الخسائر البشرية والمادية به.
وان المطلوب في الحوار، هو تعزيز هذا التلاحم والتكامل بين الاطراف الثلاثة، وبذلك يكون لبنان دخل مرحلة الميثاق الوطني الحقيقي، وخرج من ازمته التي كانت تتجدد على مدى عقود، بسبب عدم اتفاق اللبنانيين على العناوين القضايا الاساسية، وهي مدار خلاف منذ نشوء الكيان اللبناني، وجاء زرع الاستعمار لاسرائيل في المشرق العربي، ليزيد من ازمات لبنان والمنطقة.
Leave a Reply